إصدارات الأخبار تحليلات تقرير اليمن أرشيف الإصدارات
Read this in English
جدول المحتويات إظهار

التطورات المالية والنقدية

الآثار المترتبة على إدراج الحوثيين في قائمة الكيانات الإرهابية: تفاقم التعقيدات وحالة من عدم اليقين

أثار قرار إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بإعادة إدراج جماعة الحوثيين في قائمة الكيانات الإرهابية العالمية المصنفة تصنيفاً خاصاً (والذي دخل حيز التنفيذ في 16 فبراير/شباط) جدلاً واسعاً. اتُخذت الخطوة في أعقاب سلسلة من الهجمات الصاروخية شنها الحوثيون على السفن التجارية العابرة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، وبموجب هذا التصنيف، يُسمح لوزارة الخزانة الأمريكية فرض عقوبات على الأفراد والكيانات المرتبطة بجماعة الحوثيين بغرض إعاقة قدرتهم على تمويل الأنشطة التي تعتبرها الولايات المتحدة “إرهابية”، كما يُحظر على المواطنين والشركات الأمريكية التعامل مع أي كيانات/ أفراد مرتبطين بالحوثيين ما لم يحصلوا على إذن خاص، إلى جانب حظر التعامل مع الشركات المملوكة جزئيًا للحوثيين أو الكيانات ذات الصلة الُمدرجة في القائمة السوداء.

خارج الولايات المتحدة، يبعث هذا التصنيف برسالة قوية إلى الدول الأخرى والمنظمات للحد من التعامل مع الجماعة خشية انتهاك العقوبات الأمريكية، حيث قد تجد الشركات الأجنبية التي تتعامل مع الحوثيين نفسها في ورطة تصل حدّ إدراجها ضمن قائمة سوداء مماثلة. ومن هذا المنطلق، قد تنجح العقوبات الجديدة في الحدّ من قدرة الحوثيين على الوصول إلى الأموال اللازمة للإمدادات الأساسية والمعدات ورواتب المقاتلين، وربما التأثير على قدراتهم العسكرية.

يهدف قرار إدراج جماعة الحوثيين في قائمة الكيانات الارهابية العالمية المصنفة تصنيفاً خاصاً إلى تحقيق التوازن بين ممارسة الضغط على الجماعة وضمان تدفق المساعدات الإنسانية. وبالمقارنة مع التصنيف السابق للجماعة كمنظمة إرهابية أجنبية (والذي يُوسع دائرة العقوبات المفروضة)، يعد التصنيف الأخير أضيق نطاقاً وهو ما قد يُخفّف من تأثير القرار على إيصال المساعدات الإنسانية. لكن هذا لم يمنع المخاوف من تداعياته على تدفق المساعدات وعلى الاقتصاد اليمني، برغم أن الهدف المعلن هو الضغط على الحوثيين وردع هجماتهم على سفن الشحن التجارية. وللتعامل مع هذه المخاطر والتخفيف من التداعيات، أصدر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية خمسة تراخيص عامة تسمح بتعاملات محددة النطاق مع الحوثيين تقتصر على توفير السلع الزراعية والأدوية والأجهزة والمعدات الطبية (بما في ذلك قطع الغيار والمكونات وتحديثات البرامج الخاصة بالأجهزة الطبية)؛ وتوفير خدمات الاتصالات والبريد والإنترنت؛ والحوالات المالية الشخصية؛ المشتقات النفطية التي تأتي الى اليمن في شكل واردات سلعية؛ واستمرار أنشطة الموانئ والمطارات الضرورية لتلبية احتياجات الشعب اليمني.

على الرغم من النهج المُوجّه والمُستهدف، تظل هناك مخاوف بشأن العواقب غير المقصودة على الاقتصاد اليمني ووصول المساعدات الإنسانية إلى البلاد، فرُغم أن التصنيف يستثني فرض عقوبات مباشرة على الجهات الفاعلة في المجال الإنساني، إلا أنه قد يخلق مناخاً من الخوف ويُثبط الانخراط في الأنشطة الإغاثية الأمر الذي سيعيق عن غير قصد إيصال المساعدات إلى ملايين المحتاجين، خاصة وأن الحوثيين يُسيطرون على المناطق الأكثر اكتظاظًا بالسكان في اليمن حيث يتركّز نحو 70 في المئة من إجمالي عدد سكان البلاد. فضلا عن ذلك، قد يؤدي هذا التصنيف إلى تعطيل حركة التجارة والأنشطة الاستثمارية وهو ما سيؤدي إلى تدهور الوضع الاقتصادي المترّدي أساساً وسيُفاقم من حالة عدم الاستقرار.

فضلا عن ذلك، من المحتمل أن يؤثر التصنيف بشكل كبير على أنشطة البنوك اليمنية ويزيد من عَزلها عن النظام المالي العالمي. من المرجح أن تقوم البنوك المراسلة الأجنبية بتكثيف إجراءات الحد من المخاطر واعتماد لوائح أكثر صرامة للامتثال لقوانين مكافحة غسيل الأموال، ووقف التعامل مع البنوك اليمنية لتجنب أي خرق محتمل للعقوبات وعدم المغامرة بسمعتها. قد يؤدي ذلك إلى تقويض قدرة البنوك اليمنية على إنجاز المعاملات المالية الدولية، وقدرتها على التعامل مع البنوك المراسلة الأجنبية في ظل ارتفاع تكلفة الامتثال للوائح المعمول بها، واحتمال ارتفاع رسوم المعاملات المالية والتمويلات التجارية بشكل كبير بالنسبة للبنوك اليمنية، وهو ما قد يُصعّب بدوره استيراد السلع الأساسية، مثل الغذاء والدواء، التي ستصبح أكثر كلفة.

لا يظهر حتى الآن التأثير الكامل لهذا التصنيف والذي يتوقف على عدة عوامل، كما لا يتضح بَعد طبيعة رد فعل الحوثيين على ذلك وآلية تكيّف النظام المالي في مناطق سيطرتهم مع هذه التطورات. كما ستعتمد درجة تأثير التصنيف على الحوثيين وعلى وصول المساعدات الإنسانية بشكل كبير على التفسيرات المتباينة وآلية تطبيق العقوبات الواردة في التصنيف من قبل الدول والكيانات المختلفة. مع الاحتمالات الواردة بحدوث تداعيات غير مقصودة نتيجة القرار، يستدعي الأمر متابعة دقيقة وجهود دبلوماسية متواصلة ، وتزويد البنوك اليمنية بالدعم الفني لإثبات قدرتها على الامتثال للوائح مكافحة غسل الأموال والتخفيف من تداعيات التصنيف عليها. من الأهمية بمكان الاستغلال الفعال لأي إعفاءات قد تُطبّق ومواصلة الحوار مع الجهات الفاعلة في المجال الإنساني للتخفيف من التداعيات السلبية لهذا التصنيف.

الدعم السعودي يعزز قيمة الريال اليمني بعد هبوطه الحاد

في فبراير/شباط، أفرجت المملكة العربية السعودية عن الدفعة الثانية البالغة 250 مليون دولار أمريكي من المنحة المُتعهد بها سابقاً بقيمة 1.2 مليار ريال سعودي لدعم قيمة الريال اليمني وميزانية الحكومة، ويأتي هذا بعد أكثر من ستة أشهر من تقديم الدفعة الأولى البالغة 267 مليون دولار أمريكي في أغسطس/ آب من العام الماضي. ساعد التمويل على سد النقص في احتياطيات البنك المركزي اليمني بعدن من النقد الأجنبي، وسمحت للبنك بإعادة طرح مزادات لبيع العملات الأجنبية التي تساهم في تمويل استيراد السلع الأساسية، لا سيما المواد الغذائية.

سرعان ما ساهم ضخ التمويل المشار إليه أعلاه في رفع قيمة الريال اليمني المتداول في مناطق سيطرة الحكومة بنسبة 2 في المائة بادئ الأمر (من 1,665 ريال يمني إلى 1,625 ريال مقابل كل دولار أمريكي بحلول منتصف فبراير/شباط)، لتستقر قيمة العملة بعد هبوطها جراء استنزاف الخزينة الحكومية. خلال شهر يناير/كانون الثاني وحده، فَقَد الريال اليمني المتداول في مناطق سيطرة الحكومة (من فئة الأوراق النقدية الجديدة) أكثر من 5% من قيمته بعد تراجعه من 1,543 ريال يمني إلى 1,626 ريال يمني مقابل كل دولار أمريكي بنهاية الشهر.

أواخر يناير/كانون الثاني، استأنف البنك المركزي اليمني في عدن طرح مزادات بيع العملات الأجنبية حيث شهدت المزادات الأولية طلباً قوياً، حيث كانت تغطية الاكتتاب 100٪ في مزادي 24 يناير/كانون الثاني و15 فبراير/شباط، اللذان طرحا 40 مليون دولار أمريكي و60 مليون دولار أمريكي للبيع على التوالي. إلاّ أن الارتفاع الأولي في قيمة الريال كان مؤقتاً حيث عاود الانخفاض نسبياً خلال النصف الثاني من شهر فبراير/شباط، وظل السعر متذبذبا بين 1,630 ريال يمني و1,685 ريال يمني لكل دولار أمريكي، الأمر الذي يعكس استمرار حالة عدم اليقين بشأن قدرة الحكومة على معالجة العجز المالي المتزايد في الموازنة.

رُغم بعض التذبذبات، شهد الريال مرحلة من الاستقرار النسبي خلال شهر مارس/آذار، حيث بلغ متوسط سعر الريال اليمني حوالي 1,667 ريال يمني لكل دولار أمريكي مع بدء مفعول الضخ المالي السعودي، لكن المخاوف ظلت قائمة بسبب اعتماد الحكومة الكبير على هذه الأموال كمصدر دعم، إلى جانب تضاؤل مواردها والذي يهدد باستنزاف احتياطيات البنك المركزي اليمني من النقد الأجنبي بسرعة.

يُذكر أن البنك المركزي اليمني في عدن عقد خمسة مزادات لبيع العملات الأجنبية منذ بداية العام، قامت من خلالها البنوك اليمنية بشراء 178 مليون دولار أمريكي (78%) من أصل 230 مليون دولار أمريكي عرضت للبيع. رغم ذلك، لا يزال مستقبل قيمة الريال اليمني على المحك، فالاستقرار الذي حققه الدعم السعودي هو استقرار مؤقت، علما بأن الرياض تأنّت في الإفراج عن هذه الأموال. على ضوء هذا، قد يشهد الريال هبوطًا جديداً وربما إلى مستويات قياسية بدون دعم إضافي.

قواعد جديدة لمنافذ وشركات الصرافة في صنعاء

في 19 فبراير/شباط، أصدرت جمعية الصرافين اليمنيين، ومقرها صنعاء، قواعد جديدة لمنافذ وشركات الصرافة العاملة في مناطق سيطرة الحوثيين، بزعم ضمان شفافية تعاملاتها. تحظر القواعد الجديدة بشكل صارم الإفصاح عن أرصدة العملات المحلية أو الأجنبية للعملاء التجاريين خلال ساعات العمل، وعلاوة على ذلك، تفرض تطابق التحويلات المالية والمدفوعات الآن مع العملة المستخدمة لتفادي الالتباس لدى العملاء – أي أن تُدفع تحويلات الدولار بالدولار، وألا تُحوّل إلى الريال بسعر الصرف المتداول داخلياً. بالنسبة للمبالغ المحولة بالدولار الأمريكي، يجب أن يتماشى سعر الصرف المعتمد للمدفوعات مع سعر “الدولار الأزرق” في السوق، والذي يعكس عادةً القيمة السوقية الفعلية. كما ذكّرت الجمعية منافذ الصرافة بأهمية الاحتفاظ بما يكفي من النقد بالريال اليمني والعملات الأجنبية لضمان قدرتها على تلبية جميع طلبات الحوالات المالية دون تأخير.

ونوّهت الجمعية إلى أن الصرافين يتحملون المسؤولية الكاملة للامتثال لهذه اللوائح الجديدة وأن عدم التقيّد بها سينجم عنه عقوبات أو عواقب أخرى. وزعمت الجمعية أن اللوائح الجديدة تهدف إلى خلق بيئة مالية أكثر استقرارًا وشفافية وملائمة للعملاء، وتساعد منافذ وشركات الصرافة الملتزمة بهذه القواعد على حماية سمعتها وتقديم خدمة أفضل لعملائها التجاريين.

البنك المركزي اليمني في صنعاء يصدر توجيهات لمكافحة الاحتيال المالي وتنظيم عمل شركات الصرافة

أصدر البنك المركزي اليمني في صنعاء في 29 فبراير/شباط، قرارين يهدفان إلى مكافحة الاحتيال المالي وتعزيز الأمن المالي، ووضع ضوابط جديدة لترخيص وتشغيل قطاع الصرافة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين.

ويُحدد القرار رقم (2)، بشأن “مكافحة الاحتيال في المؤسسات المالية”، إجراءات للكشف عن أنشطة الاحتيال ومنعها والإبلاغ عنها وكذلك الأطراف المسؤولة عن مكافحة الاحتيال إلى جانب وضع سياسات مكافحة الاحتيال وحماية عملاء ووكلاء المؤسسات المالية. من جهة أخرى ، يُحدد القرار رقم (3)، بشأن “رأس مال ورسوم تراخيص شركات و منشآت الصرافة وضماناتها وواجباتها”، الحد الأدنى المطلوب لمبلغ رأس المال المدفوع للترخيص بمزاولة أعمال الصرافة بناءً على الفئة المصنفة فيها الشركة/ المنشأة. يُطلب من الشركات المشغلة المرخص لها بمزاولة أعمال الصرافة وتشغيل شبكة محلية لتحويل الأموال (ويشار إليها بالشركات المشغلة) الاحتفاظ بحد أدنى من رأس مال يبلغ 1.25 مليار ريال يمني. أما شركات الصرافة التي تقدم خدمات الصرافة ولكن لا يُسمح لها بتشغيل شبكة محلية لتحويل الأموال (ويشار إليها بالشركات فقط)، فيشترط أن يكون الحد الأدنى لرأس المال المطلوب 500 مليون ريال يمني. من جهة أخرى، تم تحديد الحد الأدنى لرأس المال المطلوب لـ “منشآت” الصرافة بـ 10 ملايين ريال يمني.

فيما يتعلق برسوم الترخيص والتجديد، يتعين على الشركات المشغلة دفع 5 ملايين ريال يمني عن المركز الرئيسي للشركة بالإضافة إلى 500 ألف ريال يمني عن كل فرع من فروع الشركة المشغلة. من جهة أخرى، يتعين على الشركات دفع مليوني ريال يمني كرسوم عن المركز الرئيسي للشركة بالإضافة إلى 500 ألف ريال يمني عن كل فرع من فروع الشركة، بينما يتعين على محل الصرافة دفع مليون ريال يمني. هذا ويُطلب من جميع الشركات إيداع ضمان نقدي لدى البنك المركزي اليمني في صنعاء لضمان الامتثال للقوانين والتعليمات التنظيمية، مع اختلاف المبالغ المطلوبة بحسب الفئة المصنفة فيها الشركة/ المنشأة.

إضافة إلى ذلك، تعتبر المادة (4) من أهم المواد الواردة في القرار رقم (3)، حيث تحدد الأنشطة المصرح بها للوكلاء لأغراض إصدار ودفع الحوالات المحلية عبر الشبكة أو نظام الشركة؛ وكذلك المادة (5) التي تحدد اللوائح الخاصة بعمليات الصرف والتعاملات مع البنك المركزي اليمني وواجبات الشركة والجزاءات المفروضة في حال عدم الامتثال؛ إلى جانب المادة 19، التي تحدد الجزاءات الأخرى في حال ارتكاب أي مخالفات بما في ذلك سحب التراخيص الممنوحة في حال قامت الشركة المشغلة/ الشركة/ المنشأة بمنح قروض أو أرصدة ائتمانية أو سحب على المكشوف لملاكها أو وكلائها أو عملائها الدائمين.

دخلت هذه القرارات حيز التنفيذ فور نشرها في الجريدة الرسمية، وفي غضون 30 يومًا من صدور اللوائح التي أصبحت قانوناً، مُنع مزاولو أعمال الصرافة من فتح أية حسابات جديدة للأفراد أو تسجيل معاملات ائتمانية في حساباتهم، بينما تم استثناء الشركات المشغلة وشركات الصرافة التي تفتح حسابات تجميعية لتسوية المعاملات والأرصدة للشركات التجارية التي لديها سجل تجاري قانوني.

في السياق، أدت أزمة السيولة في القطاع المالي في اليمن – والتي بدأت في أواخر عام 2016 – إلى حركة كبيرة للتدفقات المالية من القطاع المصرفي الرسمي إلى سوق الصرافة غير المُنظم. ومن حينها، قامت الشركات المزاولة لأعمال الصرافة وتحويل الأموال بفتح حسابات للأفراد ومنح القروض والأرصدة الائتمانية لملاكها ووكلائها وعملائها، في انتهاك للقانون. في السابق، لجأ البنك المركزي اليمني بصنعاء إلى إصدار تعليمات تمنع فتح حسابات للأفراد، إلا أن هذه الجهود باءت بالفشل. وإذا ما تم تطبيق القرارات الجديدة، فيُحتمل أن يؤدي ذلك إلى إغلاق العديد من منافذ الصرافة وتهديد حركة القطاع. راكمت شركات ومنشآت الصرافة مئات المليارات من الريالات اليمنية في أنظمتها المحاسبية، وقامت غالبية تلك الشركات ومقدمو الخدمات المالية باستخدام هذه الأموال في استثمارات عالية المخاطر وبالتالي من المحتمل أن تكون غير قادرة على دفع الأموال للمودعين.

وزارة المالية تصدر تعميماً بشأن نظام ضبط النفقات

في 20 فبراير/شباط الماضي، اتخذت وزارة المالية التي تديرها الحكومة خطوات لضمان إدارة مالية أكثر مسؤولية من خلال إصدار التعميم الوزاري رقم (1) لسنة 2024. يحدد التعميم آلية تطبيق نظام ضبط النفقات لجميع الدواوين والهيئات والمصالح والمكاتب التنفيذية التابعة للسلطة المركزية.

يستند التعميم المشار إليه إلى قرار مجلس الوزراء رقم (3) لسنة 2024، الذي وضع إطار عمل لمراقبة الإنفاق والالتزامات الحكومية. يهدف هذا التركيز المتجدد على الرقابة المالية إلى اعتماد قدر أكبر من الكفاءة والشفافية في الشؤون المالية للدولة وضمان توافق الإنفاق الحكومي مع الموازنة المالية وتوجيهه نحو الأولويات المحددة. يُطلب من جميع الجهات الحكومية الآن تقديم خطط شاملة تُحدّد نفقاتها المتوقعة للسنة المالية بأكملها، ويجب تحديث هذه الخطط على أساس ربع سنوي لتعكس أي تعديلات أو تغييرات في احتياجات الإنفاق. كما يجب إبلاغ وزارة المالية على الفور بأي تعديلات تطرأ على هذه الموازنات مصحوبة بخطة معدلة لما تبقى من السنة المالية. يتناول التعميم أيضاً مختلف الجوانب الفنية المتعلقة بتنفيذ نظام ضبط الإنفاق، ويقدم المزيد من الإرشادات للجهات الحكومية بشأن الالتزام بالإجراءات ذات الصلة.

هذا ويسعى التعميم إلى معالجة الأزمة المالية المتفاقمة التي تعاني منها الحكومة اليمنية، بعد أن أدت هجمات الحوثيين بالطائرات المسيرة على موانئ تصدير النفط في أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني 2023، إلى القضاء على مصدر الإيرادات الرئيسي للحكومة. كما ضغط الحوثيون منذ أوائل العام 2023 على المستوردين التجاريين لإعادة توجيه الشحنات من ميناء عدن إلى الحديدة، مما حَرَم الحكومة من الإيرادات الجمركية الهامة.

جدل بسبب إحالة محافظ البنك المركزي إلى التحقيق

في 20 فبراير/شباط، أصدر رئيس مجلس القضاء الأعلى محسن يحيى طالب مذكرة تتهم محافظ البنك المركزي أحمد غالب المعبقي بعرقلة تنفيذ التعزيز المالي للسلطة القضائية. وجاء هذا الإجراء عقب اجتماع استثنائي للمجلس ناقش العوائق التي تعترض صرف المخصصات المالية من البنك المركزي اليمني في عدن، خصوصاً تلك المخصصة لصرف الرواتب. وطالبت المذكرة بإحالة المحافظ إلى النيابة العامة للتحقيق معه ومنعه من السفر، وهو ما تم المصادقة عليه في 20 فبراير/شباط الماضي. تحرك أبناء قبائل الصبيحة، التي ينتمي إليها المعبقي، للدفاع عنه حيث تجمّع العشرات أمام منزله في المدينة الخضراء بمحافظة لحج في 23 فبراير/شباط، تضامناً معه، وأصدرت القبائل بياناً أشارت فيه إلى أن جميع أجهزة الحكومة لا تصرف رواتب موظفيها بانتظام. حينذاك، ضغط مجلس القيادة الرئاسي على القضاة للتراجع عن الشكوى، وأكدت النيابة العامة أن المسألة قد حُلّت.

أثارت الواقعة جدلًا واسعاً، حيث أعرب النائب البرلماني علي عشال عن مخاوفه من تسييس مؤسسات الدولة، وحث السلطات على معالجة هذه المسألة. وردّد خبراء قانونيون هذه المخاوف، مسلطين الضوء على افتقار مجلس القضاء الأعلى للسلطة القانونية في هذه الحالة، مؤكدين على أن مجلس القضاء الأعلى لا يملك صلاحية التحقيق مع أفراد من خارج السلك القضائي، أو منعهم من السفر، أو إحالة الأفراد إلى النيابة العامة ما لم تدخل المخالفة أو الجريمة المرتكبة في نطاق الولاية القضائية. كان محسن طالب قد عُيّن مؤخراً رئيساً لمجلس القضاء الأعلى، وتربطه علاقات وثيقة مع عضو مجلس القيادة الرئاسي عبد الرحمن المحرمي. أثار هذا الأمر تكهنات بأنه يسعى إلى الحصول على خدمات لصالح بنك القطيبي الإسلامي للتمويل الأصغر ومقره عدن، والذي يُزعم أن لطالب صلات به.

يعتبر البنك المركزي اليمني في عدن بمثابة الخزينة الحكومية والكيان المسؤول عن تنفيذ ميزانيتها، حيث يتم توريد الأموال إليه ويقوم بتوزيعها على النحو المنصوص عليه في الميزانية المعتمدة، بما في ذلك نفقات الرواتب والتكاليف التشغيلية. بموجب القانون، يمكن للبنك المركزي رفض طلبات للإنفاق في حال كانت الدولة تفتقر إلى الموارد الكافية، وقد مارس البنك هذه الصلاحية على نطاق واسع في ضوء الأزمة المالية المستمرة التي تواجهها الحكومة، مما أثار تساؤلات حول قرارات المحافظ بحجب الأموال.

التنافس بين فرعي البنك المركزي في صنعاء وعدن يعرقل تدفقات التحويلات المالية

في فبراير/شباط الفائت، غاص النظام المالي اليمني الهش أساساً في أزمة أعمق حين دخل فرعا البنك المركزي المتنافسان في عدن وصنعاء، معركة للسيطرة على التحويلات المالية وقطاع تحويل الأموال الذي يعتبر قطاعاً هاماً لملايين اليمنيين ممن يعتمدون على الأموال المرسلة لهم من الخارج للعيش والبقاء في ظل الصراع الدائر.

اندلع التنافس الأخير في منتصف فبراير/شباط الماضي، عندما أطلق البنك المركزي اليمني في عدن شبكة جديدة هي الشبكة الموحدة للأموال (UNMONEY) بهدف تعزيز الشفافية والرقابة على التدفقات المالية. بموجب التعميم الصادر، يُلزم البنك المركزي شركات ومنشآت الصرافة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة باستخدام شبكة (UNMONEY) وهو ما أثار جدلاً واسعاً، حيث اتهمت نقابة الصرافين الجنوبيين التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي – والتي تمثل كبرى شركات الصرافة – البنك المركزي اليمني في عدن بتغليب مصالح الحوثيين ومحاولة القضاء على مواردهم.

ردًا على ذلك، حظر البنك المركزي اليمني بصنعاء، في شهر مارس/آذار، جميع التعاملات مع نقابة الصرافين الجنوبيين وفرض قيودًا على تدفقات التحويلات المالية، وبأوامر من البنك المركزي اليمني بصنعاء، أصدرت جمعية الصرافين اليمنيين بصنعاء تعميمًا بتاريخ 4 مارس/آذار، يحظر على شركات ومنشآت الصرافة وشبكات تحويل الأموال المحلية التعامل مع شبكة (UNMONEY) والبنوك غير المرخص لها من قبل البنك المركزي اليمني بصنعاء. خصّ التعميم بالذكر بنكين هما بنك القطيبي الإسلامي للتمويل الأصغر وبنك البسيري للتمويل الأصغر، ويقع المقر الرئيسي لكل منهما في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، وبرزا كجهتين فاعلتين رئيسيتين في تسهيل التحويلات المالية داخل اليمن. في 13 مارس/آذار، أصدر البنك المركزي اليمني بصنعاء تعميمًا استباقيًا من ثلاث صفحات إلى جميع البنوك وشركات/ منشآت الصرافة، يحظر استلام الحوالات المالية بأي عملة غير الريال السعودي، بغض النظر عن العملة الأصلية للحوالة (والتي عادةً ما تكون بالدولار الأمريكي أو الريال اليمني). كما حظر التعميم صرف الحوالات المالية (عبر ويسترن يونيون وموني جرام وما شابهها) من خلال أي وكلاء لشركات الصرافة والبنوك الموجودة خارج المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، أو من فروع غير مرخصة من قبل البنك المركزي اليمني بصنعاء.

في 19 مارس/آذار، ردّ البنك المركزي اليمني بعدن بدوره عبر إدراج خمسة بنوك في صنعاء والشبكات التابعة لها في القائمة السوداء، مما زاد من عرقلة التحويلات المالية. البنوك الخمسة المشار إليها هي: بنك التضامن (الإسلامي)، بنك اليمن والكويت، بنك الأمل للتمويل الأصغر، مصرف اليمن البحرين الشامل، وبنك الكريمي للتمويل الأصغر الإسلامي. كان هذا مجرد خطوة أولى في سلسلة من الإجراءات العقابية التي لا تزال تهدد النظام المصرفي وقطاع تحويل الأموال.

يُهدّد هذا التصعيد المتبادل بشلّ قطاع تحويل الأموال بعرقلة تدفقات التحويلات المالية وزعزعة استقرار الريال اليمني، حيث وردت أنباء عن توقف شبه تام في التحويلات المالية بين المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة ومناطق سيطرة الحوثيين. واجهت الشركات التجارية صعوبات في إنجاز المعاملات المالية، بينما واجه المواطنون صعوبات في إرسال الأموال عبر المناطق المنقسمة داخل البلاد. هذا وأدى حظر الحوثيين لصرف الحوالات بعملة الدولار إلى تفاقم الوضع، خاصة خلال شهر رمضان حيث تزداد الحوالات المالية عادةً. عَمَد الحوثيون إلى تقليص التعامل بالدولار الأمريكي في ظل أزمة السيولة الحادة التي يعانون منها وبعد إدراجهم من قبل الولايات المتحدة في قائمة الكيانات المصنفة كإرهابية، وشملت إجراءاتهم إيقاف تداول الدولار الأبيض وحظر تداول الدولار الأزرق لِدفع الحوالات الخارجية إلى اليمن.

يُعد حظر التعاملات بالدولار الأمريكي وإجبار البنوك ومنافذ الصرافة على تحويلها إلى الريال السعودي أحدث فصل في ملحمة الحرب المالية، ففي عام 2020، تسبب الحوثيون بحالة من الفوضى بعد حظرهم تداول الأوراق النقدية الجديدة للريال اليمني (التي طبعها البنك المركزي اليمني بعدن) في مناطقهم وفرضوا رسوماً هائلة (تتجاوز قيمة الحوالة نفسها) على أي تحويلات مالية من المناطق التي تسيطر عليها الحكومة.

أواخر مارس/آذار، تم التوصل إلى إجراءات تهدئة أتاحت متنفس مؤقتاً رغم هشاشتها. في 26 آذار/مارس، أصدر البنك المركزي اليمني بصنعاء (الخاضع لسيطرة الحوثيين) تعميماً جديداً يلغي الحظر المفروض على البنوك التي تتعامل مع شركتي القطيبي والبيسيري للصرافة؛ وفي المقابل، ألغى البنك المركزي اليمني بعدن توجيهاته التي تحظر التعامل مع البنوك الخمسة التي تتخذ من صنعاء مقراً لها. جاءت هذه الخطوات في أعقاب جهود وساطة شاركت فيها جمعية البنوك اليمنية والبنوك المتضررة من الإجراءات الأخيرة؛ كما أفادت مصادر إعلامية عن مشاركة وسطاء خارجيين دون تحديد هويتهم.

إلاّ أنّ نتائج هذه الوساطة كانت مؤقتة، فالصراع الأساسي القائم من أجل السيطرة على النظام المالي اليمني وانعدام الثقة بين السلطات المتنافسة تُمثل تحديات كبيرة تعيق إيجاد حل دائم. يُسلط هذا الصراع الضوء على تعقيدات الوضع في اليمن، فبينما يسعى البنك المركزي اليمني بعدن إلى تنظيم سوق الصرافة وتحقيق الاستقرار في قيمة الريال، يرى الحوثيون أن أية إجراءات من هذا القبيل تشكل تهديدًا لسلطتهم.

البنك المركزي بصنعاء يطرح عملة معدنية جديدة مع احتدام المواجهة مع مركزي عدن

في 31 مارس/آذار، أصدر البنك المركزي اليمني بصنعاء قرارًا مثيرًا للجدل بسك عملة معدنية جديدة لتحل محل الأوراق النقدية التالفة من فئة 100 ريال. وزعم محافظ البنك المركزي اليمني في صنعاء أن هذه الخطوة تهدف ببساطة إلى استبدال الأوراق النقدية التالفة ولن تؤثر على أسعار الصرف، وأن البنك يعمل بشفافية وملتزم بتحقيق الاستقرار الاقتصادي. لكن لا تتضح بَعْد تفاصيل رئيسية، بما في ذلك حجم الأوراق النقدية المستبدلة، ويثير هذا النقص في المعلومات عن حجم العملات المعدنية التي تم ضخها في السوق وتأثيرها المحتمل على السيولة الحالية مخاوف من حدوث أزمة تضخم.

من جهتها، عارضت الحكومة المعترف بها دوليًا والبنك المركزي اليمني بعدن هذه الخطوة بشدة، حيث وصف الأخير العملة المعدنية بأنها “مزورة” ومخالفة لكل القوانين وحظر تداولها. كما حذرت المؤسسات المالية والمواطنين من قبول أو تداول العملة المعدنية، بحجة أنها ستزيد من عرقلة التجارة وتعقيد وإرباك التعاملات المالية والمصرفية بين المناطق المنقسمة. تسلط هذه الاتهامات الضوء على الخلاف المتفاقم بين المؤسستين النقديتين وتثير مخاوف جدية بشأن مستقبل الريال اليمني والنظام المصرفي بشكل عام.

على الرغم من أن الهدف المزعوم من سك الحوثيين للعملة المعدنية هو فقط استبدال نسبة صغيرة من الأوراق النقدية التالفة، إلا أن الخطوة تحمل تهديدًا خفيًا فقد تكون خطوة أولى في سلسلة تدابير لسك المزيد من هذه العملة “البديلة” بفئات مختلفة، مما سيؤدي في نهاية المطاف إلى إغراق السوق بعملة جديدة وإضعاف الثقة في الأوراق النقدية للريال. وقد يؤدي التوسع غير المنضبط للقاعدة النقدية، إلى جانب تمويل الحوثيين لآلة الحرب، إلى تضخّم مفرط في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون مما سيزيد من زعزعة استقرار الاقتصاد الهش أساساً. قبل سنوات خلال فترة الحرب الراهنة، تهوّر البنك المركزي اليمني في عدن عبر طباعة كميات مفرطة من الأوراق النقدية الجديدة للريال اليمني لتمويل التعاملات وهو ما أتى بنتائج عكسية وبتداعيات وخيمة. فقد أدى التوسع النقدي الهائل إلى هبوط قيمة العملة مما أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية وزعزعة الاستقرار الاقتصادي في نهاية المطاف. كما أدى الحظر الذي فرضه الحوثيون على تداول العملة الجديدة المطبوعة في يناير/كانون الثاني 2020، إلى انقسام العملة وتأسيس منطقتين نقديتين تعتمد أسعار صرف مختلفة. هذا الانقسام النقدي المستمر يعيق بشكل كبير قدرة البنكين المركزيين بصنعاء وعدن على إدارة السياسات النقدية ويعيق أي خطط مستقبلية لإعادة توحيدهما.

البنك المركزي بعدن يطالب البنوك اليمنية بنقل مقراتها الرئيسية

صعّد البنك المركزي اليمني بعدن أكثر عبر إصدار قرار بتاريخ 2 أبريل/نيسان، يطالب جميع البنوك اليمنية بنقل مقراتها/ مراكز عملياتها الرئيسية إلى عدن في غضون 60 يومًا. إلاّ أن هذه الخطوة (هدفها المُعلن المتمثل بالسيطرة على القطاع المصرفي وحمايته من “الإجراءات غير القانونية” التي يتبناها الحوثيون المعاد إدراجهم من قبل الولايات المتحدة في قائمة الكيانات الارهابية مصنفة بشكل خاص) تُهدد بشلّ النظام المالي المتعثر أساساً. اعتمد القرار تحذيرا شديد اللهجة نص كالتالي: “أي بنك يتخلف عن نقل مركز عملياته إلى العاصمة المؤقتة عدن خلال الفترة المشار إليها بعاليه سيتم اتخاذ كافة الإجراءات القانونية بحقه طبقاً لأحكام قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب النافذ ولائحته التنفيذية”. وبالتالي، قد يؤدي عدم امتثال البنوك لهذا القرار إلى اتخاذ تدابير عقابية بحقها قد تشمل عزلها عن شبكة نظام (سويفت) والشركات العالمية المقدمة لخدمات تحويل الأموال مثل ويسترن يونيون وموني جرام، بل وقد يصل الأمر حد إلغاء تراخيصها وهو ما سيشلّ قدرة القطاع المصرفي على إنجاز المعاملات المالية الدولية الأساسية. من شبه المؤكد هذا الإجراء لن يمر مرور الكرام بالنسبة للحوثيين وسيردّون عبر إجراء مماثل قد يشمل منع البنوك من نقل مقراتها وتطبيق تدابير عقابية على تلك التي تختار الامتثال لقرار البنك المركزي في عدن. جميع هذه الإجراءات الانتقامية المتبادلة ستؤدي لا محالة إلى شلّ القطاع المصرفي وتعطيل الخدمات المالية الأساسية مثل التحويلات المالية الى الخارج وتمويل التجارة مع الخارج.

يُذكر أنه في أغسطس/آب 2021، نشر البنك المركزي اليمني بعدن بيانًا على موقعه الرسمي ينص على ضرورة قيام جميع البنوك التجارية والإسلامية المرخص لها في البلاد بنقل مراكز عملياتها إلى العاصمة المؤقتة عدن، بما يتيح له تطبيق إجراءات التحقق والتفتيش الميداني المباشر على عملياتها والتأكد من التزامها بالمتطلبات القانونية. ورغم أن هذا البيان هدّد باتخاذ إجراءات قانونية ضد البنوك التي ترفض مشاركة بيانات عملياتها مع البنك المركزي اليمني بعدن، إلا أنه لم يُدرج أي عقوبات على البنوك التي لم تلتزم بنقل مقراتها.

من هذا المنطلق، يبدو المطلب الأخير أكثر جدية، حيث يأتي في صيغة قرار مما يجعله أقوى بكثير من الناحية القانونية ويتضمن تهديدات باتخاذ إجراءات قانونية ضد البنوك غير الممتثلة. كما أن الظروف تختلف حالياً، حيث يأتي القرار ردًا على قيام الحوثيين بسكّ عملة جديدة ومحاولتهم تعطيل الشبكة الموحدة للأموال الخاصة بالبنك المركزي اليمني بعدن، وفي وقت تعاني فيه الحكومة المعترف بها دوليًا من حالة اختناق مالي بعد حرمانها من أكبر مصادر إيراداتها عقب توقف صادرات النفط والغاز. هذا واستشهد البنك المركزي اليمني في عدن بالتطورات العسكرية في البحر الأحمر وإعادة إدراج الحوثيين مؤخراً في قائمة الكيانات المصنفة إرهابياً، كمبرر لمطالبة البنوك بنقل مقراتها/ مراكز عملياتها، وأنه إجراء يحمي البنوك من خطر جرّ اسمها إلى جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

يشكل التنافس بين البنكين المركزيين المنقسمين في اليمن تهديداً خطيراً على الاستقرار الاقتصادي الهش أساساً في البلاد. فَبغياب سياسة نقدية موحدة ونظام مصرفي فعّال، ستستمر معاناة الشعب اليمني من عواقب الانقسام المتعمّق في المؤسسات المالية والنقدية وقد ينهار الاقتصاد اليمني كُلياً ما لم يتم التوصل إلى حلّ سلمي. من هذا المنطلق، يستدعي الأمر تدخل دولي/ خارجي عاجل لتهدئة الوضع وإيجاد حل مستدام يعطي الأولوية لمصلحة الشعب اليمني.

البنك المركزي اليمني بعدن يدشن المرحلة الأولى لنظام جديد للتحويلات المالية

في 7 مارس/آذار، أعلن أحمد غالب المعبقي – محافظ البنك المركزي اليمني بعدن عن تدشين المرحلة الأولى من نظام المقسم الوطني والخاص بتبادل التحويلات المالية، حيث يربط النظام سبعة بنوك حالياً على أن يتم استكمال ربط جميع البنوك اليمنية خلال الأشهر القادمة.

في هذا الصدد، أكد المعبقي أن بدء العمل بالنظام الجديد يتماشى مع الخطة الاستراتيجية التي وضعها البنك لتعزيز اقتصاد رقمي شامل ومتطور. تهدف هذه المبادرة إلى تطوير بنية تحتية قوية لأنظمة الدفع تُمكّن الحكومة والقطاع الخاص من الاستفادة من التطورات في التكنولوجيا المالية من أجل رقمنة المدفوعات بطريقة آمنة وفعالة. وفي حال تطبيقه بالكامل، سيوفر النظام العديد من المزايا المحتملة حيث سيتم ربط جميع البنوك بشبكة اتصالات واحدة، وهو ما سيسهل التواصل وتبادل البيانات المصرفية وتسريع إتمام التحويلات المالية، مما سيعزز سرعة إنجاز المعاملات بشكل عام. هذا وسيُتاح للمواطنين السحب النقدي من أي صراف آلي مربوط بالشبكة (بغض النظر عن البنك المُصدر)، كما سيعمل النظام بسلاسة مع جميع نقاط الدفع (POS) ما سيسهل عمليات الدفع داخل المتاجر بشكل أسرع؛ إضافة إلى ربط جميع المحافظ الإلكترونية بهذا النظام في نهاية المطاف.

يواجه تطبيق النظام عقبات كبيرة بسبب استمرار الانقسامات السياسية والاقتصادية داخل البلاد، ويؤدي هذا التشرذم إلى غياب سلطة مركزية موحدة، مما يجعل من الصعب إقناع البنوك (التي تقع مقرات معظمها في صنعاء) بربطها بنظام يشرف عليه البنك المركزي اليمني بعدن وحده. فضلا عن ذلك، قد يلجأ البنك المركزي اليمني بصنعاء إلى فرض إجراءات عقابية لتهديد البنوك ومنع ربطها بالنظام، علماً بأن نطاق النظام وفعاليته سيظل محدودا في حال لم يتم ربط جميع البنوك به.

في جميع الأحوال، يتطلب بناء أو صيانة البنية التحتية المصرفية المتقادمة رصد موارد كبيرة، والتي أصبحت شحيحة بشكل متزايد. وسيكون من الضروري – في نهاية المطاف – التوصل إلى حل سياسي لإنهاء النزاع وتوحيد فرعي البنك المركزي اليمني من أجل إنشاء نظام مالي وطني مُوحّد.

التطورات في قطاع الوقود والطاقة

شركة بترومسيلة تستأنف إنتاج الغاز في القطاع 10، وتُعزز إمدادات الكهرباء

في 11 فبراير/شباط، أعلنت شركة بترومسيلة المملوكة للدولة استئناف إنتاج الغاز وإعادة تشغيل الحقول والمنشآت النفطية في القطاع 10 بمحافظة حضرموت، وذلك بعد الانتهاء بنجاح من إجراء أعمال صيانة شاملة لمنشآت معالجة وضغط الغاز. وتهدف أعمال الصيانة، التي نُفذت على مدار عام تقريبًا، إلى تعزيز كفاءة الإنتاج وضمان استدامته، حيث قالت الشركة إن أعمال الصيانة نُفِّذت في فترة قياسية وشارك فيها 367 عاملاً من الطواقم الفنية والمشرفين والمهندسين التابعين للشركة وعمال الشركات المقاولة.

أتاح استكمال هذه الأعمال بنجاح استئناف إنتاج الغاز تدريجيًا، وهو ما عزّز القدرة الإنتاجية لمحطة توليد الكهرباء التي تعمل بالغاز في وادي حضرموت ومحطة توليد الكهرباء التابعة للمؤسسة العامة للكهرباء بـ 75 ميجاواط ، وحسّن من إمداد المنطقة بالكهرباء.

لجنة المناقصات الجديدة تسعى لاستقرار إمدادات الوقود في عدن

في 18 فبراير/شباط، أصدر رئيس الوزراء المعين حديثًا أحمد عوض بن مبارك القرار الوزاري رقم 20 لسنة ، 2024 القاضي بتشكيل لجنة مناقصات جديدة لشراء وقود محطات توليد الكهرباء وتكليفها بضمان تلبية احتياجات محطات توليد الكهرباء من الوقود. تأتي هذه الخطوة استجابة للانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي الذي تعاني منه العاصمة المؤقتة عدن. كانت لجنة المناقصات السابقة قد استقالت في يونيو/ حزيران الماضي، بعد شعورها بخيبة الأمل بسبب مشاكل الإمدادات والتقاعس الحكومي المزعوم. وألقت اللجنة باللوم على إمدادات الوقود الضئيلة التي وافق عليها رئيس الوزراء السابق وعدم انتظام المدفوعات من وزارة المالية والبنك المركزي، مما أدى إلى استنفاد مخزون الوقود وانقطاع التيار الكهربائي. هذا وتتولى اللجنة الجديدة (التي ترأسها وزارة المالية وتضم أعضاء من الوزارات والهيئات المعنية) مهمة التعاون مع هذه الهيئات الحكومية لتحديد كميات الوقود المطلوبة واتباع الإجراءات المنصوص عليها في قانون المناقصات اليمني لضمان مناقصة مفتوحة وعادلة.

يأتي ذلك بعد أن عانت عدن من الانقطاعات المتكررة والطويلة للتيار الكهربائي، مما أثر على حياة السكان وأداء الشركات. ففي الصيف الماضي، لم يحصل السكان على الكهرباء سوى لأربع ساعات فقط في اليوم الواحد بسبب النقص الحاد في الوقود عقب انتهاء منحة الوقود المقدمة من السعودية في أبريل/نيسان 2023. تُنفق الحكومة اليمنية مبالغ طائلة على مشتقات الوقود، وفي نفس الوقت تجد صعوبة في تحصيل أموال الفواتير المستحقة لقاء توفير خدمات الكهرباء، مما يؤدي إلى تراكم ديون ضخمة. قد يساعد الإفراج الأخير عن الدفعة الثانية من المنحة السعودية بقيمة 250 مليون دولار أمريكي، على إتاحة الأموال (ولو مؤقتاً) لشراء الوقود وتشغيل محطات توليد الكهرباء. رُغم استمرار التحديات، قد تنجح اللجنة الجديدة في ضمان إمدادات طاقة بشكل منتظم، إلا أن هذا النجاح سيتوقف على استمرار الدعم الخارجي، وإنفاق الأموال المخصصة بشكل فعّال، واعتناق الشفافية، ومعالجة القضايا الأساسية المتعلقة بالقدرة على تحمل تكاليف الوقود وتحصيل الديون.

وصول منحة وقود إماراتية إلى عدن

في 9 مارس/آذار، رست الناقلة (PS DREAM) في ميناء عدن محملة بحوالي 42 ألف طن من وقود الديزل، وهي الدفعة الثالثة من منحة الوقود المقدمة من الإمارات لتعزيز قدرة المحطات على توليد الطاقة في عدن والمحافظات الأخرى الخاضعة لسيطرة الحكومة خلال شهر رمضان. وتأتي منحة الوقود الإماراتية (البالغة نحو 125 ألف طن من الديزل و106 آلاف طن من المازوت) في وقت حاسم تسعى فيه الحكومة لتحسين خدمات الكهرباء خلال شهر رمضان، إذ يشهد عادةً ارتفاع الطلب على الكهرباء بسبب سهر السكان وزيادة استخدام أجهزة المطابخ وإبقاء الأضواء مشتعلة لأداء الشعائر الدينية.

انقطاع التيار الكهربائي في مأرب بعد تعطل محطة توليد الطاقة

استيقظ سكان مدينة مأرب في 18 مارس/آذار، على انقطاع في التيار الكهربائي بسبب حاجة محطة توليد الكهرباء التي تعمل بالغاز للصيانة. شهدت المحطة الغازية – وهي من أهم المحطات المربوطة بشبكة نقل الكهرباء في البلاد – خللاً فنياً بسبب زيادة الأحمال ، مما استدعى صيانتها بشكل طارئ لتجنب انهيارها وخروجها عن الخدمة. استمر الانقطاع في التيار الكهربائي حوالي 10 ساعات في المدينة وضواحيها التي يقطنها حوالي 2 مليون نسمة.

يعكس انقطاع التيار الكهربائي ضعف البنية التحتية الكهربائية في مأرب، فَقبل اندلاع الحرب، كانت المحطة الغازية تغذي كثير من المحافظات بالطاقة الكهربائية، إلا أن تشغيلها توقف مع بداية الصراع في مارس/آذار 2015. خرجت المحطة عن الخدمة لمدة خمس سنوات قبل أن يعاد تشغيلها جزئياً في مايو/أيار 2020، ولا تزال تعمل بأقل من قدرتها التشغيلية الكاملة. في المرحلة الأولى لتشغيلها، ولّدت المحطة 55 ميغاواط من الطاقة لترتفع كفاءتها بعد ذلك في المرحلة الثانية إلى 126 ميغاواط، علماً بأن القدرة التشغيلية الكاملة للمحطة تبلغ نحو 340 ميغاواط. هذا ويقتصر تشغيلها حالياً على محافظة مأرب حيث تنتج ما يكفي من الكهرباء لتلبية احتياجات المدينة – وفقًا لتصريحات الحكومة.

التطورات الاقتصادية الأخرى

الحوثيون يصرفون راتب نصف شهر لموظفي القطاع العام

أصدرت وزارة المالية التابعة لسلطة الحوثيين في صنعاء أمرا للبنك المركزي اليمني بصنعاء (الذي يديره الحوثيون) بصرف راتب نصف شهر لموظفي القطاع العام والذي يغطي النصف الثاني من شهر سبتمبر/أيلول 2018. تزامن الصرف مع دخول شهر رمضان، وهي أول دفعة تُصرف منذ بداية العام من متأخرات الرواتب غير المسددة لموظفي الخدمة المدنية العاملين في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين. كانت آخر دفعة قد صُرفت في سبتمبر/أيلول من العام الماضي، لقاء النصف الأول من رواتب شهر سبتمبر/أيلول 2018، علماً بأن الموظفين العموميين في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين يستحقون رواتب متأخرة عن فترة تتجاوز الخمس سنوات.

الحوثيون يعلنون عن وجوب دفع الزكاة الإلزامية

أصدرت وزارة الخدمة المدنية والتأمينات وهيئة الزكاة التابعتان لسلطة الحوثيين في صنعاء تعميمًا مشتركًا في 16 مارس/آذار، حدد التعميم قيمة زكاة الفطر الإلزامية لهذا العام بـ 550 ريالاً يمنياً عن كل فرد. ويوجّه التعميم الجهات الحكومية في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين باستقطاع هذا المبلغ من دفعة الرواتب التي يتم صرفها للموظفين الحكوميين قبل عيد الفطر عن النصف الأول من شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2018، وتوريدها إلى حساب هيئة الزكاة.

تعثر الجهود الرامية إلى خفض كُلفة التأمين البحري

تعثرت خطة الحكومة المعترف بها دولياً لخفض كلفة التأمين البحري على السفن القادمة إلى الموانئ الخاضعة لسيطرتها. فعلى الرغم من الجهود المبذولة للتفاوض مع شركات التأمين الدولية، إلا أن الحكومة تفتقر حالياً إلى الأموال اللازمة للمضي قدماً في الخطة، لا سيما وأن مذكرة التفاهم التي وقعتها الحكومة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في أغسطس/آب العام الماضي، تتطلب وديعة تأمينية بقيمة 50 مليون دولار أمريكي من الحكومة اليمنية وهو ما لم يتم الوفاء به حتى الآن.

أواخر ديسمبر/كانون الأول الماضي، أفاد رئيس مجلس إدارة مؤسسة موانئ خليج عدن بأن كلفة الشحن البحري إلى الموانئ التي تسيطر عليها الحكومة قد ارتفعت بشكل كبير، حيث ارتفعت رسوم التأمين بنسبة 200% بسبب هجمات الحوثيين على حركة الملاحة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، وأكد بأن هذه الحرب تضيف مزيدا من الأعباء على الاقتصاد اليمني، حيث كبدت القطاع الخاص خلال السنوات الماضية ما بين 400 و500 مليون دولار أمريكي لتغطية الكلفة التأمينية لإقناع ملاك السفن بالقدوم إلى الموانئ اليمنية.

يهدد هذا الارتفاع المقلق التجارة الحيوية، وتضخم الأسعار بالنسبة للمستهلكين، ويزيد من الأعباء التي خلفتها الحرب على اقتصاد البلد. هذا وأثر انعدام الأمن في حركة الملاحة البحرية على حركة التجارة بصورة جذرية، حيث حوّلت 50-60 في المائة من السفن التجارية مسارها حالياً إلى خط أطول، ولكن أكثر أماناً باتجاه رأس الرجاء الصالح. أقر وزير النقل عبد السلام حميد بالتحديات – بما في ذلك التطورات الأخيرة في المنطقة والحرب الأوكرانية – في ورشة عمل نظمتها مؤسسة الرابطة الاقتصادية، وقدم المشاركون فيها سلسلة من التوصيات ركزت على أهمية تطوير البنية التحتية لميناء عدن، وإنشاء منطقة لوجستية، ووضع استراتيجية وطنية للأمن البحري.

من جهة أخرى، أعربت الولايات المتحدة الأمريكية عن قلقها من التداعيات الاقتصادية والعواقب الإنسانية على اليمن نتيجة هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، فضلاً عن احتمال تعطّل جزء من حركة التجارة العالمية. هذا ويؤكد الوضع الحالي ضرورة معالجة القيود المالية والتعاطي مع المخاوف الأمنية لضمان تجارة بحرية آمنة ومعقولة التكلفة، والتي تعتبر هامة للاقتصاد اليمني. كان حميد قد أشار في أغسطس/آب من العام الماضي، إلى ارتفاع هائل في كلفة التأمين البحري بمقدار 16 ضعفًا منذ بدء الصراع، وهو ما دفع السفن التجارة إلى تحويل مسارها إلى الموانئ الإقليمية كمينائي جدة وصلالة. في عام 2021، قدّر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن أقساط التأمين تجاوزت 200 مليون دولار أمريكي سنويًا، وهو ما أدى إلى زيادة تكاليف النقل البحري وأثّر على المستهلكين اليمنيين من خلال ارتفاع أسعار المواد الغذائية وفاقم الوضع الإنساني المتردي أساساً.

رُغم وجود مبادرات عدّة قيد التنفيذ (كمذكرة التفاهم التي ظلت حبراً على ورق)، من المهم التغلب على العقبات ومعالجة الأسباب الجذرية للصراع لإيجاد حلول مستدامة وضمان تدفق السلع الأساسية بأسعار معقولة.

الأمم المتحدة تحذر من ارتفاع مستويات انعدام الأمن الغذائي وتأثر الملايين في اليمن

رسم تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، صورة قاتمة للأمن الغذائي في اليمن، محذراً من أن أكثر من 4.5 مليون شخص (45 في المئة منهم في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة) واجهوا مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد (المرحلة الثالثة حسب التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي) بين أكتوبر/تشرين الأول 2023 وفبراير/شباط 2024، وبزيادة 12 في المئة عن التوقعات السابقة. يعيش أكثر من 1.3 مليون شخص تحت حالة طوارئ (وهي المرحلة الرابعة حسب التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي)، ويُعزى هذا المستوى المثير للقلق إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية، واستمرار الصراع المحلي، وتقلّص المساعدات المقدمة وعدم انتظام تدفقها، والدمار الذي خلفه إعصار تيج. تبرز أيضاً عوامل أخرى مثل القدرة المؤسسية المحدودة وضعف البنية التحتية والثغرات القائمة في مجال الخدمات، مما يعيق جهود العمل الإنساني ويؤثر على الاستقرار الاقتصادي.

تنامي الإضراب في عدن مع تزايد مطالب القوى العاملة في المحافظات الجنوبية

منذ أوائل فبراير/شباط، تعطل قطاع الخدمات المدنية في عدن بسبب تزايد الإضراب العمالي المنظم من قبل الاتحاد العام لنقابات عمال الجنوب.

بدأ أول إضراب في 3 فبراير/شباط، احتجاجًا على عدم دفع الرواتب والمستحقات، وبعد اجتماع تشاوري عُقد في 11 فبراير/شباط، زادت النقابات مدة الإضراب اليومي بساعتين. ألقى الاتحاد العام لنقابات عمال الجنوب باللوم على الحكومة لفشلها بالوفاء بالتزاماتها المالية، مشيراً إلى المصاعب والمعاناة التي يواجهها الموظفون بسبب ارتفاع تكلفة المعيشة وحالة التضخم والتدهور الكارثي لقيمة العملة المحلية بعد أن تراجع إلى مستوى قياسي بلغ 1,660 ريال يمني لكل دولار أمريكي.

إلى جانب المطالبة بصرف الرواتب بشكل فوري، تطالب النقابات بإصلاحات اقتصادية واسعة، حيث دعا المشاركون في الإضراب إلى اتخاذ إجراءات قانونية ضد الحكومة لفشلها في الوفاء بالتزامها بصرف الرواتب الشهرية، وإعادة هيكلة المرتبات والأجور بما يتناسب مع الواقع الاقتصادي والوضع المعيشي الصعب.

أدى الإضراب إلى تعطيل العمل بشكل كبير في المؤسسات الحكومية، مما أثر على توفير الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم والكهرباء. يعكس هذا الدور الحاسم الذي يلعبه هؤلاء العمال في تيسير الخدمات العامة في عدن، وتنامي حالة الاستياء لدى الموظفين الحكوميين، مما يزيد من الضغط على الحكومة للتعامل مع شكاواهم وإيجاد حلول للتحديات الاقتصادية الواسعة في المناطق الخاضعة لسيطرتها.

يحتمل أن يساعد ضخ الدفعة الثانية من المنحة السعودية إلى البنك المركزي اليمني بعدن (بقيمة 250 مليون دولار أمريكي) في تخفيف حدة الإشكالية، حيث خُصصت هذه الأموال (وهي جزء من المنحة المُعلن عنها في أغسطس/آب 2023 بقيمة 1.2 مليار دولار أمريكي) بغرض المساعدة في صرف رواتب موظفي القطاع العام وتغطية النفقات التشغيلية وتعزيز الأمن الغذائي. ورغم أن الاختلالات الاقتصادية والاجتماعية أدت إلى تآكل ثقة الشعب في الحكومة، يُمكن لأشكال الدعم هذه أن تعزز موقف الحكومة وتساعدها على تجنب المزيد من الاختلالات. كما أن تعيين أحمد عوض بن مبارك مؤخراً كرئيس للوزراء يعزز الأمل في تحقيق الاستقرار وإحراز تقدم في معالجة القضايا الأكثر إلحاحاً.

إلاّ أن الضغوط تزايدت على الحكومة مع إعلان الاتحاد العام لنقابات عمال الجنوب عن إضراب شامل في كافة المؤسسات العامة في 3 مارس/آذار، وجاء هذا في أعقاب احتجاجات نُظمت أمام قصر المعاشيق الرئاسي في 26 فبراير/شباط، مما يُشير إلى تصعيد محتمل في الاحتجاجات العمالية في عدن والمحافظات المجاورة. ويُحتمل أن يؤدي الإضراب إلى تعطيل الخدمات الأساسية في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، بما في ذلك المدارس والدوائر الحكومية.

أشار (الاتحاد العام لنقابات عمال الجنوب) إلى تدهور الأوضاع المعيشية وسوء ظروف العمل وتآكل الرواتب بسبب التضخم كأسباب رئيسية للإضراب، منتقدا الحكومة لفشلها في الوفاء بالتزاماتها السابقة بما في ذلك صرف الرواتب والعلاوات في موعدها المحدد، وتنفيذ قرارات المحكمة الإدارية بشأن أجور موظفي القطاع العام، وحدد الاتحاد أحد عشر مطلبًا، بما في ذلك: صرف الرواتب بشكل فوري ومنتظم نهاية كل شهر؛ وتنفيذ قرارات رئاسة الحكومة السابقة بشأن الرواتب والعلاوات، وعكسها في المرتبات وبأثر رجعي؛ وزيادة راتب كل موظف/ عامل بمقدار 100 ألف ريال يمني؛ وتوفير التأمين الصحي لكافة عمال وموظفي القطاع العام؛ وحل قضايا المتقاعدين؛ وإعادة تشغيل مصفاة عدن وإعادة الحركة الملاحية في ميناء عدن؛ وإلغاء القانون رقم 6 لعام 1995 الذي يمنح الحصانة لشاغلي الوظائف العليا في الدولة ويعرقل الجهود الرامية إلى محاسبة الفاسدين.

لم تستجب الحكومة حتى الآن لمطالب المضربين، لا سيما وأنها تواجه تحديات بسبب شُحّ الموارد المالية والبنية الإدارية المشرذمة. هذا وكان من اللافت إعلان مجلس اللجان النقابية لشركة مصافي عدن عدم مشاركته في الإضراب وحث أعضائه على منح رئيس الوزراء الجديد فرصة لمعالجة الأزمة.

اليمن تواجه نقصاً في السلع الأساسية في خضم استمرار توترات البحر الأحمر

دق وزير الصناعة والتجارة محمد الأشول مؤخراً ناقوس الخطر بشأن نفاد المخزون الاستراتيجي للبلاد من السلع الأساسية، بما في ذلك المواد الغذائية والطبية. وعزا الوزير ذلك إلى هجمات الحوثيين على السفن التجارية وما نتج عنها من اضطراب في التجارة البحرية، مشيراً إلى أن المخزون الحالي من السلع الأساسية (والذي كان يكفي لمدة 3-5 أشهر في السابق) بدأ في النفاد بمعدل يُنذر بالخطر، مما يهدد الحياة اليومية للمواطنين العاديين المعتمدين على هذه الإمدادات. كما أعرب الوزير عن قلقه من تراجع الدعم المقدم من المنظمات الدولية والتي حولت تركيزها إلى مناطق أخرى تشهد أزمات. هذا ويعكس تراجع المساعدات الدولية الوضع الإنساني المعقد على المستوى العالمي، حيث تتنافس الدول التي تعيش أزمات على الموارد المحدودة المرصودة للمساعدات.

كما سلط الأشول الضوء على الأهمية المتزايدة للثروة السمكية التي تشكل حالياً نحو 60 في المئة من حجم الصادرات اليمنية، مشيراً إلى تأثر تصدير الأسماك والقطاع النفطي في اليمن بسبب هجمات الحوثيين. وشدّد الوزير على العواقب البيئية والاقتصادية المحتملة للهجوم على أي ناقلة نفط في البحر الأحمر واحتمال حدوث تسريب من شأنه أن يُهدد مصائد الأسماك في البلاد ويزيد من تعطل حركة التجارة العالمية.

هذا ويشكل الاستهداف المستمر للسفن التجارية في البحر الأحمر – بما في ذلك تلك التي تحمل السلع الأساسية – تهديداً جسيما على الشعب اليمني الذي لا يزال يعتمد على المساعدات الدولية.

إعادة فتح وتشغيل مطار المخا

صرح مدير مطار المخا أن المطار أصبح جاهزاً لاستقبال الرحلات الجوية التجارية، الداخلية والخارجية، وذلك بعد قيام فريق من هيئة الطيران المدني بتفقد المطار ورفع تقريره إلى رئيس الهيئة تمهيداً لصدور موافقة نهائية من وزارة النقل بإعادة فتح المطار وتشغيله رسميا أمام الرحلات الجوية. وذكر مدير المطار أن تسيير الرحلات في البداية سَيقتصر على نقل المسافرين عبر رحلات داخلية تربط المخا بعدن والمكلا وسيئون وسقطرى، على أن يتم لاحقاً توسيع خدمة المطار ليشمل وجهات خارج اليمن. سَيساهم فتح المطار في تحسين وتسهيل عملية التنقل داخل اليمن بشكل كبير، والتي تعرقلت بسبب النزاع المستمر.