إصدارات الأخبار تحليلات تقرير اليمن أرشيف الإصدارات
Read this in English

أول هجوم دموي للحوثيين على سفينة شحن تجارية يُوقع ضحايا

واصل الحوثيون، منذ بداية العام، هجماتهم على حركة الملاحة وسفن الشحن التجارية في البحر الأحمر بلا هوادة، حيث فشلت الإجراءات المضادة للولايات المتحدة وحلفائها – والتي شملت شن غارات جوية انتقامية ، وإدراج الحوثيين في قائمة الكيانات المصنفة إرهابيا وما يرتبط بذلك من عقوبات مالية، وتشكيل قوة بحرية متعددة الجنسيات – في ردع الجماعة.

منذ الأول من يناير/كانون الثاني، استهدف الحوثيون 34 سفينة تجارية، نجحوا في إصابة 13 منها. من بين السفن المستهدفة، تعود ملكية 13 سفينة على الأقل إلى كيانات/ أفراد من الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة، وثمان سفن أخرى إلى شركات لها صلة بكيانات مقرها الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة أو إسرائيل. زعمت مصادر أخرى وقوع هجمات على أربع سفن إضافية، إلا أن مركز صنعاء لم يتمكن من التثبّت بشكل مستقل من صحة هذه المعلومات.[1]

غالبية تلك السفن كانت متجهة إلى وُجهات أخرى غير إسرائيل، واستُهدفت جميعها إما في البحر الأحمر أو خليج عدن. استخدمت قوات الحوثيين عددا من الأسلحة – شملت مجموعة متنوعة من الصواريخ، والطائرات المسيرة، والزوارق المسيرة، والغواصات المسيرة – لاستهداف السفن.

أخذت التطورات في البحر الأحمر منحى تصعيديا في 18 فبراير/ شباط، بعد استهداف الحوثيين لسفينة روبيمار التي تديرها شركة في لبنان، وكانت تنقل أكثر من 21 ألف طن متري من الأسمدة الكيميائية. أُجبر الطاقم على إخلاء السفينة قبل غرقها نهاية المطاف – وهو ما ادعى الحوثيون أنه انتصار كبير. لم تدم نشوة الانتصار طويلاً بعد أن استهدف الحوثيون في اليوم التالي، عن طريق الخطأ حسب أنباء، سفينة محملة بالمواد الغذائية في طريقها إلى اليمن (بما في ذلك إلى ميناء الحديدة الذي يسيطر عليه الحوثيون). في 6 مارس/آذار، أسفر هجوم حوثي على سفينة (ترو كونفيدنس) – المملوكة لليبيريا والتي كانت تديرها سابقا شركة أمريكية – عن مقتل بحار فيتنامي وبحاريّن فلبينيين وإصابة أربعة آخرين بجروح خطيرة، وهو أول هجوم يوقع ضحايا بعد سلسلة هجمات أشعلت اثنتان منها حريقين كبيرين في السفينتين دفعتا البحرية الهندية إلى التدخل لإنقاذ الطاقم.

هذا ولا تزال سفينة “جالاكسي ليدر”، المختطفة في نوفمبر/ تشرين الثاني الفائت، مع طاقمها المكون من 25 فردا، ترسو شمال مدينة الحديدة، حيث أظهرت صور الأقمار الصناعية أن قوات الحوثيين حرّكت السفينة المختطفة منذ نحو خمسة أشهر بنحو مائة متر فقط من الساحل. لم تُظهر الجماعة حتى الآن أي بوادر على عزمها الامتثال للنداءات الأمريكية المتكررة بالإفراج عن السفينة وطاقمها. بل إن متحدثا بإسم الحوثيين صرح لشبكة (سي إن إن) الأمريكية أن قرار إطلاق سراح الطاقم أصبح الآن “في يد (حركة) حماس” وهو ما أثار شكوكا بشأن السماح للطاقم بالعودة إلى ديارهم في أي وقت قريب.

غارات جوية أمريكية – بريطانية تستهدف مناطق سيطرة الحوثيين

بمبدأ العين بالعين، تحوّلت الغارات الأمريكية الانتقامية على مواقع في مناطق سيطرة الحوثيين إلى حملة مطوّلة بهدف ردع الهجمات الحوثية على سفن الشحن. بحسب معلومات حصل عليها مركز صنعاء من مصادر خاصة، شُنّت قرابة 296 غارة جوية أمريكية وبريطانية على مواقع في مناطق سيطرة الحوثيين، [2] حيث اشتمل الهجوم الأوّلي في 12 يناير/كانون الثاني، على 25 غارة على الأقل استهدفت 18 موقعا، علماً أن مصادر أشارت الى أنها بلغت 60 غارة. تولّت الطائرات والسفن الحربية الأمريكية شنّ غالبية تلك الغارات، بينما شاركت القوات البريطانية علناً في شنّ أربع غارات فقط. هذا ولا تتوفر تقارير أو معلومات دقيقة عن الخسائر المتكبدة، إلا أن مركز صنعاء حصل على معلومات تشير إلى مقتل مدنيين اثنين على الأقل وإصابة تسعة آخرين، ولا يُستبعد أن تكون الأرقام الحقيقية أعلى من ذلك بكثير.

لا تتوفر كذلك معلومات دقيقة حتى الآن عن أعداد القتلى من عناصر الحوثيين، لكن مصادر طبية في الحُديدة أشارت إلى أن حصيلة قتلى الغارات الجوية بحلول منتصف فبراير / شباط، بلغت ما لا يقل عن 31 عنصراً من عناصر الحوثيين – شملت أربعة ضباط إيرانيين تابعين للحرس الثوري الإيراني – إلى جانب إصابة 100 آخرين. من جانبهم، أفاد الحوثيون عن تعرض مواقع في مناطق سيطرتهم لـ 424 غارة جوية إجمالا حتى 4 أبريل/نيسان، والتي أسفرت عن مقتل 37 شخصا وإصابة 30 آخرين.

من الصعب قياس مدى تأثير العمليات الأمريكية/البريطانية ونجاحها في تقويض أو إضعاف قدرة الحوثيين على تهديد حركة الملاحة والشحن التجاري في البحر الأحمر من دون توفر إحصاءات دقيقة وموثوقة عن حجم ترسانة الجماعة. قد تكون الضربات الأكثر تأثيرا – على الأقل بالنسبة لكبار القيادات الحوثية – هي تلك التي وقعت في 24 فبراير / شباط، والتي استهدفت مستودعات ومخابئ الأسلحة في المناطق المحيطة بمدينة صنعاء، حيث من المعروف أن أعضاء من القياد العليا للجماعة يترددون إليها. أدت هذه الضربات، وفقا لمصادر عسكرية حوثية، إلى تشديد الإجراءات الأمنية وبثّت نوعا من الرهاب والارتياب لدى القادة العسكريين ممن قيل إنهم حظروا استخدام الهواتف الرقمية وغيرها من التقنيات التي يُمكن تتبعها. ركزت غارات أخرى على المناطق الساحلية شمال مدينة الحديدة – بما في ذلك رأس عيسى والجبانة والصليف والكثيب – وهي مناطق تحملت العبء الأكبر من القصف، إلى جانب استهداف مستودعات ومواقع عسكرية معروفة في مناطق سيطرة الحوثيين في صعدة وصنعاء والبيضاء وذمار وتعز وحجة. من الجدير بالذكر أن ترسانة الحوثيين من الصواريخ والطائرات المسيرة تضم منصات يمكن تحريكها ونقلها بسهولة وهو ما يمنح الجماعة ميزة استراتيجية للكرّ والفرّ ويجعل استهدافها بالوسائل التقليدية أكثر صعوبة.

تُظهر صور الأقمار الصناعية تعرّض العديد من هذه المواقع – لا سيما في رأس عيسى –لأضرار جسيمة، ولا يُستبعد أن تستخدم واشنطن هذه الصور كدليل على أن “عملية بوسيدون آرتشر” – المصممة لاستهداف قواعد الحوثيين – تنجح بالفعل في تقويض قدرات الحوثيين ولو نسبياً على الأقل. لكن بوجود ميزة تميل لصالح الحوثيين في المعركة وعدم توفر معلومات دقيقة عن حجم ترسانة أسلحة الجماعة، سيُصبح من الصعب على الإدارة الامريكية تبرير شنّها المزيد من الغارات أمام الكونغرس الأمريكي ودافعي الضرائب الأمريكيين، ففي نهاية المطاف لا يتطلب الأمر سوى إطلاق طائرة مسيرة حوثية واحدة باتجاه البحر الأحمر لكي تبقى الجماعة تهديدا في نظر شركات الشحن الدولية وبَطلة في نظر مؤيديها.

مع أخذ هذا بعين الاعتبار، تتزايد المخاوف من أن يأخذ التواجد العسكري الأمريكي في اليمن طابعا أكثر رسمية مستقبلاً، لا سيما بعد تهديد زعيم جماعة الحوثيين عبدالملك الحوثي بمزيد من التصعيد وفي ظل تقارير غير مؤكدة عن خُطط لمسؤولي وزارة الدفاع الأمريكية لاستخدام جزيرة سقطرى كموقع عسكري استراتيجي.

قوات عسكرية أجنبية في المياه اليمنية

العمليات العسكرية ضد الحوثيين

مع تصاعد هجمات الحوثيين على حركة الملاحة البحر الأحمر وخليج عدن، بدأت تحركات للتصدي لعدوان الحوثيين على الممرات المائية والتخفيف من تداعياته. استمرت عملية “حارس الازدهار” بكامل قوتها منذ أن أطلقتها واشنطن رسميا في 18 كانون الأول/ديسمبر العام الماضي، بدعم من أكثر من 20 دولة، حيث نجحت البحرية الأمريكية وحلفاؤها بإسقاط مئات الصواريخ والطائرات المسيرة الحوثية – وبلغ العدد في إحدى المرات 28 صاروخا/ طائرة مسيرة في يوم واحد و 21 صاروخا/ طائرة مسيرة في واقعة أخرى. إلا أن هذا كلّف معدات عسكرية بمئات الآلاف من الدولارات الامريكية، وحصيلة قتلى شملت ثلاثة بحارة أمريكيين لقوا حتفهم في حادثين منفصلين، إلى جانب هجوم كاد يستهدف مدمرة صواريخ أمريكية.

بالتنسيق مع هذه الجهود، أطلق الاتحاد الأوروبي رسمياً عملية “أسبيدس” في 19 فبراير/ شباط بمشاركة سبع دول أوروبية (مبدئيا)، قامت أربع منها بإقراض سفنها حتى الآن للعملية التي تتخذ من اليونان مقرا لها ويقودها أميرال إيطالي. انضمت إستونيا في وقت لاحق، إلى جانب هولندا التي أرسلت فرقاطة في أواخر مارس/ آذار، لدعم العمليتين الأمريكية والأوروبية. بإطلاق عملية “أسبيدس” ، يتعزّز تواجد القوات العسكرية الأجنبية في ممرات الملاحة في المنطقة، حيث تنسق السفن الحربية الأوروبية بشكل وثيق مع نظيراتها الأمريكية ، بصرف النظر عن حادثة استهداف الألمان لطائرة مسيرة أمريكية في اليوم الأول عن طريق الخطأ دون إصابتها. أتاحت عملية “أسبيديس” فرصة لحكومات الاتحاد الأوروبي (الحذرة والحريصة عادة) لتبرير تواجدها العسكري في البحر الأحمر، علما بأن هذه العملية تعتمد مهام أكثر مرونة وهو ما قد يُحجمها عن التورّط في صراع في حال اختار الأمريكيون تصعيد عملياتهم البحرية التي تُعدّ الأكثر حدّة منذ الحرب العالمية الثانية.

وعلى الرغم من أن البحرية الهندية لم تشارك رسميا في أي من العمليتين (الأمريكية والأوروبية)، إلاّ أنها لعبت دورا كبيرا في حماية الممرات المائية حول خليج عدن، حيث أنقذت سفينتين بعد اشتعال النيران فيهما إلى جانب ملاحقتها وتسليمها قراصنة صوماليين.

تساؤلات تحيط بمصادر مخابراتية حوثية

في إطار جهود التنسيق العسكري المشار إليها آنفاً، أصبح التعاون لا يقتصر فقط على تشكيل تحالفات مناهضة للحوثيين، لا سيما بعد أن أثبت الحوثيون قدرتهم على استهداف وتتبّع السفن التجارية بدرجة من الدقة وهو ما أثار تساؤلات حول دور إيران في تلك الهجمات. تُعزى بعض نجاحات الحوثيين – في استهداف السفن على الأقل – إلى تركيبهم أبراج تتبّع نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) على طول ساحل الحديدة وقيامهم بدوريات تستخدم أنظمة تتبّع بشكل منتظم في البحر الأحمر، وفقا لمصادر عسكرية حوثية وصيادين محليين.

إلا أن مسؤولين أمريكيين أبدوا قلقهم من تواجد سفينة “بهشاد” الإيرانية في البحر الأحمر وخليج عدن (وهي سفينة شحن يُشتبه منذ فترة في كونها إحدى سفن التجسس الإيرانية). تأكدت هذه الشكوك (ولو جزئيا) الشهر الماضي بعد أن حذرت الحكومة الإيرانية الأمريكيين من استهداف سفينة “بهشاد” وسفينة أخرى، قائلة إن سفنها هي عبارة عن “مستودعات أسلحة عائمة”. جاء هذا التصريح في أعقاب ظهور تقارير تفيد بأن القوات الأمريكية نفذت هجوما إلكترونيا على سفينة “بهشاد” أوائل فبراير/ شباط، وهو ما قد يفسر تغيير السفينة مسارها فجأة مخالفة خط سيرها المعتاد في البحر الأحمر، ورسوّها في جيبوتي على بُعد مسافة قصيرة من قاعدة عسكرية صينية. ومن اللافت أن هجمات الحوثيين على السفن التجارية توقفت لستة أيام تزامنا مع رسو سفينة “بهشاد” على طول ساحل جيبوتي (حيث ربضت لأكثر من أسبوعين)، وهي أطول فترة هدوء يشهدها البحر الأحمر منذ أن تصاعدت الهجمات بداية العام.

بحلول أوائل مارس/ آذار، خفت حدة التوترات بما يكفي لتستأنف سفينة “بهشاد” تمشيطها لخليج عدن، حيث رصدت أنظمة تتبّع موقع السفينة على بُعد أقل من 50 ميلا بحريا من سفينة “ترو كونفيدنس” التي استهدفها الحوثيون بهجوم يعتبر الأكثر دقة ودموية حتى الآن. ومن اللافت أن التحقيقات التي أعقبت الهجوم على سفينة “ترو كونفيدنس” كشفت الاستحواذ عليها مؤخرا من قبل شركة أوكتري كابيتال – وهي نفس الشركة الأمريكية التي لها صلة (عبر شركة يونانية تابعة لها) بناقلة نفط إيرانية استولت عليها القوات الأمريكية العام الماضي قبل أن تستعيد القوات الإيرانية سيطرتها على الناقلة في يناير/ كانون الثاني.

أثار استهداف سفينة “ترو كونفيدنس” تساؤلات حول صلة جنسية الشركة المالكة لها بالهجوم، وكذلك حول المنهجية المتبعة من قبل الحوثيين في استهداف السفن. فمنذ بدء أزمة استهداف حركة الملاحة في البحر الأحمر، لجأت ست سفن على الأقل من السفن المستهدفة إلى نقل ملكيتها من شركات أمريكية أو بريطانية أو إسرائيلية. هذا وألمحت تقارير أولية لخبراء ملاحة إلى أن هجمات الحوثيين قد تكون متعمدة، سعياً للتحايل على الشركات التي قد تحاول نقل ملكية سفنها (تجنباً لاستهدافها)، رغم أن الجماعة تعتمد غالباً على بيانات قديمة للنقل البحري. هذا وأثار هجوم مؤخراً على سفينة مملوكة للصين المزيد من الشكوك بشأن استهداف الحوثيين سفنا مُسجلة ملكيتها لشركات وهمية، لكن يظل من الوارد أن تكون الهجمات إما مقصودة أو من باب التهوّر.

الحوثيون يواصلون حملات القمع في الداخل رغم مطالبهم بتحرير فلسطين

لقيت خطابات القيادات الحوثية المطالبة بتحرير فلسطين أصداء ونجحت في حشد التأييد للجماعة من قاعدتها المحلية حسبما يظهر من التجمهرات الأسبوعية الحاشدة في المناطق الواقعة تحت سيطرتهم. إلاّ أن هذه الدعوات المناصرة للقضية الفلسطينية لم تكبح الجماعة من ممارسة القمع دون رادع في اليمن وإفلاتها المعتاد من العقاب.

منتصف مارس/آذار، تصدرت ممارسات القوات الحوثية في مدينة رداع بمحافظة البيضاء عناوين الصحف الدولية بعد أن أمر مشرف حوثي بهدم منزل في حارة الحفرة، ما تسبب في انهيار ثلاثة منازل مجاورة بوجود قاطنيها داخلها. وبحسب التقديرات، تجاوز عدد القتلى 12 شخصا – تسعة من أسرة واحدة.

استهجنت الأصوات المعروفة المناهضة للحوثيين الحادثة بأشد العبارات، بل وانتقدت شخصيات حوثية بارزة الحادثة في خطوة نادرة مطالبة بإجراء تحقيق وتعويض المتضررين. تُعد حادثة حارة الحفرة إحدى النماذج المأساوية للتطرف والعنف الحوثي المُمارس ضد المدنيين، إلا أنها ليست المرة الأولى التي تستخدم فيها قوات الحوثيين هذا التكتيك. منذ بداية العام، وثّق مركز صنعاء خمس حوادث حاصرت فيها قوات الحوثيين منازل سكنية: حادثتان وقعتا في 6 و12 فبراير/شباط، وأخرتين في 13 فبراير/شباط، وحادثة في 7 مارس/آذار. مثلاً في 6 فبراير/شباط، فجّر الحوثيون منزل بيت الطويل في قرية المشاعبة بمديرية المشنة جنوب غرب إب، ما أدى إلى اندلاع اشتباكات عنيفة في الأيام التالية للواقعة.

فضلا عن ذلك، سلطت منظمات حقوقية ونُشطاء الضوء على عدد من الانتهاكات المرتكبة في سجون الحوثيين منذ بداية العام. ففي أواخر يناير/كانون الثاني، توفي رجل بعد يومين من إطلاق سراحه من أحد السجون التي يديرها الحوثيون في صنعاء، حيث ألقي به لعدة أسابيع عقب اختطافه من منزله، ويُشتبه أن سبب الوفاة ناجم عن مضاعفات صحية جراء التعذيب. وفي 8 فبراير/شباط، مُنع معتقل في أحد مراكز الاحتجاز التابعة للحوثيين بصنعاء من تلقي الرعاية الطبية بعد تعرضه لمشاكل صحية جراء التعذيب – وفق أنباء. بعد أسبوع واحد من هذه الحادثة، تداولت أنباء خبر منع رئيس نادي المعلمين اليمنيين، المحتجز لدى سلطات الحوثيين منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، من تلقي الرعاية الطبية بعد دخوله في غيبوبة جراء إضرابه عن الطعام. كما أفادت تقارير في 26 فبراير/شباط عن وفاة رجل آخر جراء تعذيبه في سجن يديره الحوثيين في تعز.

المواجهات البحرية تُفاقم حدة التوترات في الداخل مع تزايد الاقتتال على الجبهات

أثارت هجمات الحوثيين على حركة الملاحة والسفن التجارية – والردّ عليها بغارات جوية أمريكية- بريطانية – مخاوف متزايدة فيما يتعلق بالوضع الأمني داخلياً مع تزايد الاقتتال على الجبهات. طبقّت قوات الحوثيين إجراءات أمنية صارمة في المناطق القريبة من مواقع منصات إطلاق الصواريخ المتنقلة، وفرضت طوقا أمنيا مُشدّدا على مساحات شاسعة من المناطق السكنية في جنوب وساحل الحديدة، إلى جانب اعتقالها أربعة مدنيين في 31 يناير / كانون الثاني، لالتقاطهم صورا لموقع عسكري في إب.

في المقابل، قاوم السكان المحليون عسكرة الحوثيين للمناطق الحضرية مخافة استهداف أراضيهم بالغارات الجوية الأمريكية -البريطانية، حيث اتهمت السلطة المحلية في الحديدة الجماعة باستخدام المدنيين كـ “دروع بشرية”. وعلى الرغم من أن تجنيد الجماعة (للبالغين والأطفال على حد سواء) يشير إلى استمرار التأييد لها من قاعدتها المحلية، تحولت جهود معارضة الحوثيين إلى أعمال عنف في بعض الأحيان. ففي أوائل فبراير / شباط مثلاً، فتح رجال قبليين من مديرية الرياشية غربيّ البيضاء النار على قاذفة صواريخ حوثية كانت تربض بالقرب من منازلهم، ما أدى إلى اندلاع اشتباكات انتهت باعتقال 10 من رجال القبائل ومقتل عدد من عناصر الحوثيين – وفقا لمصادر قبلية.

أما في المناطق غير المأهولة بالسكان، فقد أرسلت قوات الحوثيين تعزيزات كبيرة إلى الجبهات في ساحل الحديدة ولا سيما في منطقة بيت الحشاش وعزلة ربع المحل في مديرية حيس جنوب الحديدة. أرسل الحوثيون كذلك تعزيزات مكثفة إلى مواقع لهم في الضالع أواخر مارس/آذار، بعد عدة أسابيع من معارك قتالية عنيفة، وقوات إضافية من محافظات صعدة وذمار وإب إلى جبهات حجر والفاخر وباب غلق ومريس. هذا وتزايدت مخاوف السكان المحليين في المحافظتين من إمكانية استغلال تواجد التعزيزات كمُبرر لشن هجوم على تلك المناطق، حتى لو خفّت حدة الهجمات في البحر الأحمر في المستقبل القريب.

في سياق مماثل، استمر القتال بين الحوثيين والقوات الموالية للحكومة وتلك التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي على نحو مطرد في العديد من المناطق، وهو ما يشير إلى أن الحوثيين لم يتراجعوا عن مناوراتهم العسكرية الاستراتيجية في الداخل رغم هجماتهم في البحر الأحمر. شهدت الضالع تحديداً اشتباكات عنيفة خلال الأشهر الأخيرة، وأسفرت معارك امتدت لأسبوعين (من 15 إلى 29 مارس/آذار) عن مقتل نحو 72 مقاتلا حوثيا وإصابة 125 آخرين على الأقل، إلى جانب مقتل 28 جنديا من المعسكر المناهض للحوثيين وإصابة 69 آخرين. هذا ولا تزال عقبة ثرة وعقبة الحلحل – على طول الحدود بين مديرية مٌكيراس جنوبيّ البيضاء ومديرية لودر شماليّ أبين – ساحة قتال مشتعلة، فضلاً عن الجبهات الواقعة جنوب مدينة مأرب (لا سيما مديرية حريب وجبل البلق الشرقي).

تزامناً مع هذه التوترات ومع الجهود المبذولة لإعادة فتح الطرق في العديد من هذه المناطق (وخاصة عقبة ثرة)، تبرز تساؤلات حول مآل الأوضاع في جبهات القتال المشار إليها وحول إمكانية تسييس التدابير الساعية للتهدئة، مع تضاؤل الآمال في توصل الحوثيين والمسؤولين الحكوميين إلى تسوية بوساطة الأمم المتحدة والتي كانت مرتقبة حتى نهاية 2023.

أنباء عن وفاة عدد من قيادات فرع تنظيم القاعدة في اليمن تثير الشكوك حول عمليات تصفية

في ظروف غامضة، أُعلن في شهر مارس/ آذار، عن وفاة عدد من قيادات فرع تنظيم القاعدة في اليمن (المعروف باسم تنظيم القاعدة في شبه جزيرة العرب)، حيث بدأ الأمر بإعلان مفاجئ بتاريخ 10 آذار/مارس، عن وفاة أمير فرع التنظيم في اليمن خالد باطرفي (سعودي الأصل والذي تولى الزعامة منذ فبراير/شباط 2020) بعد عدة أشهر من المرض – حسب المعلومات. وأعلن التنظيم تنصيب سعد العولقي أميراً جديداً له، وهو شخصية يمنية بارزة تربطها علاقات قوية مع قبائل شبوة ويحظى بشعبية بين العناصر الأصغر سنا في التنظيم.

هذا وتبع تنصيب العولقي سلسلة من الحوادث الغريبة طالت أعضاء بارزين آخرين في تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وهو ما أثار شكوكا بمحاولة الزعيم الجديد لفرع التنظيم في اليمن تصفية منافسيه المحتملين لإفساح المجال أمامه لاختيار قيادات الصف الأول بعناية. ومن بين عناصر التنظيم الذين توفوا: خالد الصنعاني – مهندس الطائرات المسيرة الذي لعب دوراً في نجاح التنظيم مؤخرا في شن عمليات بهذا النوع من الأسلحة، وقيل بأنه لقي حتفه في حادث سير في 15 مارس / آذار، وكذلك ابن المدني، نجل سيف العدل (الجهادي المصري البارز المقيم في إيران والزعيم الفعلي للتنظيم الأمّ)، والذي توفي في اليوم التالي لمقتل الصنعاني إثر اندلاع حريق في مسكنه. بعدها بأسبوعين، زُعم أن مانع بن عبدالله هضبان، المكني بأبو عرفج الجوفي – لقي حتفه غرقاً في سيل في وادي سر بمديرية القطن في حضرموت.

الهوامش
  1. ملاحظة من المحرر حول المنهجية المتبعة لجمع المعلومات عن الهجمات التي تتعرض لها سفن الشحن التجارية: يتم جمع البيانات التفصيلية عن هجمات الحوثيين على السفن التجارية في البحر الأحمر وخليج عدن من مجموعة متنوعة من المصادر وتشمل على سبيل المثال لا الحصر: مصادر محلية، القيادة المركزية الأمريكية الوسطى (CENTCOM)، وتقارير من هيئات مسؤولة عن رصد حركة الملاحة مثل مكتب المملكة المتحدة لعمليات الملاحة التجارية البحرية (UKMTO)، ومشروع قاعدة بيانات مواقع النزاع المسلح وبيانات الأحداث (ACLED)، والبيانات الرسمية الصادرة عن جماعة الحوثيين، ووسائل الإعلام الدولية والمحلية. هذا ولا يتضمن التقرير الهجمات/ الغارات التي يُزعم وقوعها ولم يتسنّ لمركز صنعاء التحقق منها بشكل مستقل.
  2. ملاحظة من المحرر حول المنهجية المتبعة لجمع المعلومات عن الغارات الجوية: متى أمكن، يعتمد مركز صنعاء بشكل أساسي على إفادات مصادر محلية داخل اليمن. وحين لا تكون هذه المعلومات متاحة، يتم استكمال البيانات عبر الاستعانة بمجموعة متنوعة من المصادر المفتوحة. في الحالات التي تفيد فيها مصادر طرف ثالث بوقوع هجوم ولم تحدد عدد الغارات، يقوم مركز صنعاء بتقييده كَغارة واحدة. ونتيجة لهذا التضارب في المعلومات وعدم وجود تقارير واضحة عن الأطراف المعنية، يُحتمل أن يلاحظ القارئ تباين بين البيانات الواردة في هذا التقرير وتلك الواردة في تقارير أخرى.