في آخر أسبوع من شهر أكتوبر/تشرين الأول، ضرب إعصار تيج مناطق الساحل الشرقي في اليمن حيث اجتاح أرخبيل سقطرى وصولاً إلى محافظة المهرة، مسببا الدمار في حضرموت وشبوة وأبين وحتى الضالع. صاحب الإعصار أمطار وسيول غزيرة دمرت المنازل والطرقات، وتسببت في انقطاع إمدادات الكهرباء وشبكات الاتصالات، وتشريد آلاف الأسر حيث تضررت أكثر من 35,000 أسرة بالإعصار وفقاً لجمعية الهلال الأحمر اليمني.
شهد اليمن تزايد في وتيرة الأعاصير المجتاحة لمناطِقه الساحلية، مع ما تحمله من مخاطر جسيمة على سكان تلك المناطق وعلى البنية التحتية الضعيفة أساساً. ففي السنوات الست الماضية وحدها – والتي عاش فيها اليمن صراع مستمر منذ ما يقرب من عقد من الزمن – ضربت البلاد ستة أعاصير، وهو معدل مرتفع مقارنة بالأعاصير الأربعة التي اجتاحتها في السنوات الـ 25 الماضية. أدى تنامي الظواهر المناخية المتطرفة إلى خسائر كبيرة في الأرواح وفقدان اليمنيين لمصادر عيشهم وتفاقم انعدام الأمن الغذائي، الأمر الذي دفع العديد من السكان المحليين إلى مغادرة ديارهم وبالتالي ارتفاع عدد النازحين داخليا وزيادة الضغط على الموارد الضئيلة للمجتمعات المضيفة.
يُصنّف اليمن اليوم في المرتبة 22 من بين البلدان الأكثر عرضة لتغيرات المناخ، وفي المرتبة 171 من أصل 181 دولة على مؤشر التكيف العالمي لجامعة نوتردام لعام 2022، وفي المرتبة 12 في مؤشر البلدان الأقل استعدادا للتكيف مع تغير المناخ. كما يُعد اليمن واحداً من أقل البلدان المستفيدة من صناديق المناخ على مستوى العالم، على الرغم من مساهمته بأقل من 0.03 في المائة من إجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة عالمياً.
ومع اتجاه الأنظار مؤخراً إلى مؤتمر الاطراف COP 28 المنعقد في دبي منذ نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني، يُعدّ إعصار تيج بمثابة تذكير هام للعالم بالتهديدات المناخية التي يواجهها اليمنيون اليوم، وحاجة البلاد الماسة إلى الدعم من أجل تعزيز القدرة على التكيف مع تغيرات المناخ.
إعصار تيج يخلف أضراراً ودماراً
في 22 أكتوبر/تشرين الأول، مرّ إعصار تيج عبر سقطرى في طريقه إلى محافظة المهرة، مسبباً هطول أمطار غزيرة وارتفاع مستوى سطح البحر. في اليوم التالي، ضرب الإعصار الساحل الجنوبي للمهرة، حيث أفادت هيئة الأرصاد الجوية اليمنية عن هطول كميات من الأمطار تجاوزت 406 ملم، في مطار عاصمة المحافظة في غضون ساعات قليلة، وهو معدل أعلى بكثير من متوسط حجم هطول الأمطار سنوياً البالغ 50 ملم. واصل الإعصار شق طريقه شمالا في 24 أكتوبر/ تشرين الأول، مع بلوغ سرعة الرياح 50-60 عقدة. تراجعت قوة الإعصار في نهاية المطاف إلى عاصفة مدارية، لكن الأمطار الغزيرة استمرت في الهطول على مناطق أخرى من اليمن.
أشار مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية إلى أن الإعصار دمّر أو ألحق أضرارا بأكثر من 500 منزل في سقطرى، وعلى الرغم من عدم وقوع إصابات بشرية، ألحقت العاصفة أضراراً مادية كبيرة في البنية التحتية والممتلكات العامة والخاصة ومنازل المواطنين، ومدمراً حوالي 50 في المائة من الطُرق خاصة في المناطق الشرقية. انقطعت الاتصالات تماماً مع مناطق مثل رأس عرسال لا سيما مع عدم وجود طُرق تربطها بعاصمة المحافظة “حديبو”.
أما في المهرة، حيث استقر مركز العاصفة، فقد لقي شخصان مصرعهما بسبب الإعصار فيما أُبلغ عن ستة أشخاص في عداد المفقودين، وشُرد أكثر من 10,000 شخص من مديريتي الغيضة وحصوين. تسبب الإعصار كذلك في موجات سيول غمرت الطرق والمركبات وألحقت أضرارا بالعديد من المباني، بينما أفاد الهلال الأحمر اليمني عن نزوح أكثر من 1800 أسرة في كافة أنحاء المهرة. هذا وعاثت الأمطار والسيول الغزيرة دماراً في أبين وشبوة وحضرموت، إلى جانب قطع الطرق في بعض مناطق الضالع بسبب مياه الأمطار التي غمرت المنازل لأربع أيام متتالية، مانعة السكان من الوصول الى الغذاء والرعاية الطبية الطارئة.
زار رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي محافظة المهرة في 22 أكتوبر/تشرين الأول، حيث حثّ الحكومة والسلطات المحلية على تكثيف الجهود للتخفيف من آثار الإعصار، ووجّه بالتنسيق المشترك بين الهيئات المعنية بالاستجابة للكوارث الطبيعية بما في ذلك الهيئات العسكرية والأمنية، واللجان المجتمعية، فضلا عن المنظمات الإقليمية والدولية. وفرت السلطات في المهرة 45 مركزا لإيواء أكثر من 1300 أسرة نازحة بسبب الإعصار، في ظل تعطل الدراسة في المدارس الحكومية والخاصة. تفتقر محافظة المهرة إلى بنية تحتية متماسكة تحميها من تداعيات الكوارث الطبيعية، وهو ما يقوض القدرة على التنبؤ بتلك الكوارث والتأهب لها ، ويُعرض حياة الأفراد والمجتمعات للخطر لا سيما مع تواتر الظواهر المناخية المتطرفة الغير قابلة للتنبؤ بها بسبب تغير المناخ.
اليمن أكثر عُرضة للصدمات المناخية
تعتمد شريحة كبيرة من المجتمعات المحلية في اليمن على الموارد الطبيعية و قطاعات حساسة تجاه تغيرات المناخ (كالزراعة وصيد الأسماك) لكسب عيشها، الأمر الذي يجعلها عُرضة للصدمات المناخية. فَقَد المزارعون في اليمن مصادر عيشهم بسبب الجفاف الشديد والسيول المدمرة التي جرفتهم لحَافّة الفقر مع عدم قدرتهم على تلبية احتياجاتهم الأساسية. فضلا عن ذلك، يُعد اليمن أحد أكثر بلدان العالم الفقيرة بالموارد المائية والتي تعاني من انعدام الأمن الغذائي، حيث يكافح 80 في المائة من السكان للحصول على الغذاء والمياه الصالحة للشرب. أدت آثار تغير المناخ، كَتنامي موجات الجفاف والأعاصير والسيول المفاجئة في السنوات الأخيرة، إلى تفاقم هذه المشاكل وبالتالي انخفاض المحاصيل الزراعية، وفقدان الأراضي، وشُحّ مصادر المياه النظيفة.
على ضوئه، بدأت المجتمعات المحلية تَفقد الموارد الطبيعية الضرورية لتلبية احتياجاتها الأساسية، وباتت أكثر عرضة للاستغلال وانتهاكات حقوقها الإنسانية. تتفاقم مواطن الضعف هذه نتيجة الصراع الجاري الذي ألحق الضرر بالبنية التحتية المتداعية في ظل تزايد الكثافة السكانية، وهو ما أعاق الاستجابة الفعالة للكوارث عند وقوعها. بالنسبة للمناطق الريفية التي تعد الأكثر تأثراً بالضغوط المناخية، لجأت بعض الأسر إلى استراتيجيات تكيّف تنطوي على ممارسات ضارة بما في ذلك إخراج الأطفال من المدارس للعمل، أو في بعض الحالات، إجبار الأطفال على الزواج المبكر أو استغلالهم كعمالة للمساعدة في تلبية الاحتياجات الأساسية للأسرة. استغلت الجماعات المسلحة هذا الوضع منذ اندلاع الصراع لتجنيد عناصر من الأعداد المتزايدة من النازحين داخليا، بمن فيهم الأطفال والنازحين بسبب المناخ العاطلين عن العمل. ومع محدودية وصول السكان إلى الخدمات الأساسية وهشاشة أنظمة الرعاية الصحية ، تتفاقم التداعيات الوخيمة للظواهر المناخية المتطرفة لا سيما في ظل غياب استراتيجية وطنية قوية لإدارة البيئة وغياب أنظمة الإنذار المبكر بالتهديدات المناخية، ولا يُستبعد أن يؤدي التنافس على الموارد الشحيحة إلى تنامي الاحتقان والتوترات واحتمال اندلاع صراعات جديدة.
أهمية تسليط الضوء على أزمة تغير المناخ في اليمن خلال مؤتمر الأطراف COP 28
إعصار تيج ما هو سوى نذير لما هو آتٍ، وبالتالي تبرز الحاجة الملحة للتصدي لأزمة تغير المناخ في اليمن في ظل تواتر الظواهر الجوية المتطرفة وشدتها. يُتيح مؤتمر الأطراف COP28 المنعقد حالياً في دبي فرصة هامة للمجتمع الدولي من أجل تكثيف تدابير مواجهة تغيرات المناخ ولحشد التمويل الدولي لدعم بلدان هشة كَاليمن بما يُعزز القدرة على التكيف مع تغيرات المناخ، والحدّ من تأثير الكوارث الطبيعية مستقبلاً والنهوض بالاستقرار والتنمية.
من هذا المنطلق، من المهم أن يُركز الوفد الممثل لليمن في المؤتمر، وكذلك ممثلو منظمات المجتمع المدني اليمنية والمجتمعات المحلية، على تعزيز فَهم الدول المشاركة لخطورة أزمة المناخ في اليمن، وتسليط الضوء – خلال محادثات المؤتمر – على تهديدات المناخ على السلم والأمن، واستغلال المؤتمر كمِنبر لتنسيق جهود التكيّف مع تغيرات المناخ وتمويل التدابير المناخية وإبرام شراكات بين السلطات الوطنية والكيانات الإقليمية والدولية وقادة العالم.
هذا بالنسبة للجهود على الساحة الدولية، أما على المستوى المحلي، فعلى اليمن مراعاة الاحتياجات المناخية حيث ساهم افتقار البلاد إلى استراتيجيات وخطط وسياسات مناخية وطنية في مفاقمة أزمتها الراهنة. فالبنية التحتية المتداعية غير مهيأة لتحمّل التأثيرات المناخية المتنامية والمتسارعة، وحَالَ الصراع المستمر منذ قرابة عقد من الزمن دون نقل المعرفة والتكنولوجيا أو التعاون المثمر مع الوكالات الدولية ذات الصلة. بالتالي، على اليمن حشد الدعم السياسي محلياً لمواجهة أزمة المناخ القادمة وبصورة مباشرة.
فضلا عن ترتيب أجندته محلياً، يحتاج اليمن عاجلا لمساعدات دولية مُستدامة – تقوم على النَّهج الترابطي بين العمل الإنساني والتنمية والسلام – من أجل تعزيز القدرات على المستويين الوطني والمحلي في مواجهة الصدمات المناخية. من المهم أن يركز هذا الدعم على تعزيز القدرة على إدارة التهديدات المناخية، وتعزيز التأهب، والنهوض بأنظمة الرصد والإنذار المبكر، وتعزيز شبكات الأمان الاجتماعي، وإعادة تأهيل وتطوير البنية التحتية، إلى جانب اعتماد الزراعة المراعية للظروف المناخية (أو الزراعة الذكية مناخياً).