انخرط قادة المجلس الانتقالي الجنوبي في مشاورات السلام اليمنية بالرياض الشهر الماضي بروح من التفاؤل والاستعداد لإحداث تغيير هيكلي في مؤسسة الرئاسة اليمنية، وصلوا بمقترح لتعيين نائبين للرئيس عبدربه منصور هادي، أحدهما من شمال اليمن والثاني من الجنوب، وذلك بغرض تحقيق هدف ذي شقين. فتعيين رئيسه عيدروس الزُبيدي كواحد من نائبي الرئيس، يضمن للمجلس تعزيزًا لنفوذه السياسي وسيحصل على اعتراف ضمني بمكانته كممثل رئيسي للجنوب. أما الشق الثاني، فإن إقالة علي محسن الأحمر من منصب نائب الرئيس وتعيين شخصية أقل عدائية للمجلس الانتقالي سيقوّض من قوة خصم المجلس المتمثل في حزب الإصلاح الإسلامي.
لكن نتائج مشاورات الرياض جاءت مفاجأة حتى للمجلس الانتقالي الجنوبي نفسه، حيث فاقت آماله من نواح مهمة، غير أنها خلقت تحديات في الوقت نفسه. أُزيح هادي -المنحدر من الجنوب -تمامًا ليحل محله رشاد العليمي -وهو شخصية تنحدر من الشمال -كرئيس لمجلس القيادة الرئاسي المكوّن من ثمانية أعضاء. مُنح أشخاص جنوبيون أربعة مقاعد في المجلس، اثنان منهما يُصنفان كخصوم للمجلس الانتقالي الجنوبي؛ إذ ساد التوتر علاقة محافظ حضرموت فرج البحسني مع الزُبيدي مؤخرًا، بسبب دعم الأول للنظام الفيدرالي ومعارضته للتكتيكات التصعيدية للمجلس الانتقالي الجنوبي خلال العامين الماضيين، مثل إعلان الحكم الذاتي عام 2020. أما الخصم الآخر للمجلس الانتقالي فهو عبدالله العليمي، مدير مكتب رئاسة الجمهورية في عهد هادي وعضو حزب الإصلاح، الذي سيحاول تقديم نفسه كخليفة لهادي في حاضنة الدعم التقليدية للرئيس السابق في كلٍ من محافظتي أبين وشبوة. علاوة على ذلك، فإن تعيين قائد “ألوية العمالقة” عبدالرحمن المحرمي (المعروف باسم “أبو زرعة”)، وهو جنوبي أيضًا، يعيد تعريف الألوية المدعومة من الإمارات كقوة سياسية وإدارية مستقلة عن المجلس الانتقالي، على النقيض من الرواية التي تبناها المجلس خلال العمليات العسكرية الناجحة التي خاضتها ألوية العمالقة أواخر ديسمبر/ كانون الأول وأوائل يناير/ كانون الثاني في شبوة، التي انتهت بطرد قوات الحوثيين.
بيد أن المجلس الانتقالي حقق العديد من المكاسب المهمة في هذا التشكيل الحكومي الجديد. أولًا، مُنحت القضية الجنوبية الاعتراف بأنها جزء لا يتجزأ من الأزمة اليمنية، وبأهمية طرحها على الطاولة في المحادثات المستقبلية، على عكس المفاوضات السابقة التي أجلت مناقشتها إلى حين التوصل لاتفاق على مرحلة انتقالية وحوار سياسي شامل. ثانيًا، أُرسي مبدأ التكافؤ بين الشمال والجنوب في الرئاسة، حيث مُنح الزُبيدي مقعدًا على الطاولة وسيكون له رأي ليس في القضايا المتعلقة بالجنوب فحسب، بل بالبلاد بأسرها. وأخيرًا، أدت إزاحة هادي إلى ترجيح كفة ميزان القوى في الجنوب لصالح المجلس الانتقالي، وحدّت من مساحة المناورة السياسية أمام منافسيه مثل مؤتمر حضرموت الجامع والائتلاف الوطني الجنوبي وبعض الفصائل وقادة الحراك الجنوبي، الذين تمكنوا -سابقًا -من كبح جماح المجلس من خلال قدرتهم على تجاوز الزُبيدي عبر مناشدة الرئيس هادي كشخصية تنحدر من الجنوب. ومع خروج الأخير من المعادلة، أصبح المجلس الانتقالي بقيادة الزُبيدي في وضع أقوى.
كانت الثمرة الأولى التي جناها المجلس الانتقالي في الرياض هي انفتاح القادة الجنوبيين الفاعلين على الانخراط في حوار دعا إليه عام 2019. غير أن هذا النفوذ يترتب عليه مخاطر؛ فمع دمج المجلس في هياكل السلطة، سيضطر إلى اتباع سلوك معتدل وتخفيف لغة التعبئة الرامية إلى انفصال جنوب اليمن عن شماله. إنشاء المجلس الرئاسي الجديد يعني كذلك عودة الحكومة إلى عدن، الأمر الذي سيتطلب من المجلس تقديم تنازلات مثل تنفيذ الشق العسكري من اتفاق الرياض، وإخضاع فصائله المسلحة لسيطرة الحكومة، وتقاسم السلطة السياسية التي كان يتمتع بها داخل معقله في عدن، والتخلي بشكل أساسي عن سياسة الأمر الواقع التي كان ينتهجها منذ عام 2019.
من شأن مثل هذا الترويض للمجلس الانتقالي أن يمنح منافسيه داخل الحراك الجنوبي، مثل حركة الانفصالي البارز حسن باعوم، الفرصة للعب الدور الراديكالي المطالب بالانفصال التي سبق أن دعا إليها المجلس، وقد تحذو فصائل الحراك الأخرى حذو باعوم في حال فشل الحوار مع المجلس الانتقالي في تحقيق نتائج. وفي حين بات لدى الفصائل الجنوبية مصلحة الآن في تأمين علاقات لنفسها في مواجهة المجلس الانتقالي الأقوى حاليًا، نظرًا لقدرة المجلس الفريدة على تمثيل الجنوب في المفاوضات المستقبلية على المستوى الوطني، يمكن توقع أن يميل المجلس نحو ما يعتبره شركاؤه الشماليون في المجلس الرئاسي الجديد موقفًا أكثر واقعية في المحادثات المستقبلية بشأن النظام الفيدرالي؛ الأمر الذي يمكن أن يثير معارضة في أوساط قاعدة شعبية للمجلس تتوق إلى الانفصال. ومع ذلك، سيعتبر المجلس الانتقالي هذا ثمنًا مقبولًا للجائزة التي حظي بها: وجود فعّال على طاولة المفاوضات وفرصة لتحسين الظروف المعيشية وإحياء مؤسسات الدولة في المحافظات الجنوبية.
على المجلس الانتقالي الجنوبي أن يكون أكثر حذرًا في الوقت الحالي بشأن الكيفية التي تنظر بها الرياض لتحركاته. سيجازف مجازفة كبيرة في حال استغل هذه المكاسب السياسية المفاجئة وغير المتوقعة لاتباع سياسته التقليدية المتمثلة في التصعيد على الميدان والاستحواذ على السلطة العسكرية في المحافظات الجنوبية. وبالنظر إلى الدعم الإماراتي الحالي له، فإن هذا من شأنه أن يهدد التفاهم الثنائي بين الرياض وأبو ظبي حول كيفية إدارة الأزمة اليمنية. السعودية تدرك أن مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمنح مكاسب كبيرة للإمارات وحلفائها، لكنها قبلت بذلك كعاقبة يمكن تحملها في سبيل التخلص من هادي ودائرته والمُضي قُدمًا في حلّ الأزمة اليمنية. لكن الرياض قادرة في الوقت نفسه على جمع الخصوم الجنوبيين للمجلس الانتقالي وبإمكانها تعزيز قدراتهم، إذا لزم الأمر، للحد من نفوذ المجلس.
في ضوء هذه الديناميكيات، من المرجح أن يتصاعد التنافس المناطقي بين المحافظات الجنوبية الشرقية والجنوبية الغربية. نظرًا لافتقارها حاليًا إلى قاعدة سياسية قوية، من المتوقع أن يلجأ فرج البحسني في حضرموت وعبدالله العليمي في شبوة إلى التعبئة الميدانية لكسب النفوذ. علاوة على ذلك، ستنتهز مختلف الشرائح المجتمعية في حضرموت والمهرة، في أقصى شرق اليمن، الفرصة لاقتناص تنازلات من المجلس الرئاسي الجديد والمجلس الانتقالي الجنوبي بشأن الهوية الإقليمية والحكم الذاتي خلال الحوارات القادمة الرامية للتوصل إلى حل سياسي للصراع الدائر.