في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، نشرتُ سلسلة من التقارير مع مركز صنعاء تكشف عن إخفاقات عميقة في نظام المساعدات الإنسانية في اليمن. فقد وصفت التقارير التي تستند إلى مقابلات مع 73 من عمال الإغاثة وموظفي الأمم المتحدة والمحللين والخبراء، أن الاستجابة الإنسانية غير فعّالة وغير مناسبة وهي مدفوعة ببيانات مغلوطة وتهيمن عليها الخرافات. وكان من بين القضايا الرئيسية التي أُثيرت سيطرة سلطات الحوثيين على الاستجابة الإنسانية، واعتماد الجهات الفاعلة في مجال المساعدات على البيانات الجزئية والمتحيزة. استُخدمت البيانات المعيبة لدعم الروايات المبالغ فيها التي تصف اليمن بأنها “أسوأ أزمة إنسانية في العالم”، وبأنها دائمًا “على حافة المجاعة”. ورغم أن مثل هذه الروايات كانت فعّالة للغاية في جمع الأموال، إلا أنها لا تصمد أمام التدقيق.
ركزت التقارير على جوانب الاستجابة التي يمكن تحسينها إذا توفرت الإرادة الكافية، بهدف إثارة مناقشات نزيهة وشفافة حول كيفية إصلاح نظام المساعدات في اليمن. وفي حين أن هناك دلائل على إحراز تقدم ناشئ في بعض المجالات، مثل إجراء مناقشة أكثر انفتاحًا بشأن إدارة الأمن، إلا أن الاستجابة تظل في الأصل منغمسة في الروايات المغلوطة. ومما يثير القلق فقد زاد حجم التحديات التي تواجه مسألة جمع بيانات مستقلة وموثوقة وغير متحيزة. حيث يمكن ملاحظة ذلك في جمع البيانات لعملية التصنيف المرحلي المتكامل لعام 2022 (IPC)، وهو نظام لتصنيف انعدام الأمن الغذائي، نُشرت نتائجه في 14 مارس/ آذار.
وقد أحاطت أسئلة الدقة وحسن التوقيت والتحيز بعملية التصنيف المرحلي المتكامل في اليمن في عام 2021، ويبدو أن الوضع قد أصبح أكثر تدهورًا. فقد أخبرني أحد الخبراء المشاركين في العملية: “إذا كنتِ تعتقدين أننا واجهنا تحديات في جمع البيانات العام الماضي، فقد تضاعفت التحديات هذا العام ثلاث مرات”. وقد برزت مشكلات أساسية في البيانات أثناء التحليل، مما فرض مراجعة الجودة من قبل لجنة مستقلة لمراجعة المجاعة (FRC).
حيث كشفت المحادثات مع العديد من الأشخاص المشاركين في تقييم الأمن الغذائي وسبل العيش لعملية التصنيف المرحلي المتكامل عن مخاوف خطيرة بشأن التدخل والافتقار إلى الشفافية والتحليل الخاطئ. أما في المناطق الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثيين المسلحة، فقد استعان برنامج الأغذية العالمي مرة أخرى بمتعاقد خارجي لجمع البيانات. ورافقت سلطات الحوثيين المتعاقد الخارجي أثناء عملية جمع البيانات في معظم الزيارات الميدانية لكنها لم تمنح الإذن لأي منظمات غير حكومية دولية أو وكالات تابعة للأمم المتحدة للانضمام إليها. ووفقًا لأحد الأشخاص المشاركين في عملية جمع البيانات الأوسع، زار مسؤولون حوثيون تدريبًا لعدّادي البيانات وأمروهم بما يلي: “تقع على عاتقك مسؤولية جمع المعلومات. المعلومات تؤثر على الجميع لذا عليك أن تظهر الحقيقة والحقيقة هي أن الوضع سيء حقًا، وذلك بسبب الحصار والحرب”. ويثير هذا التدخل شواغل بشأن التحيز وحيادية النتائج.
عانت عملية التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي لسنوات من انعدام الشفافية. ولا تسمح السلطات الحوثية بشكل روتيني بنقل البيانات الأولية التي تُجمع في المناطق التي تسيطر عليها إلى خارج اليمن. لذلك لم يكن بإمكان موظفي التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي خارج البلاد في السنوات السابقة سوى عرض بيانات النتائج. كما منعت سلطات الحوثيين عام 2022 الموظفين داخل اليمن من الاطّلاع على بيانات الأمن الغذائي الأولية، بما في ذلك مجموعة العمل الفنية التابعة للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي. حيث يُحتفظ بالبيانات الأولية على خادم محمي بكلمة مرور يمكن الوصول إليه فقط من قِبل المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق المساعدات الإنسانية التابع للحوثيين (SCMCHA) وبرنامج الأغذية العالمي، اللذين رفضوا مشاركة البيانات.
إن مثل هذه القيود المفروضة على الوصول إلى البيانات تعيق تحليل الجودة ولا تسمح للمحللين بالحكم على جودة البيانات الأولية. غير أنه وعلى الرغم من تعذّر الحصول على بيانات أولية عن الأمن الغذائي، فإن البيانات الأولية عن التغذية وسبل العيش التي جُمعت خلال العملية قد جرى تبادلها مع اليونيسيف ومنظمة الأغذية والزراعة. وقال أحد المحللين المشاركين في العملية إن مجموعات بيانات التغذية وسبل العيش الخاصة بالتصنيف المرحلي المتكامل الخاصة بالتغذية وسبل العيش كانت رديئة لدرجة أنه كان يتعيّن التخلص من معظمها؛ وهذا أمر لا يبشر بالخير بالنسبة لجودة البيانات الأولية للأمن الغذائي التي لم يتم مشاركتها.
يقول المحللون المشاركون في عملية التصنيف المرحلي المتكامل إن التلاعب بالمشاركين في المسح وتدريبهم، والذي حدث في السنوات السابقة، ازداد أثناء عملية جمع البيانات لعام 2022. “لقد تعلمت [سلطات الحوثيين]، لأننا علمناهم المؤشرات. لقد علمناهم ما يجب جمعه وكيف يتم السؤال عنه، وهم بدورهم دربوا الأشخاص الذين يجمعون الإجابات على ما يجب أن تكون عليه”، أوضح أحد المصادر. وحتى مع محدودية الوصول إلى البيانات، هناك مؤشرات على التلاعب. على سبيل المثال، في محافظة الحديدة، وجد مسح التصنيف المرحلي المتكامل أن حوالي 300,000 شخص كانوا يواجهون مستويات طارئة من انعدام الأمن الغذائي طرأت حديثًا. يعد هذا تدهورًا مروعًا بالنظر إلى الدعم المكثف الذي يقدمه برنامج الأغذية العالمي في الحديدة، وقد يشير إلى التلاعب بالإجابات. وأثار جامعو البيانات في مدينة صنعاء مثالًا واضحًا على التلاعب، حيث قالوا إن السلطات المحلية أمرتهم بعدم تسجيل أي دخل سنوي يزيد على 50 ألف ريال يمني (حوالي 85 دولارًا أمريكيًا). وفي أعقاب هذه التقارير، اعتبرت بيانات الدخل منحرفة لدرجة أنها حذفت من التحليل.
وفي هذا العام، أشارت العروض التقديمية الأولية للبيانات خلال عملية التحليل إلى أنه يجب تصنيف جميع المناطق اليمنية التي يسيطر عليها الحوثيون تقريبًا على أنها تقع في المرحلة الرابعة من التصنيف المرحلي المتكامل IPC 4، وتواجه مستويات طارئة من الأمن الغذائي، مع تضاعف عدد الأشخاص على حافة المجاعة ثلاثة أضعاف في عام واحد. وكان من المتوقع أن تكون بعض المناطق في حالة مجاعة كاملة، بما في ذلك منطقة عبس في محافظة حجة، ومدينة ذمار في محافظة ذمار وأجزاء من محافظة عمران. ولم تتماشَ هذه النتائج مع الحقائق على الأرض، مما دفع بعض أعضاء مجموعة العمل الفنية إلى اقتراح تعديلات من شأنها زيادة مستويات الأمن الغذائي في بعض المديريات وتخفيضها في مناطق أخرى، للحد من الاختلافات الواضحة وإخفاء مشاكل الجودة الواضحة. كانت هذه المحاولة للتلاعب المصطنع بالإضافة إلى النتائج المتوقعة المشكوك فيها التي قال مصدر مشارك في العملية إنها أدت في النهاية إلى قيام أعضاء مجموعة العمل الفنية التابعة للتصنيف المرحلي المتكامل بطلب مراجعة لجنة مراجعة المجاعة لنتائج التصنيف المرحلي المتكامل.
تظل بيانات التصنيف المرحلي المتكامل، التي صنفت منطقة عبس بأنها في مجاعة كاملة، لغزًا خاصًا. يتلقى الجميع تقريبًا في عبس مساعدات غذائية، في حين تلقى النازحون داخليًا في عبس مساعدات إنسانية متسقة منذ عام 2018. وهناك عدد من الجهات الفاعلة في المجال الإنساني موجودة في عبس، بما في ذلك المنظمات غير الحكومية الدولية الرئيسية. وفي غياب إخفاقات خطيرة في آليات تقديم المعونة ورصدها، فإن العثور على المجاعة في عبس يشير إلى أن عملية جمع البيانات معيبة بشكل أساسي. ومن الجدير بالذكر أن المنظمات في عبس أعربت عن دهشتها عندما عرضت عليها النتائج المحتملة للمجاعة.
في النهاية، لم تعثر لجنة مراجعة المجاعة على أي دليل على المجاعة في عبس، أو في اليمن ككل، وعكست ذلك النتائج الرئيسية المنشورة للتصنيف المرحلي المتكامل في نهاية المطاف. وعوضًا عن ذلك، قال مصدر على دراية بالمراجعة التي قامت بها لجنة مراجعة المجاعة وأكدتها النتائج الرسمية للجنة، إن فجوات وتناقضات خطيرة وُجدت في البيانات، كما وُجدت حاجة إلى مزيد من التحقيق لفهم سبب تقييم المناطق التي تتلقى مساعدات إنسانية مستمرة على أنها في مستويات طارئة من انعدام الأمن الغذائي. وهذا يشير إلى وجود مشاكل في إيصال المعونة أو جمع البيانات؛ ومن المرجح أن يكون الأمران معًا.
من الواضح أن جمع البيانات في اليمن ما يزال عرضة للاختراق إلى حد كبير ويتطلب تغييرًا أساسيًا في النهج. فالبيانات الحالية الصادرة من اليمن غير موثوقة، ونتيجة لذلك، تفتقر الاستجابة الإنسانية إلى المصداقية. وقد أعرب مانحان رئيسيان، كل على حدة، عن شعورهما بالإحباط وانعدام الثقة في أكبر الوكالات العاملة في اليمن.
وسيعقد هذا الأسبوع (سبق وأن انعقد) مؤتمر لإعلان التبرعات في جنيف لجمع الأموال اللازمة للاستجابة الإنسانية في اليمن. ولا تزال هناك العديد من الأسئلة حول مصداقية بيانات الأمم المتحدة حول الاحتياجات الإنسانية في اليمن. فالجهات المانحة لديها خيار: بإمكانهم الاستمرار في تجاهل العيوب الأساسية التي تشوب عملية الاستجابة وقبول الروايات المبنية على بيانات متحيزة ومتلاعب بها، أو اختيار الاستماع إلى الجهات الإنسانية الفاعلة التي تطالب بالتغيير. ويجب على المانحين أن يطالبوا بأن تكون الاستجابة الإنسانية قادرة على العمل بشكل مستقل دون تدخل، ويجب عليهم الإصرار على جمع بيانات مستقلة وذات مصداقية لتشكيل أساس للاستجابة المناسبة. وينبغي أن يكون التمويل مشروطًا بذلك.