الصراع في البحر الأحمر يهدد بوقوع كارثة بيئية
تمتد تداعيات النزاع في البحر الأحمر إلى نظامه البيئي الحيوي والمجتمعات المعتمدة على هذا النظام، حيث غرقت سفينة “روبيمار” (وهي سفينة تجارية مملوكة لشركة بريطانية) في الثاني من مارس/آذار، إثر تعرضها لهجوم صاروخي أطلقه الحوثيون في 18 فبراير/شباط. ” روبيمار” هي أول سفينة تغرق منذ أن بدأ الحوثيون باستهداف السفن العابرة في البحر الأحمر الخريف الماضي. تسربت المياه إلى السفينة على مدار 12 يومًا، مخلفة تسرب نفطي بطول 18 ميلًا تقريبًا، هذا ويشتبه بأن مرساتها التي كانت تجرها السفينة هي التي تسببت بقطع كابلات الاتصالات تحت البحر. يربض هيكل السفينة حالياً على بعد 16 ميلًا بحريًا قبالة الساحل اليمني وعلى عمق 330 قدمًا تقريبا وهو ما قد يشكل تهديدًا للسفن الأخرى العابرة في البحر الأحمر.
تحوّل الاهتمام فيما بَعد إلى حمولة السفينة، حيث أفادت تقارير بأنها كانت تحمل 21 ألف طن متري من سماد كبريتات فوسفات الأمونيوم. لا يوجد حالياً تقييم دقيق لوضع السفينة، إلاّ أن وزير المياه والبيئة في الحكومة اليمنية توفيق الشرجبي كان قد أكد في وقت سابق زيارة فريق فني متخصص للسفينة قبل غرقها، لكن تعذّر على الفريق إجراء المزيد من الزيارات التفقدية بسبب غارات جوية استهدفت قارب صيد بالقرب من السفينة العالقة، مما أدى إلى وقوع إصابات وتسجيل صيادين في عداد المفقودين وتضرّر هيكل السفينة. هذا وأعرب المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن هانس غروندبرغ عن قلقه العميق إزاء الحادث، معلناً إرسال خمسة خبراء بيئيين من الأمم المتحدة لتقييم الأثر البيئي.
خشى العلماء من أن يؤدي تسرب كميات كبيرة من الأسمدة في المياه الساحلية الضحلة إلى تكاثر الطحالب بشكل كبير، الأمر الذي سيمتص كميات كبيرة من الأكسجين المتوفر تحت سطح الماء ويحجب ضوء الشمس، منذرا بتداعيات كارثية على النظام البيئي البحري، ولا سيما على الشعاب المرجانية في المنطقة وكذلك على مصائد الأسماك. هذا وبادرت وزارة المياه والبيئة بتشكيل خلية أزمة، داعية المجتمع الإقليمي والدولي إلى اتخاذ إجراءات فورية لمنع وقوع كارثة بيئية أو التخفيف من آثارها. لكن هذه الجهود تظل محدودة بسبب الوضع الأمني واعتمادها على موافقة الحوثيين.
تقتصر التدابير في الوقت الراهن على مراقبة السفينة، حيث أكد خبراء الأمم المتحدة أن عملية انتشال السفينة الغارقة تواجه عددًا من التحديات، وعن عزمهم تأمين غواصة إلكترونية للحصول على مزيد من المعلومات عن وضع السفينة. في 24 مارس/آذار، قام فريق مشترك من الهيئة العامة للشؤون البحرية اليمنية والهيئة العامة لحماية البيئة بزيارة تفقدية لحطام السفينة الغارقة لجمع عينات من المياه من نقاط مختلفة حول السفينة وفحص ما إذا كان هناك أي تسرب للأسمدة أو الوقود.
بصرف النظر عن الخطر المباشر الذي يشكله استمرار القتال في البحر الأحمر على المجتمعات الساحلية، فإن التهديد الجديد بوقوع كارثة بيئية يُمثل واقعاً قاسياً بالنسبة للشرائح السكانية المعتمدة على الصيد كمصدر عيش. في العام الماضي، وبعد سنوات من تعنت الحوثيين، نجحت الأمم المتحدة في تفريغ أكثر من مليون برميل من النفط من الناقلة المتهالكة “صافر” ونقله إلى سفينة بديلة أطلق عليها اسم ” اليمن“. إلا أن الصراع الآن يعرض الأخيرة للخطر، فضلا عن عدم استكمال تفكيك هيكل الناقلة ” صافر” ، حيث لم تُنفذ بَعْد المرحلة الثانية من عملية تنظيفها وتفكيكها. هذا ويُهدد كل هجوم جديد على السفن العابرة – بما في ذلك ناقلات النفط، – باحتمال حدوث تدهور بيئي وكارثة اقتصادية.
فضلا عن ذلك، تأثر القطاع السمكي بشدة نتيجة الصراع في اليمن، رغم أهميته نسبياً كمصدر للدخل. ومع تعذُّر قدرة الحكومة على تصدير النفط والغاز، تشير التقارير إلى أن القطاع السمكي يمثل حالياً نحو 60 في المئة من حجم الصادرات اليمنية، رغم انخفاض حجم الإنتاج المسجل قبل الحرب إلى النصف. هذا وأدت العمليات العسكرية الأخيرة في البحر الأحمر إلى تعقيد الأمور بشكل أكبر مع تهجير الآلاف من الصيادين (خاصة من الحديدة)، وتعرّض حياة من بقوا للخطر.