شابت المخرجات الاقتصادية الرسمية للمشاورات بين اليمنيين في الرياض خلال شهر أبريل/ نيسان بعض مكامن الخلل، حيث اعتُبرت غير مكتملة وذات جدوى مشكوك بأمرها من وجهة نظر سياساتية أو إدارية. ومع ذلك، تمثلت فائدتها في كونها مؤشرًا لقياس نوايا الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا للمُضي قُدمًا، وفي التعبير عن رغبة الحكومة في مزيد من التصعيد، عوضًا عن هدنة، في الحرب الاقتصادية التي رافقت فترة النزاع المسلح مع جماعة الحوثيين.
في 7 أبريل/نيسان، اختتم مئات المشاركين من مختلف أطياف المجتمع اليمني -بمن فيهم سياسيون واقتصاديون ونشطاء وغيرهم، رغم رفض ممثلين حوثيين الحضور -حوارًا استمر أسبوعًا في العاصمة السعودية لمناقشة التحديات التي يواجهها اليمن ورسم خارطة طريق لإحلال السلام والاستقرار في البلد الذي مزقته الحرب. وبتنسيق وتنظيم من مجلس التعاون الخليجي، كانت إحدى أكثر النتائج الدراماتيكية لتلك المشاورات هي قرار الرئيس عبدربه منصور هادي بنقل سلطاته التنفيذية إلى مجلس القيادة الرئاسي المشكّل حديثًا بقيادة رشاد العليمي، الذي يتولى حاليًا إدارة الشؤون السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية في الدولة. كما أفضت المشاورات إلى تعهد كل من السعودية والإمارات تقديم ملياري دولار أمريكي كمساعدات مالية للبنك المركزي اليمني في عدن، وتعهد السعودية بتقديم مليار دولار آخر كمساعدات لمشاريع التنمية ودعم إمدادات الوقود.
جاء في المادة الرابعة من قرار هادي تشكيل فريق اقتصادي، مكون من 14 خبيرًا اقتصاديًا ورجال أعمال يمنيين بارزين، لتقديم المشورة للمجلس الرئاسي بشأن القضايا الاقتصادية والمالية للدولة. كُلف الفريق الاقتصادي رسميًا بتقديم الدعم والمشورة للحكومة اليمنية والبنك المركزي اليمني بعدن في أربع مجالات رئيسية: القضايا المالية والنقدية، وتعزيز الكفاءة والشفافية والنزاهة داخل الأجهزة الحكومية، والتنمية المستدامة والنمو الاقتصادي، والعمل على زيادة تحصيل الإيرادات العامة وتنويع القاعدة الاقتصادية.
بيد أن هناك خللًا مباشرًا في تشكيلة الفريق الاقتصادي، يتمثل في عدم استشارة أي من أعضائه قبل الإعلان عن تعيينهم. أي مشاركة نشطة في كيان أنشأه أحد الأطراف من شأنه أن يؤدي إلى تضارب حاد في المصالح بالنسبة للكثيرين، مثل أولئك الذين لديهم مصالح تجارية على الصعيد الوطني، وأولئك المنتسبين إلى مؤسسات دولية، إضافة إلى الباحثين المستقلين، الذين يُعد حيادهم العام في فترة الحرب أمرًا جوهريًا لمسيرتهم المهنية؛ وبعد إعلان تشكيل الفريق، استقال ثمانية من أعضائه الـ 14 على الفور.
أظهر الحادث افتقارًا مُخجلًا للتشاور والتنسيق الداخليين، إلا أنه لم يشكل في حد ذاته ضربة قاضية للفريق الاقتصادي لأن المادة التي تدعو إلى إنشائه تحتوي على بند يسمح باستبدال أولئك الذين يستقيلون من قِبل رئيس المجلس الرئاسي. المشكلة الأساسية هي أن هدف الفريق مؤطر بلغة فضفاضة تترك مسألة تفويضه وصلاحياته دون إجابة. عمليًا، يُفترض أن تُحدد هذه المسائل من قِبل اللجنة القانونية، التي تشكلت بالمثل بموجب قرار الرئيس السابق هادي في أبريل/ نيسان، واستقال رئيسها أيضًا بعد فترة وجيزة من تعيينه. وفيما تحاول الحكومة اليمنية تعزيز مؤسساتها القائمة ورفدها بالكفاءات، مثل استبدال محافظ البنك المركزي اليمني في عدن ومعظم كبار موظفيه في ديسمبر/ كانون الأول 2021، يبدو من غير المجدي الانتقاص من سلطة هذه المؤسسات بخلق تضارب مؤسسي على الصلاحيات من خلال إنشاء هيئة حكومية أخرى ذات اختصاص يشمل نفس القضايا.
بحلول نهاية مشاورات الرياض، كان المشاركون قد صاغوا كذلك وثيقة تحدد مجموعة واسعة من التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجه اليمنيين وقدموا توصيات لمعالجتها. بالنسبة لأولئك الأشخاص المطلعين على الشأن اليمني، تُعد هذه التحديات التي تم تحديدها مألوفة، بما في ذلك انهيار العملة والتضخم، والبطالة، ونقص الإيرادات العامة والإنفاق العام، وضعف خدمات الكهرباء والإنترنت. شملت الأسباب الجذرية لهذه القضايا “الانقسام والازدواجية” في الوكالات الحكومية التي تؤدي إلى “جهود متناقضة” لمعالجتها، والسياسة النقدية التوسعية للحكومة لتغطية النفقات، ونقص احتياطيات العملات الأجنبية، والافتقار إلى البيانات، وتعطل شبكات النقل، والاعتماد على الواردات، وانعدام الأمن الغذائي. كما أن الحلول المقترحة كانت واسعة النطاق بشكل عام، وشملت: استخدام الدعم المالي السعودي والإماراتي لتحقيق الاستقرار في العملة المحلية والتوقف عن طباعة الأوراق النقدية الجديدة للريال، وإعادة جميع الوكالات الحكومية من الخارج إلى اليمن، وتفعيل آليات الرقابة، وإيجاد حلول للانقسام في بعض المؤسسات، وإنشاء شركة اتصالات جديدة، وغير ذلك.
وثيقة المخرجات الاقتصادية لم تعترف إلا بشكل عرضي بالوجود الفعلي لهيكلين مصرفيين مركزيين، وعملتين مزدوجتين ونظامين مصرفيين مزدوجين، وبصفة عامة التقسيمات الاقتصادية المناطقية. طُرحت الحرب الاقتصادية والنقدية بين الحكومة اليمنية وسلطات الحوثيين على أنها سبب عرضي، وليس سببًا جوهريًا للانهيار الاقتصادي في البلاد على مدى سنين الحرب، وهذا تحريف متعمد للحقائق؛ فسلطات الحوثيين تتمتع بنفوذ هائل على جزء كبير من اقتصاد البلاد. ومن أجل معالجة أهم التحديات الاقتصادية في البلاد، ينبغي بالضرورة عقد مفاوضات بين الحكومة والحوثيين وترتيب تنسيق متبادل للسياسات الاقتصادية على مستوى البلاد إلى حين التوصل لتسوية سياسية للصراع. إلا أن التوصيات الاقتصادية التي تمت صياغتها في المشاورات ركزت بشكل محدود على معالجة التحديات الاقتصادية في المناطق الخاضعة لسيطرة مجلس القيادة الرئاسي المشكل حديثًا مع إغفال أي رؤية شاملة على المستوى الوطني لإنهاء الانقسام في المؤسسات الاقتصادية الرئيسية -مثل البنك المركزي -أو معالجة العقبات الاقتصادية بشكل شامل على الصعيد الوطني. ولا يمكن اعتبار ذلك سهوًا غير مقصود.
بحسب مسؤول حكومي رفيع، فإن التوصيات أُخذت بالكامل تقريبًا من عرض تقديمي قدمه موظفو البنك المركزي اليمني في عدن خلال مشاورات الرياض. وأوضح المسؤول أنه نظرًا لعدم وجود رغبة في الوقت الحالي لدى القادة السياسيين على الجانب الحكومي للسماح بالمُضي قُدمًا في أي مفاوضات مع الحوثيين بشأن القضايا الاقتصادية، فإن المطلوب في الوقت الحالي هو “إصلاح أنفسنا” وتعزيز موقف الحكومة اقتصاديًا في مواجهة الحوثيين لتكون في وضع أفضل عند إجراء المفاوضات. وبالتالي، يمكننا القول إن تصعيد الحرب الاقتصادية بات وشيكًا، فمن المؤكد أن السلطات الحوثية سترد على أي خطوة أحادية الجانب تتخذها الحكومة لتعزيز موقفها، وكما هو الحال في حالات التصعيد في الحرب، فإن أول الضحايا بلا شك سيكون ملايين اليمنيين من المواطنين العاديين الذين أصبحت قدرتهم على الوصول إلى أساسيات الحياة هشة.
لكن حتى في إطار هذا الهدف المتهور الذي يخدم مصالحه الذاتية والتناول المحدود للتحديات الاقتصادية الجاثمة على صدر البلاد وللحلول الممكنة، هناك شح في التفاصيل حول الطريقة التي يمكن بها لمجلس القيادة الرئاسي تنفيذ التوصيات المنبثقة عن مشاورات الرياض. كما يقال فإن الشيطان يكمن في التفاصيل، ودون خطط شاملة وواقعية للتنفيذ، فإن هذه التوصيات تجازف بجعل القيادة الحكومية اليمنية الجديدة في موقف المحرض على جولة جديدة من المواجهات الاقتصادية التي لا تعرف كيف تخرج منها منتصرة.