أزمة وقود خانقة في كل أرجاء البلاد
في يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط، اندلعت أزمة وقود في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون والحكومة في اليمن. ظهرت الأزمة في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، في منتصف يناير/ كانون الثاني، واشتدت حدتها بعد ذلك واستمرت حتى وقت كتابة هذا التقرير. حيث تصطف آلاف السيارات، لأيام في بعض الأحيان، أمام عدد قليل من محطات الوقود التجارية التي تبقى مفتوحة، عندما تكون في السوق السوداء، حيث يتوفر الوقود بكثرة، ويتلاعب البائعون بالأسعار. وبحلول نهاية فبراير/ شباط، بلغ سعر خزان البنزين سعة 20 لترًا 40,000 ريال يمني في السوق السوداء، أي أكثر من أربعة أضعاف سعره في محطات الوقود التجارية، المحدد بـ 9,500 ريال يمني. كما ارتفع سعر أسطوانة غاز الطهي سعة 20 لترًا إلى 20,000 ريال يمني في السوق السوداء في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، أي ما يقرب من أربعة أضعاف السعر الرسمي وضعفي متوسط سعر السوق السوداء في عام 2021. وردًا على ذلك، خرجت مظاهرات حاشدة، سمحت بها سلطات الحوثيين، في صنعاء وغيرها من المدن التي يسيطرون عليها. انتقدت سلطات الحوثيين التحالف الذي تقوده السعودية بسبب أزمة نقص الوقود السائدة، وشجبت الحظر الذي منع شحنات الوقود من دخول ميناء الحديدة، وأدانت صمت المجتمع الدولي، وخاصة الأمم المتحدة.
وعلى الرغم من أن الحكومة المعترف بها دوليًا قد فرضت إجراءات تقييدية تنظم استيراد الوقود من المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، إلا أن النقص يرجع جزئيًا إلى التلاعب والاستغلال غير القانوني من قِبل جماعة الحوثيين، بهدف زيادة الضغط الدولي على الحكومة والتحالف لرفع الحظر البحري والجوي. سربت مصادر إعلامية صورًا تظهر مئات شاحنات الوقود في طوابير طويلة في صحاري محافظة الجوف، منعها الحوثيون من دخول العاصمة صنعاء. وعند إجراء مقابلات مع وسائل الإعلام المحلية، ادعى المسؤولون الحوثيون أن تلك القوافل قادمة من الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة وتحتوي على وقود رديء الجودة ولا يمتثل لمبادئ السلامة التوجيهية.
كما أن محطات الكهرباء في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون أدخلت زيادتين منفصلتين في الأسعار في يناير/ كانون الثاني. فقد رفع تجار الكهرباء من القطاع الخاص الأسعار من 300 ريال إلى 350 ريالًا للكيلو واط، ولاحقًا إلى 460 ريالًا استجابة لنقص الوقود.
وتأتي الأزمة في خضم مرحلة جديدة من التصعيد بين الأطراف المتحاربة بشأن إمدادات وبيع الوقود في جميع أنحاء البلاد. ففي أواخر ديسمبر/ كانون الأول، أصدرت الحكومة المعترف بها دوليًا القرار الوزاري رقم (30) لعام 2021، والذي يحصر توزيع وتسويق وبيع المشتقات النفطية على شركة النفط اليمنية التي تديرها الحكومة (YPC). وتنص المادة الثانية من القرار على أن تقوم شركة النفط اليمنية بشراء المشتقات النفطية لتغطية احتياج السوق المحلية من قِبل الشركات والتجار المؤهلين؛ وتضع المادة الثالثة آلية للتنفيذ، حيث تقوم شركة النفط اليمنية بموجبها بالتنسيق مع البنك المركزي في عدن، وشركة مصافي عدن، والمكتب الفني للمجلس الاقتصادي الأعلى لدعم احتياطيات النقد الأجنبي بغرض تأمين استيراد مشتقات الوقود.
وعقب وضع الآلية الجديدة، شهدت العاصمة المؤقتة عدن والمدن الأخرى الخاضعة للسيطرة الاسمية للحكومة نقصًا حادًا في الوقود وارتفاعًا في الأسعار. تُعزى الأزمة جزئيًا إلى الإضراب المستمر في نقابة شركة مصافي عدن. في 6 يناير/ كانون الثاني، أصدرت نقابة شركة مصافي عدن بيانًا ونظمت إيقافًا شاملًا عن العمل في عدن، احتجاجًا على القرار الذي يمنح شركة النفط اليمنية التفويض الكامل لتنظيم الواردات والتوزيع، والسعي لاستعادة دور المصافي كهيئة راسخة لتنظيم استيراد الوقود وتوزيعه. كما طالبت النقابة بدفع البدلات المالية المتأخرة وإلغاء قرار حكومي بتعيين مدير تنفيذي جديد.
عُلِّق الإضراب في 27 يناير/ كانون الثاني قبل أن يُستأنف أوائل مارس/ آذار، مما تسبب في إغلاق شبه كامل لمحطات الوقود في عدن والمحافظات الجنوبية الأخرى. هدد العمال في شركة مصافي عدن بتصعيد الإضراب حتى يتم تلبية مطالبهم. ونتيجة لعدم قدرة الحكومة على تجديد احتياطيات الوقود المستنفد، انتشرت السوق السوداء في عدن، ووصل سعر خزان البنزين سعة 20 لترًا إلى 40,000 ريال يمني، أي ما يعادل حوالي 36 دولارًا أمريكيًا. وبين يناير/ كانون الثاني وفبراير/ شباط، أصدرت شركة النفط في عدن عددًا من التعميمات التي ترفع أسعار المشتقات النفطية. ففي منتصف يناير/ كانون الثاني، حددت سعر خزان بنزين سعة 20 لترًا عند 17700 ريال يمني، بعد أن كان 13200 ريال يمني، معللة ذلك بزيادة أسعار الوقود العالمية وانخفاض قيمة الريال. وبعد شهر، رفعت الشركة السعر إلى 18,960 ريالًا، أو 948 ريالًا للتر الواحد.
وقد سبق للحكومة، من خلال القرار الوزاري رقم (49) لسنة 2019، أن حددت شركة مصافي عدن باعتبارها الكيان الوحيد المخوّل باستيراد وتوزيع المشتقات النفطية في جميع أنحاء البلاد. كانت شركة مصافي عدن تعمل بالتعاون مع اللجنة الاقتصادية التابعة للحكومة، والتي كانت تتعامل مع وثائق الاستيراد والتطبيق لضمان الامتثال. وفي ذلك الوقت، رفضت شركة النفط القرار معتبرة إياه انتهاكًا للقوانين التي تنظم ولايتها وولاية شركة مصافي عدن، التي تنص على أن الأولى مخولة بتسويق النفط، في حين أن الأخيرة مسؤولة عن تكرير واستيراد المشتقات النفطية.
كان لأزمة الوقود تداعيات في جميع أنحاء البلد، حيث تعطلت إمدادات الكهرباء، وتوقفت مضخات المياه، وتقطعت السبل بالناس ممن هم في حاجة ماسة إلى الرعاية الطبية. وقد تأثر تقديم الخدمات الأساسية سلبًا لأن المستشفيات، التي تعتمد اعتمادًا كبيرًا على المولدات الكهربائية، لا تستطيع العمل بكامل طاقتها. كما أن الأسر المعيشية أُرهقت ماليًا، لأن العديد منها يحصل على المياه عن طريق مضخات وشاحنات باهظة الثمن أصلًا، وقد ارتفعت أسعارها الآن. ولم تكن وسائل النقل العام متاحة إلى حد كبير وارتفعت تكلفتها بشكل كبير، ما أدى إلى ارتفاع أسعار الخضروات والمحاصيل المنتجة محليًا وجعل التنقل صعبًا للغاية، مما أعاق قدرة العديد من الأسر على كسب الدخل.
الغزو الروسي لأوكرانيا يؤثر على اليمن: القمح والوقود والمساعدات
في 24 فبراير/ شباط، غزت القوات الروسية أوكرانيا. وردت الدول الغربية بأكثر العقوبات الاقتصادية شمولًا في التاريخ الحديث ضد موسكو وحملة ضخمة متعددة الأوجه لدعم كييف. وترتب على ذلك اضطرابات واسعة النطاق في الشبكات المالية العالمية وسلاسل الإمداد. في اليمن، تتصل الآثار المباشرة المحتملة لذلك بسعر القمح والوقود. ومن المرجح حدوث إعادة توجيه كبيرة للمساعدات الدولية بعيدًا عن اليمن.
تعد روسيا وأوكرانيا أكبر وخامس أكبر مصدري القمح في العالم، على التوالي، ويمثلان 17.6٪ و8٪ من الصادرات العالمية. ارتفعت أسعار القمح العالمية -التي كانت قد ارتفعت أصلًا بأكثر من 50٪ في الأشهر الستة التي سبقت الغزو -بنسبة 34٪ تقريبًا بين 24 فبراير/ شباط و7 مارس/ آذار، قبل أن تنخفض قليلًا في الأيام التالية.
يُعد القمح أكبر واردات اليمن الغذائية، حيث تمثل حبوب القمح والدقيق ما يقرب من 70٪ من إجمالي واردات البلاد الغذائية. وكانت أوكرانيا أكبر مصدّر للقمح المستورد في اليمن منذ أواخر ديسمبر/ كانون الأول 2021 إلى نهاية فبراير/ شباط 2022، حيث شكلت حوالي 40٪، أو ما يزيد قليلًا عن 755000 طن متري، خلال تلك الفترة. وفي حين أنه من المرجح أن يتمكن المستوردون اليمنيون من الحصول على القمح من موردين جدد بسرعة نسبية، إلا أن الزيادة السريعة في التكلفة سيكون لها آثار كبيرة على مستويات المعيشة والحالة الإنسانية، خاصة في ظل انخفاض قيمة الريال اليمني بشكل كبير.
ستؤدي الطفرة في أسعار الوقود العالمية إلى زيادة تكاليف نقل معظم السلع، مما سيؤثر على أسعارها في اليمن. ارتفعت أسعار النفط بأكثر من 40٪ في الأشهر الستة التي سبقت الغزو الروسي وقفزت ما يقرب من 30٪ بين 24 فبراير/ شباط و8 مارس/ آذار. ورغم أن الحكومة سوف تستفيد من ارتفاع أسعار صادراتها من النفط الخام، إلا أن أي مكاسب ستكون ضئيلة بسبب ارتفاع تكاليف الواردات من الوقود. فبحسب تقديرات البنك المركزي في عدن في سبتمبر/أيلول 2021، بلغت واردات الوقود وصادرات النفط لعام 2021 2.69 مليار دولار أمريكي و1.26 مليار دولار أمريكي، على التوالي. كما ستؤدي زيادة الطلب على الدولار الأمريكي من أجل شراء هذه الواردات إلى مزيد من الضغط النزولي على قيمة الريال اليمني.
من المتوقع أن تنخفض المساعدات لليمن أكثر في ظل الجهود الغربية الهائلة لدعم أوكرانيا، بعد أن انخفضت بشكل كبير خلال جائحة كوفيد -19 حين أعادت الدول المانحة توجيه الموارد لمعالجة الضغوط المالية المتعلقة بالجائحة. تعكف جهات مانحة مختلفة بالفعل على إعادة رسم ميزانيات معوناتها. مُولت خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بنسبة 58٪ فقط عام 2021. وفي خطاب ألقاه أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 15 فبراير/شباط، قال وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث إن الملايين يواجهون “عقوبة الإعدام” إذا لم يتم استعادة مستويات التمويل. وأشار إلى أن ما يقرب من ثلثي برامج الأمم المتحدة قد تم تقليصها بشكل كبير أو إغلاقها، وأضاف: “لم نفكر من قبل في عدم إعطاء الملايين من الجياع أي طعام على الإطلاق.”
الأمم المتحدة تقول إن الحكومة والحوثيين، “اتفقوا من حيث المبدأ” على حل أزمة خزان صافر العائم
في 5 فبراير/ شباط أعلن منسق الأمم المتحدة المقيم ومنسق الشؤون الإنسانية، ديفيد غريسلي أنه بعد “اجتماعات بناءة” مع كبار المسؤولين في الحكومة وسلطات الحوثيين، اتفق الطرفان “من حيث المبدأ” على كيفية معالجة التهديد البيئي الكارثي الذي يشكله خزان صافر النفطي العائم. ولم تتلقَ ناقلة النفط المتهالكة أحادية الهيكل، التي مر على تصنيعها 45 عامًا، والراسية قبالة سواحل محافظة الحديدة وتحمل على متنها أكثر من مليون برميل من النفط أي صيانة تقريبًا منذ أكثر من سبع سنوات. دون نظام تهوية فعّال، ظلت الغازات المتفجرة تتراكم في الصهاريج. وسيشهد الاقتراح الذي تنسقه الأمم المتحدة نقل النفط إلى سفينة أخرى. ومع ذلك، فقد اتبع الحوثيون نمطًا على مدى السنوات القليلة الماضية يتمثل في الموافقة من حيث المبدأ على خطط الأمم المتحدة لمعالجة السفينة، ثم يتراجعون عن التزامهم. وبحسب غريسلي، “هناك حاجة إلى ترجمة النوايا الحسنة التي يبديها جميع المتحاورين إلى أفعال في أقرب وقت ممكن”.
نادي باريس يعلق مدفوعات الدين اليمني
في منتصف يناير/ كانون الثاني، أعلن نادي باريس للبلدان الدائنة أنه مدد تعليقه لديون اليمن، مما يعني أن البلاد لن تكون مسؤولة عن مدفوعات خدمة الديون التي كانت مستحقة في نهاية عام 2021. بحلول عام 2020، كان اليمن مدينًا بمبلغ 1.68 مليار دولار أمريكي لأعضاء نادي باريس. وذكر الإعلان أن الحكومة اليمنية “التزمت بتكريس الموارد المحررة من هذه المبادرة لزيادة الإنفاق من أجل التخفيف من التأثير الصحي والاقتصادي والاجتماعي لأزمة كوفيد-19″، والسعي إلى تخفيف الديون من الدائنين الدوليين الآخرين.
إنتاج النفط في حضرموت: المحافظ يوقف الصادرات والشركة الكندية توقف العمليات
في 25 يناير/كانون الثاني، هدد محافظ حضرموت فرج البحسني بوقف صادرات النفط من المحافظة. تضمنت مذكرة البحسني المكوّنة من صفحتين والموجهة إلى رئيس الحكومة، معين عبدالملك سعيد، عددًا من المطالب الشعبية، بما في ذلك رفع حصة حضرموت من مبيعات النفط من 20٪ إلى 30٪؛ والتنفيذ الفوري لمشروع محطة توليد الطاقة البالغة 100 ميجا؛ واستكمال صيانة محطة الريان للطاقة؛ والموافقة على تجنيد ودفع المخصصات المالية لـ10 آلاف جندي إضافي إلى المنطقة العسكرية الثانية، إضافة إلى دفع رواتبهم المتأخرة. لطالما استخدم البحسني مرارًا وتكرارًا أسلوب الضغط خلال نزاعه الذي استمر سنوات طويلة مع الحكومة حول توزيع عائدات النفط.
وفي 30 يناير/كانون الثاني، أفادت وكالة رويترز أن شركة كالفالي النفطية الكندية أوقفت عملياتها في محافظة حضرموت بسبب تدهور الأوضاع الأمنية. وأخطرت كالفالي الموظفين والمتعاقدين في 17 يناير/ كانون الثاني بتعليق العمليات في القطاع 9، “مشيرة إلى تعطل الإنتاج والنقل منذ 14 ديسمبر/ كانون الأول من نقاط التفتيش خارج بوابة الشركة وحواجز الطرق”. ولعدة أشهر، احتج المتظاهرون في حضرموت بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية. وفي أوائل يناير/ كانون الثاني، في محافظة شبوة المجاورة، ظهرت تقارير عن انفجارات متعددة على طول خط الأنابيب المؤدية إلى ميناء النشيمة لتصدير النفط.
مزيد من انخفاض قيمة الريال اليمني في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة
شهدت الأوراق النقدية الجديدة من الريال اليمني انخفاضًا تاريخيًا خلال عام 2021، حيث خسرت ما يقرب من ثلثي قيمتها وانخفضت إلى 1726 ريالًا للدولار الواحد. وجاء رد الرئيس هادي أواخر ديسمبر/كانون الأول متمثلًا في تغيير مجلس المحافظين في البنك المركزي اليمني بعدن، في محاولة لاستعادة ثقة المؤيدين الأجانب ووقف الانخفاض في قيمة الريال. اتُهمت إدارة البنك المركزي السابقة من قِبل فريق الخبراء الدوليين التابع للأمم المتحدة بالتواطؤ لاختلاس ما يقرب من نصف مليار دولار من الوديعة السعودية. بدأ الريال في التعافي في الشهر الأخير من عام 2021، وانتعش إلى 781 ريالًا للدولار بحلول 27 ديسمبر/ كانون الأول.
إلا أن الانتعاش في قيمة الريال أواخر العام كان مؤقتًا. بحلول 2 يناير/ كانون الثاني، بلغت قيمته المتداولة نحو 1210 ريالات للدولار في سوق الصرف الموازية. وردًا على ذلك، يواصل البنك المركزي اليمني في عدن التدخل من خلال تداول العملات الأجنبية بالمزاد، ولكن التأثير حتى الآن كان ضئيلًا. وانخفضت قيمة الريال بشكل مطرد، إلى أن وصل إلى 1200 ريال يمني للدولار الواحد في 27 فبراير/ شباط، بعد ارتفاع طفيف في أواخر يناير/ كانون الثاني وأوائل فبراير/ شباط. وعلى النقيض من ذلك، حافظت الأوراق النقدية اليمنية القديمة على قيمتها في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، حيث تم تداولها بين 604 – 600 ريال يمني للدولار خلال شهري يناير/ كانون الثاني وفبراير/ شباط.