إصدارات الأخبار تحليلات تقرير اليمن أرشيف الإصدارات
Read this in English

التطورات المالية والنقدية

صراع البنكين المركزيين في اليمن

تصاعدت حدة الحرب الاقتصادية المستمرة في اليمن لتشمل معركة عنيفة بين فرعي البنك المركزي المنقسم من أجل السيطرة على النظام النقدي والمؤسسات المالية المفككة في البلاد.

في 26 يونيو/حزيران، أصدر البنك المركزي اليمني بعدن تعميمًا جديداً إلى البنوك ومنشآت الصرافة بحظر التعامل مع كيانات وخدمات الدفع الإلكتروني العاملة دون ترخيص منه. استهدفت هذه الخطوة على وجه التحديد 12 محفظة للدفع الإلكتروني، معتبرًا أن هذه المَحافظ تسهل عمليات الدفع والتحويلات الإلكترونية دون الحصول على الترخيص اللازم، ويبدو أن هذا كان جزءاً من استراتيجية تستهدف زيادة الضغط على الحوثيين من خلال الحد من بدائل العملات الورقية المهترئة و التالفة المستخدمة في المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة، ومنع تضخم القاعدة النقدية في ظل وجود بيئة رقابية ضعيفة حالياً في اليمن.

بالإضافة إلى المعركة حول المدفوعات الإلكترونية، نشب نزاع بين البنكين المركزيين أيضًا بشأن التحويلات المالية. في يونيو/حزيران 2024، أوقف البنك المركزي اليمني بعدن العمل بشبكات التحويلات المالية المحلية، لإجبار البنوك ومكاتب الصرافة على الانتقال إلى الشبكة الموحدة للأموال (UNMONEY)، على ضوء توجيهات البنك المركزي بإجراء جميع التحويلات المالية المحلية من خلال الشبكة الموحدة للأموال، وفرض لوائح صارمة على التحويلات المالية.

قوبلت هذه الخطوة بمعارضة شديدة من البنك المركزي اليمني بصنعاء، الذي أدانها باعتبارها انتهاكًا لتدابير خفض التصعيد السابقة التي اتفق عليها البنكان المركزيان. من جهة أخرى، جاء رد جمعية الصرافين الخاضعة لسيطرة الحوثيين على القرار سريعًا وقاطعًا، حيث أعلنت عدم التعامل مع شبكات الصرافة الخاضعة لسيطرة البنك المركزي اليمني بعدن.

منح البنك المركزي اليمني بعدن مشغلي شبكات الحوالات المالية مهلة 15 يومًا، لإنجاز أية معاملات معلقة وتقديم المعلومات حول الحوالات غير المستلمة. كما تم منح البنوك مهلة حتى نهاية يوليو/ تموز، لضمان امتثال شبكات التحويل التابعة لها، مع التهديد بفرض إجراءات عقابية في حالة عدم الامتثال للتوجيهات، بما في ذلك فرض غرامات وتعليق التراخيص أو سحبها.

تسببت هذه الخطوة المفاجئة في تعليق عمل جميع شبكات الحوالات المالية المحلية التي تديرها البنوك وشركات الصرافة، بدءًا من 26 يونيو/ حزيران. على ضوئه، أصدر البنك المركزي اليمني بعدن سلسلة سريعة من الإجراءات تضمنت القرار رقم (31) بتاريخ 10 يوليو/ تموز، والقرار رقم (32) بتاريخ 11 يوليو/تموز، القاضيان بإيقاف تراخيص 11 شركة ومنشأة صرافة (إجمالاً) بعد الكشف عن ارتكابها مخالفات في تقرير النزول الميداني.

تصاعدت حدة التوترات في 3 يوليو/تموز، حين ألغى البنك المركزي اليمني بعدن تراخيص 6 بنوك رئيسية مقرها صنعاء، وهي: بنك التضامن الإسلامي الدولي، بنك اليمن والكويت، مصرف اليمن والبحرين الشامل، بنك الأمل للتمويل الأصغر، بنك الكريمي للتمويل الأصغر الإسلامي، وبنك اليمن الدولي.

في حين أتاح الإعفاء المؤقت الممنوح لفروع هذه البنوك العاملة في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، بمواصلة عمليات ضمن نطاق محدود، فإن قطع تواصلها تماماً مع مقارها الرئيسية في صنعاء، من شأنه أن يعزل هذه البنوك فعليًا عن النظام المالي العالمي، بما في ذلك البنية التحتية الحيوية لنظام سويفت. يعمل نظام سويفت على تسهيل نسبة كبيرة من التبادلات التجارية الدولية، وبالتالي كان هذا القرار ينذر بتداعيات خطيرة على بلد يعتمد بشكل كبير على الواردات، بما في ذلك استيراد ما يقرب من 90 في المائة من السلع الأساسية. أُعتُبرت هذه الخطوة إجراء عقابيا ضد البنوك التي خالفت القرار الصادر في أبريل/نيسان، والقاضي بنقل المقرات الرئيسية للبنوك إلى عدن. سعى البنك المركزي اليمني بعدن ، من خلال إجبار البنوك في صنعاء على الاختيار بين العزلة المالية أو نقل مقراتها إلى عدن، إلى إستعادة السيطرة على النظام المالي في اليمن وشلّ اقتصاد الحوثيين.

أدت العقوبات المفروضة على البنوك لتصعيد المعركة إلى صراع على السلطة يُنذر بتبعات خطيرة. أعرب المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن “هانس غروندبرج”، عن قلقه العميق بشأن العواقب المحتملة لإجراءات البنك المركزي اليمني بعدن، وحذر في رسالة موجهة إلى رئيس مجلس القيادة الرئاسي في اليمن “رشاد العليمي”، من أن قرار البنك قد يؤدي إلى خطر التصعيد العسكري، وحث على تأجيل سحب تراخيص البنوك المخالفة على الأقل حتى نهاية أغسطس/آب، لإفساح المجال أمام التفاوض.

من جهتها، أعربت الحكومة عن استعدادها للتفاوض ومعالجة القضايا الاقتصادية الأوسع، بما في ذلك استئناف صادرات النفط وتوحيد العملة الوطنية، لكن هذا كان مشروطا بالتزام الحوثيين بالقيام بدورهم في الامتناع عن السياسة النقدية الأحادية والإجراءات المثيرة للانقسام. رغم ذلك، قوبلت دعوة الأمم المتحدة للحوار الاقتصادي بالرفض من جانب الحوثيين، حيث رفض نائب وزير الخارجية الحوثي حسين العزي بشكل قاطع الدخول في محادثات، وصرح بأنه لن يكون هناك أي تفاوض إلا في إطار مناقشة تنفيذ خارطة الطريق السعودية للسلام المتفق عليها مسبقًا.

بدوره، صعّد زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، من حدة التوترات بالتهديد بتجديد العمل العسكري رداً على القرار الصادر عن البنك المركزي اليمني في عدن، ولممارسة المزيد من الضغط على الحكومة، اتخذ الحوثيون سلسلة من الإجراءات استهدفت البنوك الخاضعة للعقوبات، ومن ذلك إجبار فروع البنوك في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة مثل مأرب وتعز على الإغلاق.

في 14 يوليو/تموز، أدان البنك المركزي اليمني بعدن تصرفات الحوثيين، ووصفها بأنها تعسفية ومخالفة للقوانين والأنظمة المصرفية، واتهمهم باللجوء إلى الإكراه والابتزاز لإجبار البنوك على تجميد عملياتها والإغلاق. في غضون ذلك، شهدت المدن الخاضعة لسيطرة الحكومة، مثل تعز ومأرب والخوخة، مظاهرات مؤيدة لقرارات البنك المركزي اليمني بعدن، ومطالبة باتخاذ موقف حازم ضد البنوك الواقعة في مناطق سيطرة الحوثيين.

التراجع عن القرارات البنكية بسبب الضغوط السعودية

استمرت المعركة بين البنكين المركزيين المتنافسين في التصاعد طوال شهر يوليو/تموز، مع تشديد كل من الجانبين سيطرته على النظام المالي اليمني المنقسم. تحت ضغط هائل من المملكة العربية السعودية، اضطرت الحكومة المعترف بها دوليًا والبنك المركزي اليمني بعدن إلى التراجع، بعد أشهر من الجهود الرامية إلى تعزيز السيطرة على القطاع المصرفي في اليمن، وعزل المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون ماليًا. ركز الاتفاق– الذي أعلن عنه المبعوث الأممي الخاص غروندبرج في 23 يوليو/تموز وكان للسعودية دورًا هامًا فيه – على خفض التصعيد في القطاع المصرفي والنقل الجوي، وتضمن أربع نقاط رئيسية حيث اتفق الحوثيون والحكومة على: ١) إلغاء القرارات والإجراءات الأخيرة المتخذة ضد البنوك من الجانبين (ومن ذلك إلغاء البنك المركزي اليمني بعدن سحب تراخيص ستة بنوك مقرها صنعاء) وتجنب إجراءات مماثلة في المستقبل؛ ٢) استئناف رحلات الخطوط الجوية اليمنية من صنعاء إلى الأردن وزيادة عددها، إلى جانب تيسير رحلات جديدة إلى القاهرة والهند “بحسب الحاجة”؛ ٣) عقد اجتماعات مشتركة بين الحكومة ومسؤولين حوثيين لمناقشة التحديات الإدارية والفنية والمالية التي تواجه الخطوط اليمنية. وأخيراً؛ ٤) عقد مناقشات على نطاق أوسع حول القضايا الاقتصادية والإنسانية بناء على خارطة الطريق السعودية.

مع ذلك، لا يزال المسار إلى هدنة اقتصادية حقيقية محفوفاً بتحديات سياسية، حيث تسببت الضغوط السعودية الأخيرة في نشوب صراعات داخلية كبيرة. ففي 17 يوليو/تموز، قدم مُحافظ البنك المركزي اليمني بعدن أحمد غالب استقالته في تحد مباشر، مشيرًا إلى تقوّض جهود البنك الرامية إلى استقرار الريال اليمني واستعادة ثقة المجتمع الدولي، علماً بأن استقالة غالب جاءت بعد أيام من استقالة نائبه “منصور راجح”.

رفض مجلس القيادة الرئاسي استقالة غالب، وأعرب عن دعمه لإصلاحاته الاقتصادية والمصرفية، ولكن حينها، كان الفأس قد وقع في الرأس، فقد قوّضت الضغوط السعودية مصداقية البنك المركزي اليمني بعدن ككيان في النظام المالي العالمي، بعد اضطراره إلغاء قراره بعزل البنوك الستة عن نظام سويفت. لا يزال المشهد المالي منقسمًا إلى حد كبير، ومن المرجح أن ينظر الحوثيون إلى الموقف الضعيف للبنك المركزي اليمني بعدن، باعتباره فرصة، وقد يستغلون ذلك لطباعة مزيد من النقود، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم أزمة انقسام الريال اليمني. هذا ويظل تفاؤل الأمم المتحدة بشأن التزام الحوثيين بتقديم التنازلات والمحادثات موضع تساؤل، نظرا لسجل الجماعة السابق في هذا الصدد.

الريال يهبط إلى مستويات قياسية رغم المساعدات السعودية

واصل الريال اليمني هبوطه طيلة صيف 2024، حيث وصل إلى أدنى مستوياته على الإطلاق، على الرغم من الجهود الجارية لتحقيق استقرار في قيمة العملة. ساهمت التحديات التي يواجهها البنك المركزي في الحفاظ على الاحتياطيات الأجنبية، إلى جانب تأخر ضخ المساعدات السعودية، بشكل كبير في انخفاض قيمة الريال في مناطق سيطرة الحكومة.

أواخر يونيو/حزيران، تراجع الريال اليمني الجديد إلى أدنى مستوى له على الإطلاق (حتى تاريخه) ليبلغ 1834 ريال يمني مقابل كل دولار أمريكي. جاء هذا التدهور رغم ضخ تمويل سعودي بنحو 300 مليون دولار أمريكي في 13 يونيو/حزيران، وهي الدفعة الثالثة من حزمة المساعدات السعودية المُتعهد بها والبالغة 1.2 مليار دولار أمريكي. مع التأخير في ضخ هذه الأموال، واجهت موازنة الحكومة ضغوطا هائلة في أعقاب تعليق صادرات النفط التي كانت تشكل جزءاً أساسياً من الإيرادات الحكومية,

للتعامل مع تدهور قيمة العملة، استأنف البنك المركزي اليمني بعدن عقد مزادات بيع العملات الأجنبية، التي كانت متوقفة منذ أواخر مايو/أيار، حيث أفتتح المزاد التاسع لهذا العام بتاريخ 11 يوليو/تموز، وبيع خلاله المبلغ المعروض بالكامل بقيمة 30 مليون دولار أمريكي. إلاّ أن المزاد التالي الذي عُقد في 24 من يوليو/تموز، لم يحقق سوى نسبة بيع بلغت 57%، وهي نسبة دون التوقعات. ويُعزى تراجع المشاركة في المزاد إلى القيود التي فرضها البنك المركزي اليمني بصنعاء على البنوك الخاضعة لسيطرة الحوثيين.

في أعقاب الأزمة بين البنكين المركزيين، فرضت السلطات الحوثية ضغوطاً على البنوك في صنعاء للانسحاب من نظام سويفت، مما أعاق قدرة البنك المركزي اليمني بعدن على مراقبة المعاملات المرتبطة بتمويل الواردات. كان هذا يعني اقتصار المشاركة في المزادات على البنوك العاملة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، مما حد من نطاق التدخلات الساعية لتحقيق استقرار في العملة، وأصبح الريال عُرضة لمزيد من الهبوط. على الرغم من استئناف مزادات بيع العملات الأجنبية وتلقي مساعدات سعودية إضافية، ظلت احتياطيات النقد الأجنبي لدى البنك المركزي اليمني بعدن منخفضة بصورة حرجة.

استمرت قيمة الريال الجديد في التراجع، حيث وصلت إلى أدنى مستوى لها في 23 يوليو/ تموز، عند 1917 ريال يمني مقابل كل دولار أمريكي، حيث خسر الريال نحو 4% من قيمته خلال شهر يوليو/ تموز. شهد الريال الجديد فترة وجيزة من الاستقرار على مدار أغسطس/ آب وأوائل سبتمبر/ أيلول، حيث تذبذب في حدود 1910 ريال يمني مقابل كل دولار أمريكي، ليتعافى قليلاً بحلول منتصف سبتمبر/أيلول إلى معدل 1891 ريال يمني مقابل كل دولار أمريكي، بعد تقديم دعم سعودي (بمبلغ 300 مليون دولار أمريكي) لتغطية فاتورة رواتب موظفي القطاع العام في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

مع ذلك، ظل الاتجاه العام لقيمة العملة سلبيا، حيث فقد الريال الجديد ما يقرب من 24% من قيمته منذ بداية العام. يشكل اعتماد البنك المركزي اليمني بعدن على الدعم السعودي والاحتياطيات الأجنبية المحدودة المتاحة للحكومة تحديات كبيرة للاقتصاد اليمني. أما على الجانب الآخر، في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، فقد ظلت قيمة الريال القديم مستقرة نسبيا خلال الفترة المشمولة بالتقرير، رغم أنها شهدت انخفاضا طفيفا في بداية يوليو/ تموز، حيث بلغ في المتوسط 539 ريال يمني مقابل كل دولار أمريكي، مقارنة بـ 532 ريال يمني في 25 يونيو/ حزيران. تظل المشكلة الأكبر باستمرار النقص الحاد في الدولار الأمريكي المتداول في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون.

البنك المركزي يطرح سندات دين لتفادي الأزمة المالية

حاول البنك المركزي اليمني بعدن التعامل مع تدهور قيمة الريال من خلال إقامة مزادات لبيع أذون الخزانة وسندات حكومية، ففي 26 يونيو/حزيران، أعلن البنك المركزي اليمني بعدن عن مزاد لبيع أذونات خزانة بأجل استحقاق سنة واحدة، وبسعر فائدة سنوي بنسبة 18٪، بالإضافة إلى مزاد لسندات حكومية طويلة الأجل.

هدفت هذه التدابير إلى استيعاب فائض المعروض النقدي والمساعدة في تمويل عجز الموازنة والنفقات العامة. على الرغم من أن هذه الاستراتيجية يمكن أن تساعد البنك المركزي اليمني بعدن في التعامل مع التدهور المستمر في قيمة الريال، إلاّ أن نجاحها يعتمد على مقدار الأموال التي يمكن للبنك جمعها من خلال هذه المزادات. لكن أسعار الفائدة المرتفعة على الأذونات والسندات قد تضيف عبئًا جديدًا على الموازنة العامة لا سيما في ظل تراجع الإيرادات.

في سبتمبر/أيلول 2024، قام البنك المركزي اليمني في عدن بمحاولة أخرى لتجنب الانهيار المالي، من خلال فتح مزادات لأداوت الدين العام قصيرة وطويلة الأجل. تقرر إقامة هذه المزادات في 18 سبتمبر/أيلول، كمحاولة لسدّ الفجوة الهائلة في العجز المالي في اليمن، والذي تفاقم بسبب توقف الدعم المالي السعودي وتدهور الاقتصاد. عرض البنك المركزي اليمني بعدن أذونات خزانة قصيرة الأجل (بأجل استحقاق سنة واحدة) وسندات حكومية طويلة الأجل (بأجل استحقاق 3 سنوات)، حيث طرحت كل منها بقيمة مبدئية تبلغ 5 مليارات ريال يمني (قابلة للزيادة) ومعدلات فائدة سنوية تتراوح ما بين 18% و20%، على أن تستحق الفائدة بشكل نصف سنوي. هذا وتم تحديد الحد الأدنى لقيمة العطاء المقدم من المشاركين 50 مليون ريال يمني، على أن يتم تقديمه إلكترونيًا عبر منصة Refintiv أو عبر البريد الإلكتروني الرسمي. مع ذلك، لم يتم الإعلان عن أية نتائج، مما يشير على الأرجح إلى ضعف الإقبال على الشراء وبالتالي فضل البنك المركزي اليمني بعدن عدم الإفصاح عن ذلك.

تستمر الصعوبات التي تواجهها الحكومة في التعامل مع مشكلة رواتب موظفي القطاع العام غير المدفوعة، ونقص إمدادات الكهرباء، والفجوة المالية الكبيرة التي تفاقمت بسبب تأخر ضخ الدعم السعودي، ولهذا هدفت مزادات بيع السندات إلى جمع أموال جديدة في ضوء هذه التحديات. إلاّ أن أسعار الفائدة المرتفعة ومشاكل السيولة التي تواجهها البنوك التجارية تزيد من تعقيد الوضع، مما يثير تساؤلات حول قدرة هذه الإجراءات على دعم الاستقرار المالي واستمرارية توفير الخدمات العامة الأساسية.

بنك اليمن الدولي على حافة الإفلاس

إضافة إلى الأزمة الراهنة، انتشرت شائعات في أوائل سبتمبر/أيلول، بأن بنك اليمن الدولي – أكبر مؤسسة مالية في البلاد – على حافة الإفلاس المالي، في وضع شبيه بالانهيار الكارثي للنظام المصرفي في لبنان. كان احتمال وقوع مثل هذه الكارثة سبباً كافياً لإحداث موجة ذعر في القطاع المصرفي الهش في اليمن.

في محاولة يائسة لتهدئة الذعر، أصدر البنك بيانًا في 7 سبتمبر/أيلول، ينفي فيه شائعات الإفلاس ويعزو مشاكله الحالية إلى أزمة السيولة. ذكر البنك أنه يعمل مع البنك المركزي اليمني – في إشارة إلى البنك المركزي اليمني الخاضع لسيطرة الحوثيين في صنعاء – لحل هذه المشكلات ويتوقع انتهاء الأزمة بحلول نهاية العام. رغم من هذه التأكيدات، اتخذ بنك اليمن الدولي تدابير لتخفيض النفقات، مثل تقليص عدد موظفيه، من أجل التعامل مع الضائقة المالية التي يمرّ بها.

تعد مشاكل البنك انعكاسًا واضحًا لانعدام الاستقرار الذي يعاني منه القطاع المالي ككُل، حيث ساهم انقسام النظام المصرفي في البلاد عبر مناطق سيطرة الأطراف في خلق تأثيرات ثانوية وتأثيرات خطيرة طويلة الأجل. قد يمتد تأثير عدم الاستقرار المالي من قطاع معين إلى قطاع آخر وبسرعة، مما يهدد الاقتصاد بأكمله.

تجدر الإشارة إلى أن الأسباب وراء تفاقم المشاكل المالية في اليمن تتمثل في الصراع المستمر، والاعتماد على المساعدات السعودية، والحصار الفعلي المفروض على الحكومة. بالتالي، يضيف خطر حدوث أزمة مصرفية مستوى آخر من التعقيد إلى الوضع المزري بالفعل، مع عواقب كارثية محتملة على المشهدين السياسي والاقتصادي.

التطورات على صعيد الوقود والطاقة

محطة الطاقة الشمسية الممولة من الإمارات تبشر بمرحلة جديدة في عدن

في 15 يوليو/تموز، دشن رئيس الوزراء أحمد عوض بن مبارك محطة للطاقة الشمسية في عدن، مقدمة من الإمارات. تمثل المحطة الجديدة، بقدرة توليدية 120 ميجاوات، خطوة مفصلية في مسار تحول اليمن إلى استخدام الطاقة المتجددة.

يعد المشروع، الذي تم تنفيذه بالتعاون بين وزارة الكهرباء والطاقة وشركة أبوظبي لطاقة المستقبل، الأكبر من نوعه في اليمن حيث أقيمت المحطة على مساحة 1.6 مليون متر مربع وشملت أعمال تركيب 43,766 قاعدة وهياكل معدنية و211,584 لوح شمسي، وتولى بناءها أكثر من 2000 مهندس وفني وعامل على مدار أكثر من 1.3 مليون ساعة عمل. بالإضافة إلى قدرتها المباشرة على المساهمة في تقليص تكلفة توليد الكهرباء واستهلاك الوقود خلال ساعات النهار، من المتوقع أن يكون لمحطة الطاقة الشمسية تأثير بيئي مهم من خلال خفض الانبعاثات الكربونية بشكل كبير.

أكد بن مبارك على دور المشروع كمحفز لتطوير الطاقة المتجددة على نطاق أوسع في شتى أنحاء اليمن، مسلطًا الضوء على مبادرة أخرى ناجحة للطاقة الشمسية في المخا، معربًا عن التزام الحكومة بتوسيع نطاق حلول الطاقة النظيفة لتشمل محافظات شبوة وحضرموت والمهرة ومحافظات أخرى. تجدر الإشارة إلى أن المحطة صُممت مع قابلية التوسع إلى سعة توليدية 600 ميجا واط، وتم إنشاء خطوط نقل بالفعل لاستيعاب أي توسع مستقبلي في السعة التوليدية. يشير هذا المشروع الهام إلى نهج حكومي يسعى جزئياً إلى تقليص الاعتماد الشديد على الوقود الأحفوري والذي يستنزف جزءًا كبيرًا من موازنة الحكومة المالية.

أزمة النفط والمصارف: معارك لها تداعيات وخيمة على اليمن

في 27 يوليو/تموز، زار رئيس مجلس القيادة الرئاسي “رشاد العليمي” محافظة حضرموت الغنية بالنفط، حيث أفادت تقارير بأن الحكومة تأمل في استئناف صادرات النفط والغاز من المنطقة، وتحدثت عن اتفاق محتمل بين الحكومة والحوثيين يتمثل في: النفط مقابل تنازلات في أزمة القطاع المصرفي. بموجب هذا الاتفاق، يُفترض أن يسمح الحوثيون للحكومة باستئناف تصدير النفط الخام مقابل التراجع عن قرارات البنك المركزي اليمني بعدن، بإلغاء تراخيص 6 بنوك يمنية رئيسية، علماً بأنه في أعقاب الضغوط السعودية على الحكومة، تم التراجع بالفعل عن التدابير التي اتخذها البنك المركزي.

بحسب ما ورد، حدد الاتفاق المفترض نموذجًا لتقاسم الإيرادات، حيث تحصل الحكومة على عائدات النفط بالكامل لمدة ستة أشهر قابلة التمديد، بينما تتولى السعودية دفع رواتب موظفي القطاع العام في مناطق سيطرة الحوثيين، وبما يعادل نصف حصة اليمن من عائدات النفط خلال نفس الفترة.

في 29 يوليو/تموز، سارع الحوثيون إلى نفي الأنباء عن التوصل للاتفاق المشار إليه، وأصروا على موقفهم بضرورة دفع رواتب الموظفين العموميين في مناطقهم بالكامل، قبل استئناف صادرات النفط. يعكس هذا الموقف المتعنت من جانب الحوثيين، إلى جانب التهديدات المستمرة باستهداف المنشآت النفطية، هشاشة الوضع والتحديات التي تقف حجر عثرة أمام التوصل لهدنة دائمة. وصفت اللجنة الاقتصادية العليا التابعة للحوثيين، في بيان لها، الاتفاق المزعوم بأنه مجرد شائعة لا أساس لها من الصحة، ووجه الحوثيون تحذيرا شديدا لشركات النفط المحلية والأجنبية، مهددين بعواقب عسكرية وخيمة لأي محاولة لتصدير النفط والغاز من اليمن.

في ظل الوضع الاقتصادي الحالي ومختلف الأطر المقترحة لنزع فتيل الحرب وإنهائها، تبرز قضيتان لهما أهمية بالغة ألا وهما: دفع رواتب موظفي القطاع العام في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، واستئناف صادرات النفط والغاز من المناطق التي تسيطر عليها الحكومة. مع ذلك، من غير المرجح أن يدفع السعوديون رواتب الأفراد العسكريين التابعين للحوثيين، بينما تواصل الجماعة هجماتها في البحر الأحمر، علماً بأن الجماعة متمسكة بهذا المطلب كشرط مسبق لأي اتفاق يسمح باستئناف صادرات النفط والغاز، حيث تصفها بأنها شكل من أشكال نهب الثروات النفطية من قبل الخارج.

أزمة الكهرباء المعقدة في حضرموت

مع استمرار أزمة الكهرباء في حضرموت، المتسمة بانقطاعات متكررة ومطولة في التيار الكهربائي وانقطاع إمدادات الوقود، تصاعدت حدة التوترات بين السلطة المحلية وشركة النفط اليمنية وحلف قبائل حضرموت، فضلا عن إشعال فتيل احتجاجات واضطرابات واسعة النطاق في المنطقة.

خلال شهر أغسطس/آب، عانى سكان المكلا والمدن الساحلية الأخرى في حضرموت من أزمة حادة في إمدادات الكهرباء، حيث وصلت ساعات انقطاع التيار الكهربائي إلى ثلاث ساعات مقابل ساعتين تشغيل. حاولت الحكومة تخفيف حدة الوضع، حيث أعلنت المؤسسة العامة للكهرباء (فرع ساحل حضرموت) – في 21 أغسطس/آب – عن استلامها 1.7 مليون لتر من الديزل من شركة النفط اليمنية، إلى جانب 1.1 مليون لتر من شركة بترومسيلة، كجزء من منحة وجّه بها محافظ حضرموت مبخوت بن ماضي. رغم أن تسليم كميات الوقود هذه تُعد خطوة إيجابية، فمن غير المرجح أن تؤدي إلى تحسينات طويلة الأجل – حيث يتطلب تشغيل محطات الطاقة في المنطقة ما يقرب من نصف مليون لتر من الديزل يومياً.

لم تكن هذه المساعدات كافية لمنع زيادة الأسعار، فَفي 25 أغسطس/آب، أعلن مكتب شركة النفط اليمنية في حضرموت عن زيادة كبيرة في أسعار الديزل، مشيراً إلى أنه سيستورد الوقود لتلبية الطلب المحلي بعد الإغلاق المؤقت لوحدة تقطير الديزل التابعة لشركة بترومسيلة، بسبب “ظروف قاهرة”. على ضوئه، سترتفع أسعار الديزل بنسبة 29%، من السعر المدعوم البالغ 1200 ريال يمني للتر الواحد إلى 1550 ريال يمني للتر، وهو ما تقول الشركة إنه سعر التكلفة.

أصبحت أزمة الكهرباء نقطة خلافية جوهرية بين السلطة المحلية وشركة النفط اليمنية وحلف قبائل حضرموت، فَقد أرجعت المؤسسة العامة للكهرباء سبب انقطاعات الكهرباء إلى انعدام الديزل، لكنها أضافت بأنها ناجمة جزئياً أيضا عن إقامة نقاط مسلحة من جانب حلف قبائل حضرموت، لمنع وصول شحنات الوقود إلى محطات الطاقة. نفى الحلف بشدة هذه الادعاءات وحمّل السلطات المحلية وشركة النفط اليمنية والمؤسسة العامة للكهرباء المسؤولية عن ذلك، ورداً على بيان شركة بترومسيلة بأنها “اضطرت” إلى وقف شحنات الوقود الأسبوع الذي سبق (في إشارة إلى النقاط المسلحة التي نُصبت بأوامر من زعيم حلف قبائل حضرموت عمرو بن حبريش)، أعلن الحلف بأنه حقق في المسألة وخلص إلى أن شركة بترومسيلة منعت “عمداً” الشاحنات من تفريغ الوقود، وزعم الحلف أنه يدعم دائما إمداد الكهرباء دون انقطاع ويُسهّل مرور شحنات الديزل، متهماً شركة النفط اليمنية بالتسبب عمداً في أزمة نقص الوقود لإلقاء اللوم على الحلف.

هذا ويواصل حلف قبائل حضرموت مساعيه للتحكم بقطاع الكهرباء، حيث عقد اجتماعا في 21 أغسطس/آب، مع قيادات سياسية ومدنية ومع نقابات من مديريات ساحل حضرموت، بزعم الوقوف على احتياجات السكان بشكل أفضل وكيفية توجيه الخدمات العامة على النحو الأمثل. أصرّ الحلف على تحديد سعر ثابت للديزل بواقع 700 ريال يمني للتر للمواطنين، وطالب بأن تحصل المحافظة على حصة كبيرة من عائدات النفط والغاز المحلي لتمويل الخدمات الأساسية.

استغلت أطراف أخرى، مثل المجلس الانتقالي الجنوبي وكتلة حضرموت البرلمانية، بقيادة صالح بن سالم العُمري، الأزمة للتعبير عن شواغلها واستقطاب الدعم، فوفقًا لمصادر محلية، اجتمعت الكتلة البرلمانية في المكلا بتاريخ 23 أغسطس/آب، لمناقشة الوضع الخدمي القائم، وكما هو الحال مع العديد من القوى في المشهد السياسي التنافسي في حضرموت، يبدو أن الاجتماع كان لأغراض دعائية إلى حد كبير، ولم يخرج سوى ببيان رنان تقليدي يشجع الجانبين على إظهار التضامن والرحمة والتنازل وتعزيز النسيج الاجتماعي الحضرمي، كما دعت الكتلة البرلمانية شركات الكهرباء والنفط إلى ضمان تسليم الوقود بانتظام لكنها لم تقدم توصيات حول كيفية القيام بذلك.

هذا واشتدت المواجهة بين الحكومة وحلف قبائل حضرموت بعد زيارة رئيس مجلس القيادة الرئاسي/ رشاد العليمي للمحافظة أواخر يوليو/تموز. ففي حين أعلن العليمي عن خطط لإنشاء محطتين للطاقة الكهربائية قدرة كل منها 50 ميجاواط، لتخفيف النقص الحاد في الطاقة، لا يلبي هذا الحل – وإن كان حلاًّ طويل الأجل – الاحتياجات الفورية للسكان، رافقت زيارة العليمي شائعات بأن الحكومة تخطط لاستئناف صادرات النفط والغاز المحليين وتقاسم العائدات مع الحوثيين كجزء من تسوية سياسية.

في 20 أغسطس/آب، وجّه العليمي بتشكيل لجنة للنظر في مطالب أبناء حضرموت، إلاّ أن الخطوة قوبلت بانتقادات شديدة ليس فقط من الأعضاء الآخرين لمجلس القيادة الرئاسي ولكن أيضًا من السكان المحليين الذين نزلوا إلى الشوارع في المكلا للاحتجاج على تردي الأوضاع الخدمية ونقص الوقود المستمر، في خضم الخلافات بين مجلس القيادة الرئاسي وعمرو بن حبريش.

تُعد ظاهرة انقطاع الكهرباء شائعة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث أججت احتجاجات بشكل سنوي في عدن وتحديداً خلال أشهر الصيف الحارة في اليمن. يعد قطاع الكهرباء أحد القطاعات المدعومة لكنه يقوم على أنظمة شراء ملتوية ومعقدة، وتتزايد التكاليف التشغيلية بسبب العجز في تحصيل فواتير الخدمات.

تدهور الاقتصاد وتفاقم انعدام الأمن الغذائي

البنك الدولي يرسم صورة قاتمة للاقتصاد اليمني

أواخر يونيو/حزيران، ورد تحذير شديد في أحدث إصدار للبنك الدولي من تقرير المرصد الاقتصادي لليمن من أن: الاقتصاد اليمني يواجه عقبات كبيرة، حيث يؤدي الصراع المستمر والتوترات الإقليمية إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية والإنسانية التي تعانيها البلاد. يرسم التقرير صورة قاتمة لبلد في حالة تدهور مستمر، حيث يهيمن الفقر على غالبية مواطنيه ولا يتم تلبية الاحتياجات الأساسية، وتوقع التقرير أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي في اليمن بنسبة 1% أخرى في عام 2024 – بعد سنوات متتالية من التراجع – وينعكس ذلك في صورة انخفاض كبير يصل لنسبة 54% في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي منذ عام 2015، مما يترك الملايين في دائرة الفقر. يؤثر انعدام الأمن الغذائي الآن على نصف السكان، مع ارتفاع معدلات الوفيات بين الشباب.

أشار التقرير أيضًا إلى الوضع المالي الحرج للحكومة المعترف بها دوليًا، بسبب الانخفاض الحاد في عائدات النفط، وتقلص الإيرادات الجمركية نظرًا لإعادة توجيه الواردات من عدن إلى الموانئ التي تقع تحت سيطرة الحوثيين. أدت هذه العوامل مجتمعة إلى انخفاض الإيرادات المالية بأكثر من 30% في عام 2023، واستجابة لذلك، أُجبرت الحكومة على تنفيذ خفض حاد في الإنفاق، مما أثر على الخدمات الأساسية والنمو الاقتصادي طويل الأجل.

فضلا عن ذلك، أشار التقرير إلى أن عجز الحساب الجاري للحكومة شهد ارتفاعًا بنسبة 19.3% من الناتج المحلي الإجمالي، مما يعكس التأثير الكبير الذي خلفه الحصار المفروض على صادرات النفط على العجز التجاري، وفي حين ظلت احتياطيات النقد الأجنبي مستقرة نسبيًا بفضل الدعم المالي الذي قدمه الشركاء الدوليون، فإن استئناف التمويل النقدي من جانب الحكومة أدى إلى تفاقم الضغوط التضخمية. علاوة على ذلك، ارتفعت أسعار السلع الأساسية بشكل كبير، بحيث أصبحت العديد من الأسر تنفق أكثر من 60% من دخلها على الغذاء وحده.

هذا وحذر التقرير من أن استمرار الضغوط المالية والانقسام الاقتصادي بين المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين ومناطق سيطرة الحكومة، يهدد بتعميق الانقسام ويزيد من تعقيد جهود التعافي. لقد أثرت إعادة توجيه الواردات بشكل غير متناسب على المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، مما زاد من الضغوط على الأوضاع الاقتصادية. كما أدت التوترات الإقليمية المتصاعدة، وخاصة هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، إلى تعطيل حركة الشحن والتجارة الدولية، مما زاد من تكاليف الشحن وأثر على النشاط الاقتصادي.

غارة إسرائيلية على الحديدة تهدد الوضع الإنساني

في 20 يوليو/تموز، استهدفت الغارات الجوية الإسرائيلية على ميناء الحديدة – الذي يسيطر عليه الحوثيون – خزانات الوقود، مما أسفر عن تدمير أكثر من 30 خزانًا. تهدد هذه الخسارة الكبيرة في سعة التخزين (حوالي 100 ألف طن) بحدوث أزمة نقص في إمدادات الوقود في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، وارتفاع الأسعار فضلاً عن زيادة تكاليف النقل، كما أدت الغارات الجوية إلى إلحاق الضرر باثنتين من عشر رافعات موجودة في الميناء، وهو ما يعني تأخير تفريغ شحنات البضائع والسلع الأساسية. كما تهدد الانقطاعات في دخول الغذاء والدواء وغيرها من الإمدادات الحيوية بتفاقم النقص الحالي في هذه المواد والتسبب في تضخم الأسعار، مما يعني زيادة الضغوط على الوضع الإنساني الهش.

تستقبل الموانئ البحرية اليمنية نسبة 90% من واردات البلاد، ويشكل ميناء الحديدة (الذي أعيد إنشاء بنيته التحتية بجهد جهيد بدعم من الأمم المتحدة والجهات المانحة الدولية والمجتمع الدولي) شريان حياة لغالبية السكان، ووفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، تتدفق أكثر من 80% من المساعدات الإنسانية والسلع الأساسية والوقود في البلاد – والتي يعتمد عليها 28 مليون يمني – عبر ميناء الحديدة. كانت هجمات الحوثيين على حركة الشحن التجاري قد أدت بالفعل إلى ارتفاع تكاليف التأمين والنقل عبر البحر الأحمر؛ في الوقت نفسه، يفتقر ميناء عدن، الخاضع لسيطرة الحكومة المعترف بها دولياً، إلى القدرة على التعامل مع الواردات الإضافية، وتتعقد هذه المشاكل بصورة أكبر في ظل استمرار الخلافات الإدارية داخل الحكومة.

هذا وهددت جماعة الحوثيين بالرد عن طريق استهداف المطارات والموانئ التي تسيطر عليها الحكومة، الأمر الذي قد يشل قدرة البلاد على الاستيراد، ومع محدودية مخزونات الوقود واحتمال حدوث اضطرابات في أنشطة الموانئ، سيصبح تقديم المساعدات وضمان الأمن الغذائي أكثر صعوبة.

تضاعف أسعار الدواجن في مناطق سيطرة الحوثيين

تسببت السيطرة التامة من قبل الحوثيين على قطاع الدواجن في ارتفاع أسعار الدجاج المباع في صنعاء وغيرها من المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة بنسبة تزيد عن 100% في أوائل أغسطس/آب. أثار هذا الاستغلال بغرض التربح استياءً عامًا لا سيما مع معاناة السكان من وضع اقتصادي متردٍ.

ساهم احتكار الحوثيين لواردات الدواجن، إلى جانب فرض ضرائب باهظة على هذا القطاعة في ظهور ممارسات مدرة للربح عملت على إثراء فئة معينة داخل الجماعة. أُجبرت مئات من متاجر بيع الدجاج على الإغلاق، مما ترك المستهلكين تحت رحمة استغلال وجشع المطاعم التي قلصت عروضها بشكل كبير. تعمل المتاجر التي لا تزال مفتوحة على تحصيص مخزونها، حيث تبيع أقل من نصف الكميات المعروضة، بينما اختفت الدجاجات الأكبر حجمًا من السوق لتحلّ محلها طيور أصغر حجماً ينخفض الطلب عليها. هذا وأفاد مستهلكون بأن الأسعار تضاعفت بين عشية وضحاها.

أدت استراتيجية الندرة المصطنعة إلى تفاقم الأزمة، حين حظرت وزارة الزراعة والري التابعة لسلطة الحوثيين استيراد الدجاج المجمد العام الماضي، بذريعة دعم المزارعين المحليين، وهو ما سهل احتكار سلطة الحوثيين للسوق، وبدلاً من تعزيز الإنتاج المحلي، فرض الحوثيون ضرائب وقيودًا تعجيزيةـ، طالت إنتاج البيض وأعلاف الدواجن التي فرضت عليها جبايات باهظة.

علاوة على ذلك، شكلت الضريبة الجديدة التي فُرضت عام 2020 – بقيمة 35000 ريال يمني لكل 1000 طن من الذرة والأعلاف وفول الصويا المستوردة عبر ميناء الصليف الذي يسيطر عليه الحوثيون – زيادة بمقدار ستة أضعاف الرسوم التي كانت قائمة. اليوم، أصبح قطاع الدواجن، الذي يُعد قطاعا حيويا يدعم 300 ألف وظيفة، تحت حصار كامل، وتكشف الأرقام الرسمية عن عجز في الإنتاج بنسبة 39% حيث يبلغ الإنتاج السنوي 160 ألف طن، وهو أقل من معدل الطلب والاستهلاك على المستوى الوطني البالغ 290 ألف طن سنوياً.

من الصعب تقدير حجم الإيرادات التي يمكن للحوثيين تحصيلها من هذا القطاع، حيث أفادت مصادر إعلامية أنهم كانوا يتحصلون على مليارات الريالات اليمنية شهرياً لفترة من الوقت. يقدر الاستهلاك اليومي في مدينة صنعاء بنحو مليوني دجاجة، وبالتالي قد تصل نسبة الإيرادات التي يحصلها الحوثيون من العاصمة وحدها إلى 600 مليون ريال يمني يوميًا أو 18 مليار ريال يمني شهريًا، وبالنظر إلى نطاق تحكّم الحوثيين بالقطاع، لا يُستبعد أن يكون المبلغ الإجمالي المُحصل أعلى بكثير.

برنامج الأغذية العالمي يستأنف توزيع المواد الغذائية في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين

أعلن برنامج الأغذية العالمي، منتصف أغسطس/آب، عن نيته استئناف تقديم المساعدات الغذائية مؤقتًا في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون بعد توقف دام ستة أشهر. مع ذلك، صاحبت هذه الخطوة محاذير كبيرة – ففي حين خطط برنامج الأغذية العالمي لتوزيع الغذاء على مليون شخص في أغسطس/آب، كانت المناطق المستهدفة وتفاصيل العملية غير واضحة.

جاء قرار استئناف المساعدات في أعقاب مشروع تجريبي أطلق في أبريل/نيسان، وأكد برنامج الأغذية العالمي حينها أنه سيعمل على توسيع نطاق تقديم المساعدات تدريجيًا وبشكل حذر، بحيث تكون الأولوية لتدابير الإغاثة قصيرة الأجل. اختار برنامج الأغذية العالمي 23 مديرية اعتبرها الأكثر ضعفاً وهشاشة، بينما لا تزال المفاوضات بشأن الخطوات الأخرى جارية، وهو ما قد يؤخر توسيع نطاق المساعدات.

لا تزال المعلومات المتعلقة بالحصص الغذائية ومعدل ووتيرة توزيعها في المرحلة الأولية والمراحل اللاحقة غير متوفرة؛ وفي حين ستتيح عمليات توزيع الغذاء لمرة واحدة إغاثة مؤقتة، تظل غير كافية للتصدي لتحديات الأمن الغذائي على المدى الطويل والتي يعاني منها ملايين اليمنيين.

هذا وأفاد فريق العمل الفني للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي في اليمن، عن ارتفاع حالات سوء التغذية الحاد بسرعة، حيث يعاني سكان الساحل الغربي من مستويات “حرجة للغاية” من سوء التغذية للمرة الأولى. يعزى الارتفاع السريع في حالات سوء التغذية الحاد إلى التأثيرات المجتمعة لتفشي أمراض مثل الكوليرا والحصبة، وانعدام الأمن الغذائي الحاد، ومحدودية الوصول إلى المياه الصالحة للشرب والمرافق الصحية، والتدهور الاقتصادي. في هذا السياق، ألقت ليزا دوتون، مديرة قسم التمويل والشراكات في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، كلمة أمام مجلس الأمن الدولي حول هذه المسألة، مشيرة إلى عدم توفر التمويل الكافي للتعامل مع تفشي حالات الكوليرا وانعدام الأمن الغذائي.

هذا و قد رسم برنامج الأغذية العالمي صورة قاتمة للأزمة الإنسانية وحالة الأمن الغذائي في اليمن، حيث أشار إلى أن نسبة كبيرة تبلغ 62% من الأسر اليمنية تعاني من نقص الاستهلاك الغذائي بحلول يوليو/ تموز 2024، وهي أعلى نسبة على الإطلاق منذ اندلاع الصراع. ألقت الأزمة بظلالها على كل من المناطق التي تسيطر عليها الحكومة (64% من الأسر اليمنية) والمناطق التي يسيطر عليها الحوثيون (61% من الأسر)، وبلغ الحرمان الشديد من الغذاء ذروته عند نسبة 36% في جميع أنحاء البلاد.

يعزو تقييم برنامج الأغذية العالمي أزمة الأمن الغذائي إلى تدهور الظروف الاقتصادية، وتأخر وصول المساعدات الغذائية، وفرص كسب العيش المحدودة. وكان من المتوقع أن يؤدي تراجع النشاط الزراعي خلال موسم الجفاف (من يوليو/تموز إلى أكتوبر/تشرين الأول) إلى تفاقم الوضع في جميع المديريات الـ 117 الخاضعة لسيطرة الحكومة. فضلا عن ذلك، أدت السيول الغزيرة التي اجتاحت المناطق اليمنية في أواخر يوليو/تموز وأغسطس/آب، إلى تفاقم التحديات التي تواجه الشرائح السكانية الضعيفة، وخاصة في الحديدة وحجة والجوف والمحويت وتعز وحضرموت.

تفاقمت الأزمة أيضاً بسبب الهبوط الحاد في قيمة الريال اليمني في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، نتيجة انخفاض الاحتياطيات الأجنبية وتوقف صادرات النفط الخام. رغم أن قيمة الريال ظلت مستقرة نسبيًا في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، كان التأثير العام على أسعار المواد الغذائية شديدًا.

علاوة على ذلك، ارتفعت أسعار الوقود بشكل كبير في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، حيث ارتفعت تكاليف البنزين والديزل بنسبة 22% و26% على التوالي منذ بداية العام. أدى هذا الارتفاع، الذي تفاقم نتيجة انخفاض قيمة العملة وارتفاع أسعار النفط العالمية، إلى ارتفاع تكلفة سلة الغذاء الدنيا إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق، بنسبة 13% منذ يناير/كانون الثاني، و18% على أساس سنوي.

يشير تقييم برنامج الأغذية العالمي إلى أن واردات الوقود عبر موانئ البحر الأحمر زادت بنسبة 24% من يناير/ كانون الثاني إلى يوليو/تموز 2024 بالمقارنة مع الفترة المقابلة من العام الماضي ، بينما انخفضت الواردات عبر الموانئ الجنوبية بنسبة 27% خلال نفس الفترة. في 20 يوليو/ تموز، دمرت الغارات الجوية الإسرائيلية التي استهدفت ميناء الحديدة 33 خزان نفط، ونحو 800 ألف لتر من الوقود المملوك لبرنامج الأغذية العالمي، ولكن بشكل عام، زادت واردات الغذاء عبر الموانئ البحرية اليمنية بنسبة 15% مقارنة بنفس الفترة في عام 2023.

الحوثيون يرفعون الضرائب على المنسوجات المستوردة

أوائل سبتمبر/أيلول، فرضت السلطات الحوثية زيادة ضريبية كبيرة بلغت 100% على الملابس والمنسوجات المستوردة. جاء هذا الإجراء كجزء من حملة واسعة أطلقتها الجماعة لتحصيل أقصى قدر من الإيرادات من الشعب اليمني قبل الاحتفالات العامة بذكرى المولد النبوي الشريف.

في هذا السياق، أصدرت وزارة المالية التابعة لسلطة الحوثيين تعليمات إلى مصلحتي الجمارك والضرائب بزيادة الرسوم بنسبة كبيرة على مجموعة من السلع الأساسية المستوردة، مثل الملابس والأحذية والحقائب، وتضاعفت هذه الرسوم الباهظة بسبب إلزامية المساهمة مالياً لإقامة الاحتفالات الدينية، وفي هذا الصدد، أفاد تجار في صنعاء عن زيادة تدريجية في الضريبة، حيث كانت محددة في البداية بقيمة 5 ملايين ريال يمني على كل شحنة، ثم ارتفعت إلى 30 مليون ريال يمني بحلول أوائل سبتمبر/ أيلول. بالمقابل، تفرض الحكومة المعترف بها دوليًا ضريبة قدرها مليون ريال يمني على كل شحنة.

تتفاقم هذه الضغوط المالية المفروضة على التجار والشركات العاملة في الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون، بسبب الضريبة المزدوجة على الشحنات، حيث تفرض الجماعة ضرائب إضافية على نفس الشحنات قبل دخولها شمال اليمن عبر المنافذ الواقعة تحت سيطرة الحكومة والتي سبق أن استوفت الرسوم المفروضة من الحكومة. برّر الحوثيون زيادة الرسوم الضريبية بأنها إجراء لدعم الإنتاج المحلي، لكن ذلك قوبل بالشك في ظل غياب المصانع المحلية القادرة على تصنيع مثل هذه السلع. يستغل الحوثيون النظام الضريبي كجزء من استراتيجية واسعة تتمثل في التحكّم بالاقتصاد وتحقيق المركزية، ونتيجة لذلك تم إغلاق ومصادرة مئات الشركات والمصانع والمؤسسات التجارية. تمسك الحوثيون بهذه السياسة حتى بعد تشكيل حكومة جديدة في صنعاء في أغسطس/آب، والتي جعلت زيادة الإيرادات المالية ضمن أولوياتها.

انخفاض حاد في واردات القمح

منتصف سبتمبر/أيلول، سلطت نشرة الأمم المتحدة للأسواق والتجارة الضوء على تفاقم الضغوط الاقتصادية على اليمن، مع انخفاض واردات القمح عبر ميناء الحديدة الذي يسيطر عليه الحوثيون بنسبة 54% في أعقاب الهجمات على سفن الشحن في البحر الأحمر والضربة الإسرائيلية على الميناء. وقد أثر هذا بشكل كبير على سلاسل إمدادات الغذاء في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون.

على الرغم من ارتفاع واردات القمح بنسبة 12% عبر موانئ رئيسية أخرى – مثل ميناء عدن – يشكل انخفاض الواردات عبر ميناء الحديدة تهديدًا جدياً للأمن الغذائي في اليمن بصورة عامة، خاصة مع التأثير المستمر للصراع في تعطيل خطوط الإمداد، وأشارت النشرة إلى أن السلع الغذائية لا تزال متاحة في معظم الأسواق، لكن انخفاض الواردات عبر ميناء الحديدة – نقطة الدخول الرئيسية للحبوب إلى اليمن – يثير مخاوف من حدوث نقص في المستقبل.

ارتفاع أقساط التأمين بسبب هجمات البحر الأحمر

أدت الهجمات العسكرية (من قبل الحوثيين) في البحر الأحمر إلى ارتفاع حاد في أقساط التأمين على السفن المارة عبر الممر المائي، حيث تضاعفت منذ أوائل سبتمبر/أيلول. جاء هذا الارتفاع في أعقاب تجدّد هجمات الحوثيين على السفن التجارية أواخر فصل الصيف، مما زاد من مخاوف شن المزيد من الضربات وهو ما دفع بعض شركات التأمين إلى وقف التغطية التأمينية تمامًا.

هذا وأفاد خبراء في مجال التأمين بأن أقساط التأمين الإضافية ضد مخاطر الحرب، والتي تُفرض على السفن المارة عبر مناطق محفوفة بالمخاطر، ارتفعت من 0.7% إلى 2% من قيمة السفينة. وفي ظل تعذر القدرة على التنبؤ بهجمات الحوثيين، أصبحت شركات التأمين أكثر حذرًا بل ورفضت العديد منها (لا سيما الشركات الأصغر حجمًا) توفير التغطية التأمينية للسفن المارة عبر البحر الأحمر.

في هذا السياق، أشار ديفيد سميث – رئيس قسم هياكل السفن والالتزامات البحرية في شركة ماكجيل آند بارتنرز للتأمين – إلى أن هذه هي المرة الأولى التي ترفض فيها بعض شركات التأمين صراحة توفير تغطية تأمينية للسفن المارة عبر البحر الأحمر. يبرز هجوم 21 أغسطس/ آب، على ناقلة النفط “سونيون” المخاطر المرتبطة بهذا الأمر؛ فَرغم سماح الحوثيين في آخر المطاف بقطر الناقلة إلى منطقة آمنة بعد ظهور مخاوف بشأن حدوث كارثة بيئية، فقد استمرت الهجمات على السفن الأخرى القريبة مما أدى إلى ارتفاع تكاليف التأمين المرتبطة بعمليات الإنقاذ.

يضيف ارتفاع أقساط التأمين مستوى آخر من التعقيد إلى منطقة مثقلة بالفعل بالتوترات الجيوسياسية وتعطل التجارة وضعف سلاسل الإمداد، ومع غياب حل في الأفق أو فرصة لخفض التصعيد، من المرجح أن تتكبد سفن الشحن المارة عبر البحر الأحمر تكاليف باهظة ومخاطر.

تطورات أخرى

استمرار أزمة الشفافية في اليمن

منتصف سبتمبر/أيلول، أكد أحدث تقرير للشفافية المالية ، الذي نشره مكتب الشؤون الاقتصادية والتجارية بوزارة الخارجية الأمريكية، على عجز الحكومة عن الوفاء بالمعايير الأساسية للشفافية المالية، مشيراً إلى غياب وثائق الموازنة الرئيسية، بما في ذلك التقارير التنفيذية وتقارير نهاية العام. أدى هذا الافتقار إلى الوضوح إلى تعميق الشكوك حول إدارة موارد الدولة.

من المسائل الحساسة التي أثارها التقرير عدم التزام الحكومة بالكشف عن التزاماتها المتعلقة بالديون، وخاصة تلك التي تدين بها المؤسسات المملوكة للدولة، والتي تعمل العديد منها في مناطق خارج سيطرة الحكومة. يحول هذا الغموض دون تقييم الوضع المالي لليمن بدقة من جانب المجتمع الدولي والجهات المانحة، مما يثير المخاوف بشأن سوء الإدارة والاتفاقيات غير المصرح بها مع جهات خارجية.

من الأمور المثيرة للقلق بالقدر نفسه أيضاً، افتقار الحكومة إلى الشفافية في إدارة الحسابات غير المدرجة في الموازنة، وخاصة في قطاعات مثل الدفاع والاستخبارات والتي تظل خارج نطاق الرقابة المدنية أو البرلمانية. تشكل التدفقات المالية الخفية في هذه القطاعات فرصاً لممارسات الفساد وتؤدي إلى تآكل ثقة العامة حيث لا توجد معلومات مفصلة عن كيفية تخصيص الأموال للمكاتب التنفيذية، بما في ذلك الرئاسة، مما يؤدي إلى تفاقم المخاوف بشأن الإنفاق دون ضوابط أو رقابة. كما أن استخراج الموارد الطبيعية يعاني من ضعف التنظيم والرقابة وعدم وضوح المبادئ التوجيهية لإرساء العقود أو منح التراخيص للشركات ذات الصلة. إجمالاً، يؤدي الفشل في وضع إجراءات شفافة في هذه المجالات إلى تفاقم مخاطر الفساد وسوء الإدارة.

علاوة على ذلك، أكد التقرير أيضًا على افتقار الهيئة العليا للرقابة في اليمن (الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة) إلى الاستقلالية وعدم انتظام عملياتها، مما يمنعها من مسائلة الحكومة، ويشكل فشل اليمن في ضمان الشفافية عقبة رئيسية أمام الإصلاحات، لا سيما وأن معالجة هذه القضايا تظل خطوة بالغة الأهمية ليس فقط لاستعادة ثقة العامة، بل وأيضاً لتأمين الدعم الدولي وضمان الاستخدام الأمثل للموارد المحدودة في البلاد.

الخطوط الجوية اليمنية تعلق بين طرفي النزاع

لا يزال قطاع الطيران في اليمن ضحية للصراع الدائر، حيث أصبحت الخطوط الجوية اليمنية عرضة للتجاذب الشديد بين جماعة الحوثيين والحكومة المعترف بها دوليا. في 26 يونيو/ حزيران، احتجز الحوثيون ثلاث طائرات إيرباص إيه 320، ليصل إجمالي عدد الطائرات المحتجزة إلى أربع، بعد أن احتجزت الجماعة قبلها بشهر طائرة إيرباص إيه 330 كبيرة الحجم، ولا تزال الطائرات فعليًا قابعة في مطار صنعاء.

في ذات السياق، وعلى ضوء تجميد الحوثيين لمبلغ 100 مليون دولار أمريكي من أموال الشركة، جمّدت الخطوط الجوية اليمنية عمليات السحب من حساباتها في بنوك صنعاء، وكذلك حجز الرحلات وإصدار تذاكر السفر في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون. ردّ الحوثيون عبر إلزام المسافرين بشراء تذاكر السفر حصريًا عبر الوكالات الخاضعة لسيطرتهم واحتجاز الطائرات الثلاث التي كانت تنقل حجاج يمنيين عائدين من جدة. ظل آلاف الحجاج عالقين في السعودية وغير قادرين على العودة إلى ديارهم مع إيقاف الرحلات الجوية بعد حادثة احتجاز الطائرات.

في هذا الإطار، حثت وزارة النقل التابعة للحكومة وكالات السياحة العاملة في مناطق سيطرة الحوثيين على نقل مكاتبها الرئيسية إلى مناطق سيطرة الحكومة، مما يعمّق حالة التشرذم في قطاع الطيران الهش أساساً ويُعقّد قدرة اليمنيين على السفر. يزعم الحوثيون أن التحالف الذي تقوده السعودية يفتقر إلى المصداقية في إجراءات إعادة فتح مطار صنعاء، حيث لم تُسَيَّر سوى رحلات محدودة فقط إلى عمّان. كان الحوثيون قد رفضوا اقتراحًا لاستئناف الرحلات الجوية بين صنعاء وعمان بتيسير من الحكومة المعترف بها دوليًا، معتبرين ذلك وسيلة للتحايل وتجنب إعادة فتح المطار بالكامل. كما يزعم الحوثيون أنهم اقترحوا جداول رحلات لمختلف الوجهات من باب رغبتهم في إعادة فتح المطار بشكل كُلي.

في 6 يوليو/تموز، أعلنت إدارة الخطوط الجوية اليمنية في صنعاء عدم الاعتراف بأي مجلس إدارة لا يمارس مهامه من صنعاء، وتضمن البيان أيضًا اتهامات (غير مثبتة) بالفساد ضد إدارة الخطوط الجوية اليمنية في عدن. مما لا شك فيه أن تسييس قطاع النقل الجوي من قبل الطرفين يترك مواطني اليمن العاديين عالقين في وسط النزاع، ويعرقل قدرتهم على الوصول إلى الرعاية الطبية والسلع الأساسية أو حتى لمّ شمل الأسر.

إطلاق خدمة ستارلينك في اليمن وسط معارضات وتحديات

أُطلقت خدمة الإنترنت عبر الأقمار الصناعية “ستارلينك” رسميًا في اليمن، في خطوة مهمة توفر بديلاً لخدمات الاتصالات غير الموثوقة والمُكلفة في البلاد. اعتمدت الحكومة خدمة ستارلينك كحل جوهري للوصول إلى خدمة الإنترنت، وخاصة في المناطق الخاضعة لسيطرتها والتي تأثرت بشدة بالصراع الدائر واحتكار الحوثيين للبنية التحتية للاتصالات.

مرّت خطوة إطلاق خدمة الإنترنت عبر الأقمار الصناعية “ستارلينك” بمراحل متعددة: ففي أوائل أغسطس/آب، أقرت الحكومة منح الترخيص لشركة ستارلينك لتوفير خدمة إنترنت عالية السرعة وبأسعار معقولة لليمنيين في المناطق الخاضعة لسيطرتها؛ وفي أوائل سبتمبر/أيلول، أعلنت وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) التي تديرها الحكومة عن إطلاق المرحلة التجريبية لخدمة الإنترنت عبر الأقمار الصناعية ستارلينك في مناطق سيطرة الحكومة. قبل ذلك، تم تكليف فريق فني مشترك من المؤسسة العامة للاتصالات وشركة ستارلينك باختبار جودة خدمة الإنترنت الجديدة عالية السرعة المقدمة عبر الأقمار الصناعية.

في 18 سبتمبر/أيلول، أعلن رجل الأعمال “إيلون ماسك” أن خدمة الإنترنت عبر الأقمار الصناعية (ستارلينك) أصبحت متاحة رسميًا في اليمن. من جهتها، أكدت المؤسسة العامة للاتصالات التي تديرها الحكومة إطلاق الخدمة، وهو ما يمثل خطوة نوعية نحو توفير إنترنت موثوق وعالي السرعة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

لتسهيل الوصول إلى الخدمة، أجازت الحكومة للموزعين المحليين تقديم خدمات بيع أجهزة ستارلينك وخدمات الدعم الفني. كما أنشئت عملية تسجيل إلزامية لجميع أجهزة ستارلينك، بما في ذلك تلك التي يتم شراؤها من خلال قنوات غير رسمية، وشجعت المستخدمين على الامتثال للأنظمة الجديدة. ومن المتوقع أن يقدم الموزعون باقات اشتراك تراعي الصعوبات الاقتصادية التي يواجهها العديد من اليمنيين، بهدف توسيع نطاق الوصول إلى الخدمة.

عارض الحوثيون بشدة اعتماد خدمة الإنترنت الفضائي، وحذروا من استخدامه عبر وزارة الاتصالات التابعة لهم، مشيرين إلى مخاوف بشأن التجسس والتدخل الأجنبي، وهددوا بحظر الخدمة في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، محذرين المواطنين من التعامل مع شركة ستارلينك التي تقدم خدمات الإنترنت الفضائي، باعتبارها غير قانونية. هذا وقد يؤدي إطلاق خدمة ستارلينك إلى تقويض سيطرة الحوثيين على قطاع الاتصالات وقدرة سلطتهم على مراقبة محتوى الإنترنت.

استخدم الحوثيون البنية التحتية للاتصالات لجمع المعلومات الاستخباراتية والتجسس على المسؤولين الحكوميين واستهدافهم عسكريًا، وبالتالي، ستعمل خدمة ستارلينك خارج نطاق قدرات الحوثيين التنظيمية، وذلك على الرغم من تصريح عضو المجلس السياسي الأعلى للحوثيين/ محمد البخيتي بـ “توسيع رقعة الصراع لتطال مدارات الفضاء الخارجي”. كما استشهد البخيتي بتغريدة للسفارة الأمريكية تعرب فيها عن تهانيها بإطلاق الخدمة كدليل على أنه يجب اعتبارها خطوة عدائية لها علاقة بالصراع القائم في البحر الأحمر.

من خلال تركيز جميع الإيرادات المحصلة من خدمة الإنترنت في صنعاء، تمكن الحوثيون من تأمين مصدر دخل مربح حيث يستحوذون حاليًا على نصيب الأسد بما يقدر بنحو 120 مليار ريال يمني (480 مليون دولار أمريكي بسعر الصرف الداخلي للبنك المركزي في صنعاء) من عائدات الاتصالات السنوية. وبالتالي، فإن أي إقبال كبير على خدمة إنترنت أسرع وأكثر موثوقية وأكثر أمانًا من خلال شركة ستارلينك تهدد الحوثيين بخسارة جزء من هذه الإيرادات. هذا وستصبح تكلفة الإنترنت والمكالمات عبر ستارلينك أقل من تكلفة الخدمة المقدمة من شركة (عدن نت) التي تديرها الحكومة، مما قد يجعلها أجدى للحكومة والشركات والمؤسسات الدولية. يتمثل أحد الخيارات المتاحة للسلطات الحوثية في وقف بيع واستخدام الأطباق اللاقطة والتي تعتبر ضرورية للوصول إلى نظام هذه الخدمة.

تُعتبر اليمن أول دولة في الشرق الأوسط تتمتع بإمكانية الوصول إلى خدمة الإنترنت الفضائي من ستارلينك، ومع تدهور خدمة الإنترنت المقدمة من شركة (عدن نت) و شركة (يمن نت) الخاضعة لسيطرة الحوثيين، وتعتمدان على كابلات بحرية قديمة، ستلقى هذه الخدمة الجديدة غالباً إقبالاً كبيراً من معظم اليمنيين. كما أن إطلاق خدمة ستارلينك يُمكن أن يحدث تحولاً جذرياً في العديد من القطاعات في اليمن، مثل التعليم والرعاية الصحية والاقتصاد، إلاّ أن نجاح الخدمة على المدى الطويل سَيعتمد على القدرة على التعامل مع التحديات السياسية واللوجستية التي يفرضها الصراع المستمر.