لمحة عامة
شُلّت صادرات النفط الحكومية إثر تداعيات الهجمات الحوثية بالطائرات المسيرة التي استهدفت ميناءي النشيمة والضبة لتصدير النفط خلال النصف الأخير من شهر أكتوبر / تشرين الأول. فرغم أن انعكاسات ذلك ظلت غير محسوسة طوال شهر أكتوبر / تشرين الأول، إلا أن خطورة هذه الهجمات تكمن في تهديدها للاستقرار المالي للحكومة اليمنية نتيجة فقدان الإيرادات المتأتية من تصدير النفط التي تعد أكبر مصدر تعتمد عليه. وبالتالي ستترتب تداعيات جسيمة غير مباشرة، قد تشمل تقوّض قدرة البنك المركزي اليمني في عدن على مواصلة تمويل واردات السلع الأساسية ورفع قيمة الأوراق النقدية الجديدة، والسيطرة على التضخم.
في سياق منفصل، التقى ممثلون من البنك المركزي اليمني في عدن – أوائل أكتوبر / تشرين الأول – بمسؤولين من الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وصندوق النقد الدولي، حيث أشاد الأخيران بالسياسات التي تبناها البنك المركزي اليمني في عدنمؤخراً بُغية دعم استقرار الريال اليمني، متوقعين انخفاض معدلات التضخم أواخر عام 2022. أما في مناطق سيطرة الحوثيين فقد واصل البنك المركزي اليمني في صنعاء والمؤسسات المالية الأخرى المساعي لرقمنة قطاع التجارة وأنظمة الدفع، نتيجة انخفاض كمّ الأوراق النقدية المتداولة بعد فرض الحوثيين حظرا منذ عام 2017، على تداول الأوراق النقدية الجديدة المطبوعة من البنك المركزي في عدن.
على صعيد آخر، استمرت السفن المحملة بالوقود بدخول ميناء الحديدة الخاضع لسيطرة الحوثيين بعد انتهاء الهدنة في 2 أكتوبر / تشرين الأول، في الوقت الذي عانت فيه عدن (الخاضعة لسيطرة الحكومة) من نقص الوقود خلال النصف الأول من أكتوبر / تشرين الأول، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار وانقطاع التيار الكهربائي على مدار الشهر. في سياق متصل، وصلت الشحنة الأولى من منحة المشتقات النفطية السعودية الجديدة إلى عدن في 26 أكتوبر / تشرين الأول، لكن دون جديد فيما يتعلق بمستوى توافر الوقود خلال الشهر.
استهداف الحوثيين للموانئ النفطية يهدد الاستقرار المالي للحكومة
سعت الهجمات الحوثية على ميناء رضوم بمحافظة شبوة وميناء الشحر بمحافظة حضرموت للضغط على الحكومة اليمنية، في ظل استمرار وساطة الأمم المتحدة والمحادثات المتعلقة بحل مسألة الرواتب المستحقة (لأربع سنوات) لموظفي القطاع العام في مناطق سيطرة الحوثيين، علماً بأن مطالب الحوثيين توسّعت لتشمل إدراج رواتب العسكريين والأمنيين في المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة وهو ما رفضت الحكومة الإذعان له. قبل سيطرة الحوثيين على صنعاء وأجزاء كبيرة من شمال اليمن عام 2014، كانت رواتب الأفراد العسكريين والأمنيين تشكل زهاء نصف إجمالي مدفوعات الرواتب الحكومية، واستحوذت الرواتب عموماً على ما يقرب من ثلث إجمالي الإنفاق الحكومي. وبالتالي، فإن موافقة الحكومة اليمنية على سداد جميع رواتب موظفي الدولة على المستوى الوطني تعني استنزاف مواردها المالية بصورة سريعة، وفي الوقت نفسه تعزيز وتيرة النشاط الاقتصادي في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، مما سيسمح للجماعة بتأمين مزيد من الإيرادات عبر تحصيل المزيد من الضرائب والجبايات.
كانت صادرات النفط الحكومية على خطى الانتعاش في السنوات الأخيرة إلى أن نُفذت الهجمات الحوثية بالطائرات المسيرة. فخلال الفترة بين عامي 2020 و2021، ارتفعت قيمة صادرات النفط اليمنية من 710.5 مليون دولار أمريكي إلى 1.418 مليار دولار أمريكي. وطبقاً لتقارير البنك المركزي اليمني في عدن لشهر أغسطس / آب، ارتفعت عائدات النفط بنسبة 34 في المئة خلال الستة الأشهر الأولى من العام، مقارنة مع نفس الفترة من عام 2021 (أي من 551.7 مليون دولار أمريكي عام 2021 إلى 739.3 مليون دولار أمريكي)، والتي كانت مدفوعة بشكل رئيسي بارتفاع أسعار الوقود في السوق العالمية. وبالتالي، استمرار تهديد الحوثيين للبنية التحتية لمنشآت تصدير النفط الحكومية قد يعني منع الحكومة من تصدير النفط للسوق العالمية وفقدانها أكبر مصادر إيراداتها، الأمر الذي سيقوّض قدرتها على تغطية النفقات الضرورية كتوفير الخدمات العامة ودفع رواتب موظفي الخدمة المدنية. كما أن فقدان عائدات النفط قد يهدد قدرة البنك المركزي اليمني في عدن على الاستمرار في إقامة المزادات الأسبوعية لبيع العملة الأجنبية، مما يعني انخفاض قيمة الأوراق الجديدة للريال اليمني، وتجدد حالة عدم استقرار أسعار الصرف، وتحفيز التضخم، وتفاقم تدهور الوضع الإنساني.
اجتماع البنك المركزي اليمني في عدن بمسؤولين دوليين، وإفلاس شركة منخرطة في عمليات احتيال بمناطق سيطرة الحوثيين
قدر صندوق النقد الدولي نمو الاقتصاد اليمني بنسبة 2 في المئة هذا العام و3.2 في المئة عام 2023، بعد سلسلة اجتماعات عُقدت في السادس من أكتوبر / تشرين الأول، بين مسؤوليه وممثلي البنك المركزي اليمني في عدن، إلاّ أن تطور الصراع ومستوى توافر التمويل من المانحين الخارجيين يمكن أن يؤثر على هذه التوقعات حسب ما أفاد به الصندوق. وفي بيان له ، دعا صندوق النقد الدولي إلى إصلاحات عديدة من ضمنها اعتماد تطبيق سعر الصرف السائد في السوق على الإيرادات الجمركية وإعادة تقييم الدعم المقدم للكهرباء وتحسين مستوى الشفافية والمساءلة في إدارة الموارد المالية، مشيراً في الوقت نفسه إلى عدة تطورات إيجابية منها تنفيذ الحكومة نظام منصة المزاد العلني للعملات الأجنبية التي تعد آلية موثوقة، وإلغاء سعر الصرف المُوجّه إدارياً الخاص بالموازنة العامة مما ساعد في خفض عجز الموازنة. وفي توقعاته للمستقبل، توقع صندوق النقد الدولي أن يؤدي مزيد من استقرار أسعار الصرف والتراجعُ الذي حدث مؤخرًا في الأسعار العالمية للمواد الغذائية إلى حدوث انخفاض في مستوى التضخم بحلول نهاية العام.
في سياق منفصل، التقى محافظ البنك المركزي اليمني في عدن “أحمد غالب”، بتاريخ 14 أكتوبر / تشرين الأول، في واشنطن بوفد من الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، في إطار الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي لعام 2022، حيث ركزت المحادثات على المساعدة الفنية التي يقدمها النظام المصرفي المركزي للولايات المتحدة للبنك المركزي اليمني في عدن، وسبل تعزيزها مستقبلاً. يهدف الدعم المقدم حالياً من الاحتياطي الفيدرالي في قطاع الخدمات المصرفية وتدريب الموارد البشرية، إلى مساعدة البنك المركزي اليمني في عدن على مواكبة أحدث التطورات في الخدمات المصرفية وتعزيز قدرته على القيام بالوظائف المتعلقة بالسياسة النقدية وخدمة القطاع المصرفي اليمني بصورة أكثر كفاءة. شملت المواضيع الأخرى التي نوقشت تعزيز دعم الاحتياطي الفيدرالي للبنك المركزي اليمني في عدن، من خلال تسهيل التحويلات المالية بالدولار الأمريكي بين البنوك اليمنية وحسابات البنوك المراسلة خارج البلاد، شرط امتثال اليمن لقوانين مكافحة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب.
في 20 أكتوبر / تشرين الأول، أفادت وسائل إعلام محلية عن رفض شركة تهامة فلافور – المملوكة حسب التقارير لفتحية المحويتي – السماح للمستثمرين بسحب أموالهم في وقت تستعد فيه الشركة لإعلان إفلاسها. كانت الشركة قد جمعت نحو 150 مليار ريال يمني من خلال عرض عوائد تصل نسبتها إلى 25 في المئة على الصفقات العقارية التي أبرمتها الشركة. لوحظ مؤخرًا تزايد عدد الشركات المنخرطة في عمليات احتيال بالمناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، والذي تعزّز بتدفق الأموال من الشبكات الرسمية إلى الشبكات غير الرسمية خلال فترة الصراع الدائر، حيث سمح غياب التنظيم والرقابة الرسميين بازدهار عمليات الاحتيال. يذكر أن آخر عملية احتيال كبيرة وقعت في مناطق سيطرة الحوثيين كانت شركة قصر السلطانة المسجلة باسم بلقيس الحداد، حيث اتهمت نيابة الأموال العامة في صنعاء الشركة بالاحتيال على حوالي 100 مستثمر بأكثر من 62 مليار ريال يمين قبل أن تعلن إفلاسها عام 2020.
استمرار استقرار الريال، و مساعي حوثية لرقمنة العملة
ظل سعر صرف الأوراق النقدية الجديدة للريال اليمني مستقراً نسبيًا في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة خلال شهر أكتوبر / تشرين الأول، مع تقلبات طفيفة من 1,125 ريال يمني لكل دولار أمريكي في بداية الشهر إلى 1,152 ريال يمني في نهاية الشهر (أي نسبة انخفاض بأقل من 3 في المئة خلال الشهر). واصل البنك المركزي اليمني في عدن جهوده لرفع قيمة الأوراق النقدية الجديدة للريال عبر إقامة المزادات الأسبوعية لبيع العملة الأجنبية للبنوك اليمنية بهدف تمويل واردات السلع الأساسية. في المقابل، ظل سعر تداول الأوراق النقدية القديمة للريال مستقراً طوال الشهر في مناطق سيطرة الحوثيين عند حوالي 560 ريال يمني لكل دولار أمريكي.
لمجابهة التناقص المتزايد في السيولة النقدية في المناطق الخاضعة لسيطرتها، شَرَعت سلطات الحوثيين بحملة واسعة لرقمنة التعاملات التجارية وفرض إجراءات صارمة لتقليص استخدام النقد في إدارة الأموال العامة. وتلبية لهذه المساعي، أطلق البنك المركزي في صنعاء بتاريخ 29 أكتوبر / تشرين الأول، مؤتمره الوطني الأول للتكنولوجيا المالية الذي دام أربعة أيام، وشهد مشاركة الهيئات الحكومية والقطاع الخاص والقطاع المصرفي والمؤسسات المالية والتكنولوجية وخبراء في المجال، حيث تناول المؤتمر الوضع الحالي للتكنولوجيا المالية في اليمن، والآفاق والتحديات المستقبلية، بهدف استنباط إطار عمل استراتيجي وطني لتحسين البنية التحتية التكنولوجية، وإنشاء نظام وطني للمدفوعات، وتطوير الأطر الرقابية، وتنظيم التجارة الإلكترونية. جاء هذا المؤتمر عقب مؤتمر آخر عُقد في الفترة من 10 إلى 12 أكتوبر / تشرين الأول، نظمته سلطات الحوثيين تحت شعار “تعزيز الشمول المالي” وشددت فيه على أهمية وضع خطة استراتيجية وطنية للتحول الرقمي في قطاع التجارة. وفي هذا السياق، أفاد مسؤول كبير في وزارة المالية بصنعاء بأن الوزارة تتخذ إجراءات صارمة لرقمنة نظام إدارة الأموال العامة، موضحاً أن معظم العوائد الحكومية حالياً – بما في ذلك الرسوم الجمركية من التجار – تُحصَّل من خلال التحويلات الإلكترونية. من جانبه، ذكر مسؤول حكومي آخر أن سلطات الحوثيين طورت نظام مدفوعات رقمي للتعاملات في سوق المشتقات النفطية، حيث منح البنك المركزي في صنعاء من خلال هذا النظام أكثر من 30 شركة صرافة صلاحية إدارة وتحصيل الأموال من تجار وموزعي المحروقات وإيداع هذه المبالغ رقميًا في حساب شركة النفط اليمنية بصنعاء لدى البنك المركزي اليمني بصنعاء. وطبقاً للمسؤول، يُودع ما بين 3 مليارات و 4 مليارات ريال يومياً في حساب شركة النفط اليمنية لشراء المشتقات النفطية.
هذا ويُعد الاقتصاد اليمني اقتصاد قائم على النقد إلى حد كبير، وعانت مناطق سيطرة الحوثيين منذ 2020 من نقص شديد في كمّ الأوراق النقدية المتداولة نتيجة الحظر المفروض على تداول الأوراق النقدية الجديدة للريال الصادرة عن البنك المركزي في عدن منذ عام 2017. أضف إلى ذلك حالة الأوراق النقدية القديمة التي أصبحت بالية وغير صالحة للاستخدام. ومن هذا المنطلق، قامت سلطات الحوثيين عام 2020 بتعديل الإطار القانوني من أجل تعميم استخدام النقود الإلكترونية والخدمات المالية الرقمية، الأمر الذي سمح لمقدمي الخدمات المالية (ممن يخضعون لقدر ضئيل من الرقابة) كشركات الصرافة والتجار والمؤسسات غير المالية بالحصول على ترخيص لتقديم خدمات الدفع بالريال الالكتروني. كما قامت سلطات الحوثيين عام 2021، بتوسيع نظام العملة الرقمية عبر منح تراخيص للمؤسسات المالية لإنشاء محافظ إلكترونية والانخراط في أنظمة الدفع مع تمكين التشغيل البيني بين البنوك وغيرها من مقدمي الخدمات المالية. فضلا عن ذلك، بدأت وزارة المالية في صنعاء أواخر عام 2021 وأوائل عام 2022، بفرض الانتقال التدريجي إلى نظام الدفع الإلكتروني لصرف رواتب موظفي القطاع العام وتحصيل العوائد الحكومية.
انقطاع متكرر في الكهرباء في عدن نتيجة أزمة الوقود
اندلعت أزمة وقود في عدن في 4 أكتوبر / تشرين الأول، وأُغلقت على ضوئها محطات الوقود الحكومية والتجارية بسبب نقص البترول والديزل. ورغم وصول شحنة بترول جديدة إلى ميناء عدن في 5 أكتوبر / تشرين الأول، استغرق تفريغها بعض الوقت الأمر الذي تسبب في استمرار أزمة الوقود لعدة أيام، وحفز ارتفاع سعر البترول من 1,350 إلى 1,750 ريال يمني للتر الواحد، وسعر الديزل من 1,800 إلى 2,500 ريال يمني للتر. وتأثراً بالأزمة، أعلنت المؤسسة العامة للكهرباء بعدن، بتاريخ 7 أكتوبر / تشرين الأول، اضطرارها لوقف إنتاج الكهرباء في العديد من محطات الطاقة نتيجة نقص الديزل مما أدى إلى انقطاع متكرر في التيار الكهربائي خلال النصف الأخير من أكتوبر/ تشرين الأول. تجدر الإشارة الى أن فاتورة استيراد الديزل لتشغيل محطات الطاقة الحكومية تبلغ حوالي 90 مليون دولار أمريكي شهريًا، إلاّ أن تراجع الإيرادات واحتياطيات النقد الأجنبي ساهم في تراكم ديون هائلة على الحكومة مستحقة لتجار الوقود الذين أصبحوا أكثر تردداً في إمدادها بالديزل على أساس ترتيبات آجلة الدفع.
في سياق متصل، أعلنت وكالة الأنباء السعودية في 26 أكتوبر / تشرين الأول، وصول أول دفعة من منحة المشتقات النفطية السعودية الجديدة إلى ميناء عدن، التي قد تساعد على معالجة أزمة انقطاع التيار الكهربائي في المدينة. بلغت كمية الوقود الممنوحة 45 ألف طن متري من الديزل و30 ألف طن متري من المازوت بقيمة 30 مليون دولار أمريكي، والتي خُصصت لدعم تشغيل أكثر من 70 محطة كهرباء في مناطق سيطرة الحكومة. تجدر الإشارة إلى أن البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن ووزارة الكهرباء والطاقة اليمنية وقعا بتاريخ 29 سبتمبر / أيلول اتفاقية منحة مشتقات نفطية جديدة بقيمة 200 مليون دولار أمريكي (لقاء 250 ألف طن متري)، بغرض مساعدة الوزارة على توفير الكهرباء في مناطق سيطرة الحكومة.