منذ تنحي الرئيس عبدربه منصور هادي عن السلطة أوائل أبريل/ نيسان، تنفس الأغلبية الساحقة من اليمنيين الصعداء على اعتبار ذلك “فكّة من مكة”. ما لا شك فيه، أن استبدال هادي بمجلس رئاسي كان أفضل طريقة للمُضي قُدمًا، إلا أن الشيطان يكمن في التفاصيل حين يتعلق الأمر بالأنظمة السياسية، ولا يختلف الأمر بالنسبة لمجلس القيادة الرئاسي المشكل حديثًا في اليمن. ستظهر هذه التفاصيل حين يحدد المجلس آلية عمله ويقرر أعضاؤه المختارون على عجل إلى أي مدى هم على استعداد للثقة ببعضهم. مع ذلك، الأمر الأبرز والأكثر إحباطًا هو أن المجلس شُكل من قِبل جهات أجنبية دون مساهمة يمنية جوهرية. وباعتبار أنه لم يتشكل على أيدي أطراف يمنية تمثل اليمنيين، لا يدين أعضاؤه -وجميعهم تقريبًا قادة عسكريون صنعتهم السعودية والإمارات -بمناصبهم في المجلس أو بالسلطة المخولة بين أيديهم لإرادة الشعب اليمني.
شكلت السعودية والإمارات -تحت مظلة مجلس التعاون الخليجي -المجلس الرئاسي أوائل أبريل/ نيسان، ليحل محل هادي. أعادت الخطوة إلى الأذهان المراحل الأخيرة لثورة الربيع العربي في اليمن، عندما دفعت السعودية دول مجلس التعاون الخليجي لتكون الأداة الاسمية لإقناع رئيس اليمن آنذاك علي عبدالله صالح بالتنازل عن السلطة. بعد مرور أكثر من عقدٍ من الزمن، بات التوتر بين هادي وكبار المسؤولين السعوديين واضحًا. كانت علاقة هادي بالإمارات متوترة ويشوبها التعقيد، خاصة فيما يتعلق بدور حزب الإصلاح (حليف هادي وخصم الإمارات). ورغم أن الرياض قررت متأخرًا سحب دعمها لهادي، سادت خيبة الأمل بين اليمنيين منذ فترة جراء قيادته البلاد غيابيًا من الرياض؛ وظهوره معظم الوقت مهتمًا أكثر بحماية مصالحه الخاصة ومصالح أسرته. في ضوء ذلك، يعد تشكيل السعودية والإمارات للمجلس الرئاسي مواصلة لحرمان اليمنيين من حقهم السيادي في إدارة شؤون بلادهم الخاصة ويجازف بحدوث تعقيدات خطيرة مستقبلًا.
لم يُبلّغ معظم اليمنيين الذين دُعوا إلى مشاورات الرياض بخطة إعادة صياغة السلطة التنفيذية مسبقًا؛ على الأرجح لتجنب أي اعتراض ضد المجلس الرئاسي الجديد. حتى الشخصيات السياسية البارزة لم تكن على علم بشأن تشكيل المجلس، وليس هناك ثمة دليل على تخطيط جاد لإجراء مشاورات شاملة وفعّالة، حيث لم تكن هناك لجنة تحضيرية يمنية لصياغة جدول الأعمال لضمان التوصل إلى النتائج التي يرجوها اليمنيون. في بعض الأحيان، وجد اللاعبون السياسيون الرئيسيون أنفسهم مجرد هيئات استشارية، وهيئات مصالحة جديدة، ولجان قانونية واقتصادية، مما أدى إلى انسحاب بعضهم بالفعل.
كان الغرض من المشاورات هو إضفاء مظاهر الشرعية، من خلال وجود الحاضرين، لتنفيذ نقل مقرر للسلطة سلفًا. سعت السعودية جاهدة لضمان وجود جميع الأصوات البارزة من بين أكثر من 800 مشارك في الرياض، حيث من غير المرجح أن يبدوا أن هناك اعتراضات ملموسة. كما عُهد إلى لجنة استخباراتية سعودية بالإشراف على الغالبية العظمى من المشاركين، ما يعني عدم قدرتهم على مغادرة البلاد دون إذن من المسؤولين السعوديين. بقي العديد منهم في المملكة بعد انتهاء المشاورات لبضعة أسابيع، بفضل تأشيرات الإقامة الخاصة التي منحها لهم السعوديون، ولم تتمخض المشاورات نفسها إلا عن القليل من المخرجات التي تفوق ما كانت تنشده السعودية والإمارات.
عُزل قادة الأحزاب السياسية الرئيسية اليمنية في غرف منفصلة، وقِيل لهم في نهاية المطاف إنه لا توجد خيارات أخرى. فضّل أولئك اللذين لم يرغبوا في التوقيع علنًا على ترتيب نقل السلطة البقاء صامتين، إلا أن البعض منهم أعربوا سرًا عن الشعور بأنه جرى التلاعب بهم لقبول النتيجة. كما عبر بعضهم في أحاديث خاصة عن صدمتهم إزاء ما اعتبروه إجراءً مفروضًا وخادعًا من جانب السعودية والإمارات وبتواطؤ من دول مجلس التعاون الخليجي. كان من المتوقع على أقل تقدير أن يُشكل مثل هذا المجلس بموافقة مختلف القوى السياسية والعسكرية، لكن ذلك لم يحدث.
التغاضي عن انعدام الثقة والمصالح المتضاربة بين أعضاء المجلس
أحد الجوانب المثيرة للقلق بشأن مجلس القيادة الرئاسي هو فشله في معالجة حالة التشرذم التي تعاني منها الحكومة المعترف بها دوليًا. هناك افتقار للثقة بين أعضاء المجلس، ولم تجرِِ أي مفاوضات مسبقة فيما بينهم أو أي اتفاق على العمل بروح الفريق تحت مظلة هذا المجلس. أي جهود لتخفيف حدة التوترات وصياغة جدول أعمال موحد ستُبذل بعد تشكيل المجلس، وهي مسألة أكثر تعقيدًا. لا يدين أعضاؤه بالالتزام سوى للسعودية والإمارات اللتين تجاهلتا وجود أجندات محلية متضاربة بينهم.
بدا المجلس الانتقالي الجنوبي، على سبيل المثال، مشتتًا بين فرصة أن يصبح جزءًا من المجلس الرئاسي ومساعي تحقيق أهدافه الانفصالية، حيث لا يوجد سبيل إلى التوفيق بينهما. خلال مراسم أداء اليمين الدستورية أمام البرلمان، حذف رئيسه عيدروس الزُبيدي، وهو عضو مجلس القيادة الرئاسي، عمدًا وبوضوح عنصرين رئيسيين من عناصر القسم: وهما حماية النظام الجمهوري والحفاظ على الوحدة. تم التغاضي عن ذلك، لكنه يشير إلى عدم تشارك أعضاء المجلس الرئاسي نفس الأهداف، وبالنظر إلى عمق الأزمة اليمنية، يُعد هذا الأمر مثيرًا للقلق.
تشير الخطوة التي أقدم عليها الزُبيدي بكل وضوح إلى أن هيكل السلطة الجديد لا يتماشى بالضرورة مع تطلعات المجلس الانتقالي في الجنوب. حدوث مثل هذا التصرف المخالف خلال أولى الخطوات نحو تحقيق الشرعية يشير إلى وجود مزيد من الخلافات، فالزُبيدي هو الآن واحد من بين ثمانية رجال يحكمون الدولة وواحد من بين أربعة رجال يمثلون الجنوب، إلا أنه ليس هناك ما يشير إلى أنه قد عدل عن تطلعاته إلى جنوب مستقل. يشكل كبح جماح هذه التطلعات، أو إعادة توجيهها نحو خدمة مصلحة الوحدة الوطنية، تحديًا يصعب التغلب عليه. من المرجح أن استمرار الزُبيدي في مجلس القيادة الرئاسي يعتمد على دور الإمارات، التي عاودت التدخل في اليمن، وانتصرت في صراعها على السلطة ضد هادي وحزب الإصلاح.
رغم أن حزب الإصلاح ممثل بشكل غير مباشر في المجلس الرئاسي، إلا أن هذا لا يعني موافقته على تشكيلة المجلس قبل الإعلان عنه. عارض الحزب المبادرة خلال مناقشات سياسية مغلقة في الرياض، لكنه أقرّ، نهاية المطاف، بالتراجع الهائل في نفوذه السياسي. وإلى جانب الاستبعاد الكامل للقوى السياسية التقليدية الأخرى من المجلس، بما في ذلك الحزب الاشتراكي والتنظيم الناصري وحزب الرشاد، تُرك المجلس الرئاسي تحت سيطرة قيادات عسكرية وميليشياوية. وهي خطوة محفوفة بالمخاطر السياسية بكل معنى الكلمة.
تهميش الشخصيات السياسية يضرّ بالشرعية المزعومة
يمكن القول إن تشكيل المجلس بأعضائه الحاليين يمثل إنجازًا كبيرًا، حيث تمكّن من جمع هذه القوى العسكرية معًا، وحدّ من الخلافات في أوساط التحالف المناهض للحوثيين، ونظم جبهة موحدة، لكن مثل هذه الآفاق الوردية مرهونة بوجود الثقة بين أعضاء المجلس، التي لا وجود لها بعد. علاوة على ذلك، يدين معظم هؤلاء القادة العسكريين بالفضل للتحالف الذي تقوده السعودية على وجودهم حيث دُعِموا ومُوِلوا بالكامل من قِبل الإمارات و/أو السعودية؛ فما كانوا ليوجدوا أو ليستمروا لولا دعم التحالف. إضافة لذلك، ثلاثة نواب لرئيس المجلس الرئاسي هم قادة عسكريون رفضوا في السابق العمل تحت إمرة الحكومة المعترف بها دوليًا، وكانوا يتلقون الأوامر مباشرة من مموليهم في أبو ظبي. أصبح المجلس الرئاسي اليوم مدين بكامل الفضل للقوى الإقليمية، بمختلف وكلائها العسكريين ومصالحها المتباينة. وأي خلاف جديد قد ينشب بين السعودية والإمارات يهدد بالتشرذم على أعلى مستويات الدولة.
كان حري بمجلس القيادة الرئاسي أن يضم أحزابًا تعكس هويات سياسية، وبالتالي يوجه أعضاؤه القادة العسكريين، لكن أبرز قادة الأحزاب والقيادات المستقلة، الذين كان بإمكانهم إضفاء الشرعية السياسية والطابع المدني للمجلس الرئاسي، استُبعدوا من دائرة صنع القرار المباشر، ليصبحوا جزءًا من هيئة استشارية مكونة من 50 عضوًا، هنا فقط يجد المرء ممثلي الحزب الاشتراكي والتنظيم الناصري والأحزاب السياسية الأخرى. لا وجود للمرأة في المجلس الرئاسي، ولم يُعيّن سوى عدد قليل من النساء في الهيئات الاستشارية. من الواضح أن اليمن، الذي يكافح جاهدًا لتقديم الخدمات الأساسية، يحتاج إلى وجود رجال ونساء محنكين يتمتعون بخبرة اقتصادية وسياسية في أعلى سلطة تنفيذية في البلاد. ليس من السهل أو حتى من الممكن تمثيل جميع اليمنيين، ومع ذلك فشل المجلس الرئاسي حتى في استيفاء متطلبات التمثيل السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي الأساسية التي من شأنها ضمان مراعاة احتياجات المواطنين.
لا يمكن للحكومات أن تعمل إلا على أساس تبادل الثقة، ويجب خلق هذه الثقة خارج حدود علاقات أعضاء المجلس الرئاسي مع رُعاتهم إذا كان مقدرًا لهذا المجلس الرئاسي القيام بأعماله المتوخاة، أو حتى الاستمرار. عزز التحالف قبضته على مفاصل السلطة في اليمن، عبر بسط نفوذ مباشر أكثر من أي وقت مضى؛ وضعت كل من السعودية والإمارات، في هذه المرحلة، ثقتهما في حلفائهما والأعضاء المعينين في المجلس الرئاسي، بينما احتشد مجلس التعاون الخليجي والمجتمع الدولي خلفهما، بيد أن هناك القليل من الثقة بين أعضاء المجلس أنفسهم، وليس هناك سبب يدعو اليمنيين اليوم للنظر إلى المجلس بصفته هيئة تنفيذية تمثيلية حريصة على خدمة مصالحهم. وبغض النظر عما إذا كان توسيع نطاق السلطة التنفيذية سيساهم في أي تحسينات ملموسة على المديين القصير أو المتوسط، فإن فرض المجلس من قِبل دولة أجنبية يقوّض قدرته على توفير الاستقرار على المدى الطويل أو منع تشرذم الدولة اليمنية. تخلص اليمن من هادي لكنه لا يزال يفتقر إلى التحكم بمستقبله، ويواصل القادة السياسيون اليمنيون، بشكل مخزي، السماح بارتهان السيادة اليمنية للتدخلات الخارجية.