لأول مرة في تاريخ اليمن الحديث، يرأس السلطتين التنفيذية والتشريعية في الحكومة شخصيات تنحدر من محافظة تعز. فقد عُين رشاد العليمي -المنحدر من تعز -رئيسًا لمجلس القيادة الرئاسي الجديد أوائل أبريل/نيسان، لينضم بذلك إلى رئيس الوزراء معين عبدالملك ورئيس مجلس النواب سلطان البركاني، المنحدرين أيضًا من نفس المحافظة.
هذا الحضور القوي لتعز على الصعيد الوطني وفي هذه المرحلة له دلالات مهمة بالنظر إلى المكانة الفريدة التي حظيت بها المحافظة عبر تاريخ اليمن. ففي حين تُعد المحافظة سياسيًا جزءًا من اليمن الشمالي، لكنها جغرافيًا وتاريخيًا لطالما كانت جزءًا من الجنوب. كانت تعز عاصمة اليمن خلال إحدى أزهى عصور الدولة في التاريخ الوسيط، أثناء حكم الدولة الرسولية (1229-1454م)، وكانت العاصمة البديلة عندما يصل الحكام في صنعاء مرحلة اليأس من بناء تحالفات مستقرة مع القبائل الزيدية المحيطة بصنعاء، تمامًا كما حدث خلال مرحلة الحكم العثماني الثاني من عام 1872 إلى عام 1918.
اُختيرت تعز كمقر للحكم في عهد الإمام أحمد بعد إفشاله انقلاب عام 1948 الذي أودى بحياة والده، خشية تمرد القبائل مجددًا، وظلت كذلك حتى اندلاع الثورة الجمهورية عام 1962، وحينها عادت السلطة السياسية إلى صنعاء، لكنها ظلت مقر الإقامة المفضل للرئيس القاضي عبدالرحمن الإرياني، ثاني رؤساء الجمهورية (1967-1974م). خلال تلك الفترة، شهدت مدينة تعز حراكًا سياسيًا وثقافيًا في الوقت الذي كانت البلاد تخوض حربًا أهلية مركزها صنعاء.
تعمقت علاقات تعز بالجنوب خلال الحكم الاستعماري البريطاني؛ فغالبية سكان عدن ينحدرون في الأصل من مناطق تعز، وخاصة منطقة الحجرية، مما خلق رابطًا مهمًا بين المدينتين. كما لعبت الثقافة السياسية في عدن دورًا حاسمًا في نشر التعليم الحديث بتعز، حيث أنتجت سياسيين ومفكرين محليين مثل أحمد النعمان وعبدالله عبدالوهاب النعمان ومحمد قايد سيف، فضلًا عن تكنوقراط بارزين من أمثال محمد أنعم غالب وعبدالعزيز عبدالغني ومحمد سعيد العطار وأحمد عبده سعيد. ونشأت أسر تجارية خلال تلك الفترة، مثل أسرة هايل سعيد أنعم وأسرة مطهر.
اعتبر البعض من أبناء تعز مقتل القائد العسكري التعزي عبدالرقيب عبدالوهاب خلال الصراع بين الجمهوريين عام 1968 مؤشرًا على إقصائهم. فحتى حين صعد الرئيس السابق علي عبدالله صالح إلى السلطة، في وقت لاحق، لم يعيّن شخصيات من أبناء تعز في مناصب عسكرية أو مناصب صنع القرار المهمة، رغم أنه كان قائدًا لمحور تعز العسكري قبل توليه رئاسة البلاد. لم يعدو أشخاص مثل عبدالعزيز عبدالغني، الذي شغل منصب رئيس الوزراء عدة مرات، كونهم شخصيات رمزية في الحكومة، حيث بقيت السلطة السياسية والعسكرية الحقيقية في أيادٍ أخرى. كان محور أول محاولة إنقلابية فاشلة ضد صالح في أكتوبر 1978 قادة عسكريين ومدنيين تعزيين من التنظيم الناصري.
أما في جنوب اليمن، شغلت شخصيات من تعز بعض المناصب المهمة في الدولة، وخاصة على الجانب التكنوقراطي، بيد أن معظم المناصب العسكرية في القوى الجنوبية المسلحة تقلدها أفراد من محافظات الضالع ولحج وشبوة وأبين. استولى عبدالفتاح إسماعيل، الذي ينحدر من تعز، وتولى قيادة الحزب الاشتراكي في الجنوب، على رأس السلطة لفترة وجيزة عام 1979، قبل استقالته بعد أقل من عام.
حافظت تعز على لعب أدوار سياسية بارزة بعد الوحدة. ففي ديسمبر/كانون الأول 1992، اندلعت احتجاجات على تدهور الأوضاع المعيشية في المحافظة امتدت إلى محافظات أخرى مثل صنعاء والحديدة. وفي عام 2011، كانت هي بداية انطلاق شرارة الاحتجاجات التي أطاحت بالرئيس صالح نهاية المطاف، وأصبحت من نواح عديدة القلب النابض للثورة الشعبية. خلال المراحل الأولى من الحرب الحالية، قاوم أهالي تعز محاولات قوات الحوثيين للسيطرة على المدينة، وواجهوها بالمظاهرات. وفي أعقاب تدخل التحالف الذي تقوده السعودية في مارس/آذار 2015، أصبحت تعز ساحة رئيسية للمعارك، حيث حاول التحالف قطع خطوط إمداد الحوثيين من الشمال التي تمر عبر المحافظة.
تتقاسم القوى السياسية والميليشيات المتنافسة حاليًا محافظة تعز. فقد أمّن حزب الإصلاح لنفسه موطئ قدم قوي فيها بعد دحره منافسه القوات السلفية في مدينة تعز، في حين سقط الساحل تحت سيطرة قوات طارق صالح. ولا تزال المناطق الشمالية، بما في ذلك منطقة الحوبان الصناعية، تحت سيطرة قوات الحوثيين.
في ظل هذا الوضع السياسي والعسكري المتشرذم في المحافظة، ماذا يعني تعيين رشاد العليمي بالنسبة لتعز؟ يحمل كل من العليمي ورئيس الوزراء معين عبدالملك درجة الدكتوراه وهما من خريجي الجامعات المصرية. تقلد العليمي عدة مناصب أكاديمية وأمنية خلال مسيرته المهنية، كان أهمها منصب وزير الداخلية في بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وهو عضو في حزب المؤتمر الشعبي العام الذي كان يتزعمه صالح. أما معين عبدالملك فهو شخصية مستقلة برزت ضمن فئة الشباب الذين صعدوا بعد ثورة 2011، ومن خلال علاقته الشخصية القوية مع وزير الخارجية الحالي أحمد عوض بن مبارك. من ناحية أخرى، كان سلطان البركاني أحد الوجاهات الاجتماعية التي خلقها الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وأصبح في نهاية المطاف من قيادات حزب المؤتمر.
إضافة إلى أصولهما المشتركة، يتشابه العليمي ومعين في عدم امتلاكهما لقوة مسلحة تقف وراءهما، كما أنهما لا يتكئان على عصبية مناطقية مسلحة، رغم الانقسامات العسكرية الحالية التي تعاني منها المحافظة. فقد أُنشئ مجلس رئاسي يمثل أعضاؤه مختلف القوى المسلحة، فيما عدا رئيسه.
لجأ اليمنيون في السابق إلى مثل هذا الترتيب حين برزت الحاجة إلى قيادة محايدة وسلمية من شأنها أن تضع حدًا -ولو بشكل مؤقت -للمواجهات المسلحة بين مختلف القوى. كان هذا الترتيب قائمًا إبان تنامي النفوذ السياسي لحضرموت في جنوب اليمن بعد حرب عام 1986، رغم أن المحافظة لم تكن مركزًا للعصبية المناطقية المسلحة. على النقيض من ذلك، كان النفوذ الحضرمي ضروريًا لتحقيق التوازن وفض الاشتباك بين المحورين المسلحين المتنافسين في كل من لحج-الضالع وشبوة-أبين، ما أدى إلى صعود علي سالم البيض وحيدر أبوبكر العطاس إلى السلطة في الجنوب.
إن صعود تعز الحالي مشابه للوضع الحضرمي، لكونها تمثل قوة مناطقية حضرية غير مسلحة ولا تشكل تهديدًا لأحد، وتسهم في تأجيل الصراع على السلطة بين القوى الأخرى. ولكن هل سيؤدي هذا التنامي في النفوذ في نهاية المطاف إلى بروز المدينة كقوة مسلحة متماسكة في حد ذاتها؟
سيتأثر مستقبل تعز بما يرسمه لها أبناؤها الذين يشغلون مناصب في السلطة هذه الفترة، وخاصة رئيس المجلس الرئاسي الجديد؛ فإما أن تسهم أفعالهم في تخفيف حدة الانقسام والمعاناة في المدينة، أو تزيد من حدته. تظل أسوأ الخيارات التي يمكن أن تتخذها هذه الشخصيات، وخاصة رشاد العليمي، هو اللجوء إلى إنشاء شبكات محسوبية في تعز -على غرار ما فعله الرئيسان السابقان صالح وهادي في منطقتيهما في سنحان وأبين، على التوالي -في محاولة لحماية مصالحهما. هذا المسار يخاطر بخلق ديناميكيات مدمرة جديدة في مدينة مشرذمة تتمتع فيها العديد من القوى اليمنية بنفوذ على الأرض. لكن، يشير تاريخ المدينة وثقافتها إلى أنه سيكون من الصعب على أي طرف خلق عصبية مناطقية صلبة على غرار ما يوجد في مناطق أخرى من اليمن.