الحوثيون يستغلون مزاعم الجاسوسية لشن مزيد من الاعتقالات
استمراراً لنهج الجماعة بتوجيه تهم الجاسوسية لصالح الولايات المتحدة والذي شهدته البلاد على مدى عقود، واصل جهاز الأمن والمخابرات التابع للحوثيين بث اعترافات قسرية لموظفين سابقين لدى السفارة الأمريكية في صنعاء، حيث ركزت آخر سلسلة من الاعترافات التي بُثت في 29 يونيو/حزيران، و14 يوليو/تموز، و17 أغسطس/آب، و1-2 سبتمبر/أيلول، على الجهود المزعومة للتأثير على السياسة والثقافة والمجتمع والتعليم في اليمن، علماً أن الاعترافات السابقة تضمنت مزاعم عن محاولات للتأثير على الاقتصاد اليمني وبالأخص قطاع الزراعة.
في إطار مزاعم التدخلات للتأثير على ثقافة المجتمع، تناول المعتقلون اليمنيون (الذي أشير إليهم بالجواسيس في مقاطع الفيديو) كيفية تنسيق الملحقين الثقافيين والإعلاميين بالسفارة مع وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية – حسب إفادتهم – حيث أشاروا إلى أن دورات تعليم اللغة الإنجليزية التي توفرها معاهد مثل المعهد اليمني الأمريكي للغات (يالي أو YALI) والمؤسسة الامريكية – الشرق أوسطية لخدمات التعليم والتدريب (أمديست أو AMIDEAST) تستهدف “ضرب الثقافة اليمنية القائمة واستبدالها بثقافة أخرى أمريكية” ، وفقا لمضمون الاعترافات (القسرية) التي أوردتها وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) التابعة للحوثيين.
زعم المعتقلون أيضا أن الولايات المتحدة سعت إلى نشر تعزيز الشذوذ الجنسي في المجتمع اليمني، وأنها استهدفت الواقع الاجتماعي في اليمن، ولا سيما فئة الشباب والنساء من خلال برامج ومشاريع تنفذها منظمات المجتمع المدني، إضافة الى تنفيذ دراسات ومسوحات ميدانية عن المجتمع، بحسب المعتقلين. وأضافوا أن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية حاولت أيضا استهداف القبائل اليمنية واستقطاب مشايخ ووجاهات اجتماعية أخرى.
تضمنت سلسلة أخرى من الاعترافات مزاعم باستقطاب الولايات المتحدة لقيادات حزبية سياسية يمنية واستهداف البرلمان ومؤتمر الحوار الوطني (2013-2014). في إطار مزاعم الاستهداف الأمريكي لقطاع التعليم باليمن، تناول المعتقلون كيف تم تصميم برامج المنح الدراسية التي تمولها الولايات المتحدة لابتعاث اليمنيين للدراسة في أمريكا أو في مؤسسات مثل الجامعة الأمريكية في بيروت والجامعة الأمريكية في القاهرة، من أجل تأهيل عدد كبير من الشباب اليمني الموالين للولايات المتحدة، وتوليهم مناصب حكومية عند عودتهم.
تجدر الإشارة إلى ان الجماعة بدأت ببث الاعترافات القسرية في 10 يونيو/حزيران الماضي، عقب اعتقال عشرات النشطاء اليمنيين وعاملين في المنظمات غير الحكومية والمنظمات الدولية ووكالات الأمم المتحدة على أيدي قوات الأمن الحوثية، في إطار حملة واسعة طالت المجتمع المدني، علماً بأنه في الأيام التي سبقت حملة الاعتقالات، أصدرت المحكمة الجزائية المتخصصة في صنعاء (التابعة للحوثيين) أحكاماً بالإعدام على 44 شخصا بتهمة التجسس والتخابر.
استثمر المسؤولون الحوثيون تهم الجاسوسية لتوسيع دائرة الاعتقالات الجماعية لتطال يمنيين تطّلب عملهم السابق – أو يتطلّب عملهم الحالي – التواصل مع جهات تتبع لدول أو جهات أجنبية. في أوائل يوليو / تموز الفائت، اختطفت سلطات الحوثيين مدير صحة الأسرة بوزارة الصحة التابعة لسلطة الجماعة “أشرف زبارة” من منزله، علماً بأن زبارة كان يعمل سابقاً لدى الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، وعيّنه الحوثيون عام 2016، للإشراف على مكتب منظمة الصحة العالمية بمحافظة صنعاء. على ضوئه، يعكس اعتقاله توسع حملة الحوثيين الرامية إلى ترهيب العاملين في قطاع المعونة والمساعدات ومساعيهم لاستبدالهم بشخصيات موالية للجماعة.
يحوم الغموض ما يخص استراتيجية الأمم المتحدة لإطلاق سراح الموظفين المعتقلين وضمان سلامة بقية موظفيها العاملين في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، علماً بأن المنسق المقيم للأمم المتحدة في اليمن “جوليان هارنيس” – الذي تولى منصبه في فبراير / شباط – عقد اجتماعات عدة مع جميع الموظفين الأمميين العاملين في اليمن، وشجعهم على مواصلة أداء مهامهم كالمعتاد والتعاون مع سلطات الحوثيين. جاء ذلك في ظل معلومات عن تغلغل موالين للجماعة ضمن كوادر وفِرَق الأمم المتحدة، مما زعزع ثقة الكثيرين وأثار مخاوفهم من التحدث والتعبير عن آرائهم. يُذكر أن أحد كبار الموظفين الأمميين ندّد علنا بطريقة تعامل الأمم المتحدة مع تدخلات الحوثيين وترك منصبه منذ ذلك الحين.
في 17 يوليو / تموز، أحكم المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي (سكمشا) التابع لسلطة الحوثيين سيطرته على قطاع المعونة والمساعدات الإنسانية، من خلال المطالبة بالإفصاح عن الهيكل الوظيفي لكل منظمة واشتراط أخذ “الموافقة المسبقة من الأمانة العامة للمجلس الأعلى (لإدارة و تنسيق الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي) قبل استكمال إجراءات توظيف أي كوادر محلية أو أجنبية”. يتضح مجدداً أن الهدف هو ترهيب العاملين في تلك المنظمات، واستبدال غير الملتزمين بتوجهات الحوثيين بآخرين موالين، وربما اختيار أفراد معينين لاختطافهم واستخدامهم كورقة ضغط في إطار الحملة.
مطلع أغسطس / آب، أوردت تقارير عن منع سلطات الحوثيين جميع العاملين الأجانب في قطاع المعونة والإغاثة من مغادرة صنعاء، واستدعائها جميع موظفي الأمم المتحدة المحليين والأجانب في المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة لحضور اجتماعات إلزامية بقيادة المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي (سكمشا). وورد أن المسؤولين الحوثيين شجعوا وكالات الأمم المتحدة خلال هذه الاجتماعات على إصدار بيانات تدين الحرب الاسرائيلية على غزة، واشتكوا من تركيز هذه الوكالات على خلق فرص للنساء، وعمّموا خطا ساخنا للناس للإبلاغ عن أي “أنشطة تجسس”. كما طُلب من الحاضرين في بداية الاجتماعات ترديد شعار الحوثيين (المعروف بالصرخة). تجدر الإشارة هنا إلى أن جماعة الحوثيون أعلنت في 9 أكتوبر/تشرين الأول، إلغاء المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي (سكمشا)، وحوّلت مسؤولياته ومهامه إلى عُهدة وزارة الخارجية التابعة لسلطتها.
في 13 أغسطس/آب، اقتحمت قوات الأمن الحوثية مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان بصنعاء، وأجبرت الموظفين على تسليم جميع وثائق وأجهزة العمل. في وقت لاحق، أعلن وزير الخارجية المعين حديثا في سلطة الحوثيين جمال عامر، أن مقر المفوضية قد أعيد تسليمه للمنسق المقيم للأمم المتحدة بعد التوصل إلى تفاهم بشأن “تعزيز التعاون” بين الأمم المتحدة و سلطة الحوثيين.
الحوثيون يعيدون تشكيل الحكومة ويدخلون تعديلات في السلك القضائي بصنعاء
بعد عام تقريبا من تعهد عبد الملك الحوثي بـ “تغييرات جذرية“، وإقالة رئيس الوزراء آنذاك عبد العزيز بن حبتور وحكومته، أعلنت سلطات الحوثيين في 10 أغسطس/آب، عن تشكيل حكومة جديدة مصغرة تضم 21 حقيبة وزارية برئاسة أحمد الرهاوي كرئيس للوزراء. رغم أن التعيينات حاولت ظاهرياً الحفاظ على مبدأ تقاسم السلطة مع الحليف الاسمي للحوثيين، حزب المؤتمر الشعبي العام، الذي كان يرأسه الرئيس السابق علي عبد الله صالح، فقد تقلص العدد الإجمالي للشخصيات التابعة لحزب المؤتمر الشعبي العام في تشكيلة الحكومة الجديدة، ولم يتم اختيار سوى أولئك الذين أثبتوا إخلاصهم للجماعة. لقد تبيّن أن هذا لم يعدُ كونه خطوة ظاهرية في التسلسل الهرمي للحكومة الجديدة حين حظر الحوثيين فعاليات الذكرى السنوية لتأسيس حزب المؤتمر الشعبي العام في وقت لاحق من الشهر نفسه.
رُغم أن العديد من مسؤولي الحكومة الجُدد يعتبرون أعضاء في حزب المؤتمر الشعبي العام، ومن خارج طبقة الهاشميين المنحدرين من محافظة صعدة الذين يشكلون الزمرة الحاكمة بسلطة الحوثيين، يظلون فعلياً شخصيات ذات مناصب بلا قرار أو سلطة حقيقية. على سبيل المثال، ينحدر رئيس الوزراء الجديد الرهاوي (الذي كان عضوا في المجلس السياسي الأعلى للحوثيين منذ آذار/مارس 2019) من محافظة أبين، التي تقع على خط المواجهة وسعى فيها الحوثيون إلى استغلال الانقسامات بين الحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي لأكثر من عام، وبالتالي، يُنظر إلى الرهاوي (الذي عينته الجماعة محافظا لأبين طوال فترة الحرب) باعتباره شخصية ضعيفة لا تربطه صلات قوية مع القبائل. علاوة على ذلك، عُيّن رجل الدين الزيدي البارز محمد أحمد مفتاح نائبا أول لرئيس الوزراء، إلى جانب محمد حسن إسماعيل المداني (وهو أحد أصهار أسرة الحوثيين) الذي عُين أيضا نائبا لرئيس الوزراء في الحكومة الجديدة.
تضمنت التغييرات أيضا هيكل وزارة الخارجية التابعة لسلطة الجماعة، حيث تم تعيين عبد الواحد أبو راس – من مواليد الجوف ومن ذوي، الخلفية العسكرية والأمنية والسياسية – نائباً لوزير الخارجية خلفاً لحسين العزي الذي عُرف عنه نشاطه الكبير على وسائل التواصل الاجتماعي، وكان ناطقاً بارزاً باسم الجماعة لدى الأجانب وحتى اليمنيين. في المقابل، كان أبو راس عضوا في وفد الحوثيين المشارك في مؤتمر الحوار الوطني (2013-2014)، ويعتبر حالياً قياديا بارزا في جهاز الأمن والمخابرات الحوثي، حيث تشمل مسؤولياته تنسيق أنشطة الحوثيين مع مختلف الجهات الافريقية، بما في ذلك حركة الشباب (فرع تنظيم القاعدة في الصومال).
من جهة أخرى، عُين جمال عامر وزيراً للخارجية في الحكومة الجديدة، وهو صحفي سابق عُرف عنه العمل في جهاز المخابرات التابع لنظام الرئيس السابق صالح، وكان مقربا منه، لكن ولاءه تحوّل في نهاية المطاف إلى عبد الملك الحوثي قبل أن يُقتل صالح على يد الجماعة أواخر 2017. قبل تعيينه في منصبه الجديد، عُهد إلى عامر كتابة وصياغة خطابات رئيس المجلس السياسي الأعلى للحوثيين “مهدي المشاط”، وأوردت تقارير أن عامر قاد حملة شائعات ضد “حسين العزي” ووزير الخارجية السابق بسلطة الجماعة “هشام شرف”، تنتقد فشلهما في الدفاع عن حكومة الحوثيين أمام المجتمع الدولي وكسر جدار عزلتها.
شهد قطاع التعليم أيضا بعض التغييرات المثيرة للجدل، مع إقالة يحيى الحوثي، (شقيق زعيم الجماعة) من منصبه كوزير للتربية والتعليم، وهي الحقيبة الوزارية التي تم دمجها الآن مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ووزارة التعليم الفني والتدريب المهني، وأصبحت تعرف الآن بمسمى وزارة التربية والتعليم والبحث العلمي (التابعة لسلطة الحوثيين).
تم تعيين حسن عبد الله يحيى الصعدي كَوزير خلفا ليحيى الحوثي، وهو منصب يمنحه سلطة أكبر لا سيما وأن تقارير تفيد بأنه أحد مهربي الأسلحة الرئيسيين في الجماعة ومسؤول مالي بارز يُشرف على مواردها الخاصة. بالإضافة إلى مسؤولية تلقين الجيل القادم أيديولوجية الجماعة، سَيشرف الصعدي على برنامج التغذية المدرسية التابع لبرنامج الأغذية العالمي، والذي يوزع جزءا كبيرا من المساعدات الغذائية المقدمة في اليمن رغم التقارير التي تفيد بتحويل جزء كبير من المساعدات لأغراض أخرى.
في أعقاب تشكيل الحكومة الجديدة، أقرّ مجلس النواب الذي يسيطر عليه الحوثيون تعديلات في قانون السلطة القضائية وكشف النقاب عن تعيينات جديدة من شأنها أن تعيد تشكيل السلك القضائي وتسييسه. تمنح التعديلات الأخيرة صلاحيات للمجلس السياسي الأعلى تمكنه من الإشراف على الهيئات القضائية، وتعيين قضاة جُدد من خارج منظومة القضاء، وإنشاء محاكم جديدة دون الرجوع إلى مجلس القضاء الأعلى، الذي كان الجهة المخولة سابقاً بتعيين القضاة. فضلا عن ذلك، تقوّض التعديلات الأخيرة دور نقابة المحامين اليمنيين، عبر منح وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل صلاحية منح تراخيص مزاولة مهنة المحاماة، والسماح للقضاة بمنع المحامين من ممارسة المهنة لمدة ثلاث سنوات أو حضور جلسات استجواب المشتبه بهم في قضايا أمنية.
بدا واضحاً أن معظم المعينين الجُدد في السلك القضائي ينحدرون من أسر هاشمية تُعتبر موالية لجماعة الحوثيين، وعلى ضوئه، ندد نادي قضاة اليمن – أحد المؤسسات الرئيسية بالجمهورية التي لا يزال مقرها في صنعاء – بالتعديلات باعتبارها “انقلاب قضائي ممن أطلق على نفسه مجلس الوزراء”، متهما سلطة الحوثيين بمحاولة إستعادة نظام العدالة الإسلامي الذي كان قائما في عهد الإمامة، حيث لم يكن هناك تمثيل قانوني بالمعنى المعاصر، وكان الحُكم متروكا لتقدير القاضي.
من جانبه، أصدر اتحاد المحامين العرب بيانا يؤيد فيه موقف نادي قضاة اليمن، قائلا إن هذه التحركات هي انقلاب على التعددية السياسية وعودة إلى الأنظمة القضائية السابقة. من ناحية أخرى، قال بيان صادر عن وكالة الأنباء اليمنية “سبأ” التي يديرها الحوثيون، إن التعديلات هدفت إلى إصلاح الاختلالات وأوجه القصور التي تعتري المنظومة العدلية وإحقاق الحقوق وإنصاف المظلومين – وفق البيان.
في جميع الأحوال، يسعى الحوثيون من خلال هذه التعيينات والتعديلات في القانون ذي الصلة، إلى إحكام سيطرتهم على المناصب الأمنية والقضائية والإدارية الرئيسية، حيث اعتُمدت هذه التعديلات في وقت يُشيطن فيه الحوثيون ما يصفونه بالتأثير الخارجي، ويعتقلون يمنيين عاملين لدى منظمات دولية أو تربطهم علاقات معها، كوسيلة لإحكام قبضتهم على قطاع المعونة والمساعدات الإنسانية وعلى المجتمع المدني.
اختفاء قائد عسكري موال للحكومة يثير استياء عاماً ضد المجلس الانتقالي الجنوبي
أثار اختطاف قائد عسكري بارز موال للحكومة في يونيو/ حزيران، استياءً شعبياً تطور إلى تحدّ مباشر لنفوذ المجلس الانتقالي الجنوبي في أبين وأجزاء من عدن. كان المقدم علي عبد الله عشال الجعدني (المنحدر من قبيلة ذات نفوذ في أبين ) قائد كتيبة في الدفاع الجوي وموال للحكومة، وقد أختُطف على أيدي مسلحين في 12 يونيو / حزيران، من حي المنصورة في عدن.
سرعان ما تحوّل الغضب من احتمال تعرض الجعدني للاختفاء القسري إلى احتجاجات في الشوارع في المحافظتين. على إثره، أوقفت اللجنة الأمنية العليا التابعة للحكومة في 9 يوليو / تموز، قائد وحدة مكافحة الإرهاب في قوات المجلس الانتقالي الجنوبي “يسران المقطري”، وأحالته للتحقيق على خلفية الاشتباه بضلوعه في عملية اختطاف الجعدني. كما أمرت اللجنة الأمنية العليا بضبط آخرين مشتبه بهم، من ضمنهم سميح عيدروس النورجي، الذي كان قد استجوب قبلها بأسابيع، قبل أن بُطلق سراحه بضمانة من المقطري.
في 11 يوليو/ تموز، صدر قرار من النائب العام “قاهر مصطفى”، قضى بتكليف رئيس المكتب الفني بديوان النيابة العامة للتحقيق في قضية اختفاء الجعدني ، بعد أن أصبحت قضية رأي عام، ووجّه بالنظر في أي انتهاكات متعلقة بالقضية إلى جانب زيارة جميع مراكز الاحتجاز المعروفة في عدن لضمان أن يكون جميع المعتقلين قد تم احتجازهم بمبررات وبموجب القانون.
بحلول أوائل أغسطس / آب، دعى المحتجون إلى تنظيم “مسيرة مليونية” في أول تحدّ شعبي للمجلس الانتقالي الجنوبي بعدن، منذ سيطرة المجلس الانفصالي المدعوم إماراتياً على العاصمة المؤقتة في عام 2017، وفي محاولة لاحتواء الاحتجاجات المتنامية وإظهار اهتمام المجلس الجادّ بالقضية، أعلن مدير أمن عدن اسم المقطري كَمشتبه رئيسي في قضية اختفاء الجعدني، مشيراً إلى أنه فرّ من البلاد. في اليوم نفسه، وجّه محافظ عدن أحمد لملس الأجهزة الأمنية بمنع التظاهرات الشعبية، ما دفع مدير عام الأمن والشرطة بمحافظة أبين “أبو مشعل الكازمي” إلى إعلان تعليق التنسيق الأمني مع عدن. في الاحتجاجات التي أعقبت ذلك، أردت قوات الأمن التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي قتيلين وأصابت خمسة آخرين، في ساحة العروض بمديرية خور مكسر في 3 أغسطس/آب، قبل أن يأمر رئيس المجلس عيدروس الزبيدي قوات الأمن بالانسحاب.
استغل معارضو المجلس الانتقالي الجنوبي في عدن وأبين حالة الاستياء الشعبي لتحقيق أهداف سياسية والتركيز على المظالم التي تحدث، وأصدر مجلس المقاومة الشعبية – إقليم عدن المناهض للحوثيين – بقيادة الشيخ حمود المخلافي الذي تربطه صلات مع حزب الإصلاح – بيانا تضامنيا مع أسرة الجعدني وقبائل أبين، داعياً إلى الإفراج عن جميع المخفيين قسرا في كافة المعتقلات والسجون السرية. كما أعلن رجل الأعمال البارز والمنحدر من محافظة أبين الشيخ “أحمد العيسي” – المعروف بِمناهضته للمجلس الانتقالي – عن إنشاء فرع للائتلاف الوطني الجنوبي في أبين في أوائل سبتمبر / أيلول، بعد تسجيل 15000 عضو جديد منشق عن المجلس الانتقالي المطالب بالانفصال في الأسابيع السابقة – حسبما ورد.
كان العيسي – الذي تربطه علاقات بالرئيس السابق عبد ربه منصور هادي – قد أسس الائتلاف الوطني الجنوبي في مايو/أيار 2018، وزعم مصدر من أوساط الأعمال التجارية باليمن عن ضخ أموال من السعودية ومن أبناء الرئيس السابق هادي إلى أبين للمساعدة في تنظيم المزيد من الاحتجاجات. بالفعل في 7 سبتمبر/أيلول، نُظمت مظاهرة جماهيرية أخرى وُصفت بالمسيرة المليونية في مدينة زنجبار عاصمة محافظة أبين، حيث دعا المنظمون قبلها جميع الأسر التي لديها أقارب محتجزون لدى المجلس الانتقالي الجنوبي إلى المشاركة في المسيرة.
هذا ولا تزال ملابسات اختطاف الجعدني ومصيره مجهولين، لكن القضية سلطت الضوء على حالة الاستياء في أبين وكذلك في يافع – لحج تجاه القيادات السياسية والأمنية للمجلس الانتقالي الجنوبي، المنحدرين بشكل أساسي من الضالع. على سبيل المثال، أورد صحفيون ونشطاء محليون أن الشركات ذات الفرص التجارية المربحة تحصل على تراخيص فقط في حال ضمّت شركاء من المقربين أو المحسوبين على قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي، وبالتالي، قد تحفز قضية الجعدني المطالبات بإجراء إصلاحات في قطاع الأمن والنظام القضائي.
تنافس القيادات المحلية على مستقبل حضرموت
في أعقاب الغارات الإسرائيلية على ميناء الحديدة والضغوط السعودية على البنك المركزي بعدن، للتراجع عن قراراته ضد البنوك في صنعاء، قام رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي بزيارة مفاجئة إلى حضرموت في 27 يوليو / تموز، – هيأت المشهد لمواجهة بين المحافظ مبخوت بن ماضي ووكيل المحافظة عمرو بن حبريش. غذى توقيت زيارة العليمي شائعات حول وجود محادثات لاستئناف صادرات النفط من حضرموت الغنية بالنفط، في إطار ترتيبات محتملة لتقاسم العائدات مع سلطة الحوثيين (علماً بأن صادرات النفط توقفت منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2022، بعد استهداف الحوثيين موانئ لتصدير النفط في حضرموت وشبوة المجاورة بالصواريخ والطائرات المسيرة).
تضمنت الشائعات أيضاً ترتيبات لصفقة قد تشهد رفع الحوثيين حصارهم الفعلي على قطاع النفط مقابل دفع السعودية لرواتب الموظفين العموميين في مناطق سيطرة الجماعة. على إثره، استغلت القوى الحضرمية زيارة العليمي للتنديد بما ينظرون إليه على أنه فساد من قبل الحكومة المركزية والسلطة المحلية وفشل في توفير الخدمات، محذرة من تقاسم عائدات النفط مع الحوثيين.
تعتبر حضرموت واحدة من أغنى محافظات اليمن بسبب احتياطياتها من النفط والغاز، ونشأت توترات بين الممثلين المحليين في المحافظة والحكومة المركزية فيما يتعلق بصرف العائدات النفطية ودرجة تمتع المحافظة بالحكم الذاتي المحلي. فضلا عن ذلك، برزت حضرموت مراراً كمسرح للتنافس السياسي بين السعودية والإمارات ووكلائهما المحليين. يتواجد المجلس الانتقالي الجنوبي وقوات النخبة الحضرمية المدعومين من الإمارات في المحافظة، إلى جانب قوات مرتبطة بحزب الإصلاح وموالية للحكومة المعترف بها دوليا، وكثيرا ما رفض المجلس الانتقالي الجنوبي وحزب الإصلاح وجود بعضهما البعض.
في 31 يوليو / تموز، أصدر حلف قبائل حضرموت – بقيادة بن حبريش – بيانا تحذيرياً مُوجهاً للعليمي، يهدد فيه بوقف شحنات النفط الخارجة من المحافظة إلى بقية مناطق البلاد ما لم يتم حل أزمة الكهرباء في المحافظة. تجاهل العليمي مهلة الـ 48 ساعة الممنوحة له للرد على بيان الحلف، وعلى ضوئه، أقامت قبائل تابعة للحلف نقاط مسلحة في المناطق المنتجة للنفط لمنع خروج شحنات النفط الخام إلى خارج المحافظة. بسبب تلك النقاط المسلحة، لم يتمكن العليمي من القيام بزيارات إلى شركة بترومسيلة النفطية ومواقع أخرى، كانت مقررة بصحبة المحافظ بن ماضي الذي أبدى زعماء القبائل الحضرمية رغبتهم باستبداله بشخص أكثر استقلالية عن السعودية ومجلس القيادة الرئاسي.
في نفس السياق، أعلن مؤتمر حضرموت الجامع – وهو تكتل سياسي مؤلف من ممثلين عن القبائل وسياسيين وأكاديميين وزعماء دينيين ونشطاء، وبقيادة بن حبريش أيضاً – عن إجراءات تصعيدية في أعقاب انتهاء مهلة الـ 30 يوما الممنوحة لمجلس القيادة الرئاسي (في 11 أغسطس/آب)، لحل أزمة تدهور الخدمات والظروف المعيشية. على غرار حلف قبائل حضرموت، طالب مؤتمر حضرموت الجامع أعضاء مجلس القيادة الرئاسي بالتحرك واتخاذ تدابير نيابة عن الحضارم وإلاّ مواجهة المعارضة ضدهم، معلناً نيته البدء بتنظيم احتجاجات ومظاهرات عامة أولها في 13 أغسطس/آب، في المكلا. في نهاية يوليو/تموز، أصدر مؤتمر حضرموت الجامع تقريرا يزعم وجود نمط ممنهج من الفساد وسوء الإدارة من قبل المحافظ بن ماضي.
في 17 أغسطس/ آب، أوردت تقارير أن حلف قبائل حضرموت سمح بمرور شحنات المازوت من شركة بترومسيلة إلى محطات توليد الكهرباء في ساحل حضرموت، بعد أن حمّلت شركة النفط والمؤسسة العامة للكهرباء الحلف مسؤولية انقطاع الكهرباء. في سبتمبر/ أيلول، نظّمت عدد من القبائل اعتصامات ولقاءات ترفض بشكل غير مباشر نهج بن حبريش وتؤيد موقف بن ماضي المتمثل في توحيد صف القوى الفاعلة الحضرمية.
في 12 سبتمبر/أيلول، أعرب أعيان قبائل سيبان ومشائخ آل العمودي عن دعمهم لبن ماضي والسلطة المحلية، وتبنى أعيان قبيلة آل العطاس موقفاً مماثلاً في 17 سبتمبر/أيلول؛ وفي اليوم نفسه، التقى بن ماضي بأعيان قبيلة ثَعين، الذين قدموا له مبادرة “توحيد الصف“، والتي تضمنت إزالة النقاط المسلحة التابعة لحلف قبائل حضرموت وتسليمها إلى قوات النخبة الحضرمية.
في 14 سبتمبر / أيلول، أرسلت شركة النفط اليمنية التابعة لوزارة النفط والمعادن رسالة إلى مدير شركة بترومسيلة وكذلك إلى قائد المنطقة العسكرية الثانية المتمركزة في المكلا، ورئيس مركز العمليات المشتركة، وبن حبريش، لإطلاعهم على الوضع. زعمت الوثيقة أنه تم احتجاز ما مجموعه ست من القواطر الناقلة للنفط منذ 28 أغسطس/ آب، والتي كان مخصصة لتزويد محطات الطاقة بالوقود حيث لم يُسمح لها بالدخول لمحطات التحميل.
تطورات أخرى
9 يوليو / تموز: افتتحت جماعة الحوثيين مكتبا لها في في المنطقة الخضراء بالعاصمة العراقية بغداد، حيث جرى تدشينه بحضور أبو إدريس الشرفي، الممثل الشخصي لعبد الملك الحوثي في العراق، والذي تولى سابقا الإشراف على التصنيع العسكري للجماعة.
25 يوليو / تموز: أعلنت الخطوط الجوية اليمنية استئناف الرحلات من مطار صنعاء بعد تدخل السعودية في النزاع المستمر منذ أسابيع بين مكتبيها الخاضعين لسيطرة الحكومة وسلطة الحوثيين. بعد فترة وجيزة من إعادة فتح مطار صنعاء، أفادت وسائل الإعلام المناهضة للحوثيين أن طائرة للخطوط اليمنية (غير مُعلن عن مسار رحلتها) هبطت في العاصمة اللبنانية بيروت قبل أن تعود إلى صنعاء، وهو ما أثار تكهنات عن نقل أفراد أو أسلحة أو أموال من حزب الله أو الحرس الثوري الإيراني.
30 يوليو / تموز: رفع مجلس الأمن الدولي اسم الرئيس السابق علي عبد الله صالح وابنه أحمد علي صالح من قائمة الأفراد والكيانات الخاضعة لعقوبات دولية. كان أحمد علي صالح – قائد قوات الحرس الجمهوري خلال فترة حكم والده وسفير اليمن لدى الإمارات عام 2013 – قد أُدرج في قائمة العقوبات الدولية في أبريل/نيسان 2015، وأمضى السنوات المنصرمة تحت الإقامة الجبرية في أبو ظبي. هذا ولا يُستبعد أن تُغير خطوة رفع العقوبات أركان السياسة في معسكر الحكومة.
25 أغسطس/آب: نَجح وسطاء محليون بمأرب في التفاوض على إطلاق سراح اثنين من موظفي منظمة “أطباء بلا حدود” – ألماني وميانماري – كانا قد أُختطفا في أغسطس/ آب 2023، من قبل جماعة مسلحة مجهولة، أثناء سفرهم من مدينة سيئون في حضرموت إلى مدينة مأرب.
27 أغسطس / آب: قام رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي بزيارة إلى محافظة تعز (مسقط رأسه)، هي الأولى منذ توليه رئاسة المجلس في أبريل/ نيسان 2022. استغل العليمي الزيارة للإعلان عن عدة مشاريع تنموية وإنسانية شملت مستشفى ومحطة كهرباء وإعادة تأهيل المعهد التقني الصناعي. كما اتخذ العليمي تدابير لنزع فتيل التوترات المتأججة حول المباني الحكومية والخاصة التي احتلتها (وفي بعض الأحيان نهبتها) عناصر محور تعز العسكري الموالي للإصلاح. رغم ذلك، لقيت زيارة العليمي نصيبها من الانتقادات عبر منصات الإنترنت بسبب طبيعتها خاصة أنه وصل المحافظة يرافقه موكب عسكري مدجج بالسلاح يضم جنودا سعوديين.
27 أغسطس / آب: تسلّم وزير الخارجية الجديد في سلطة الحوثيين “جمال عامر” أوراق اعتماد سفير الجمهورية الإسلامية الإيرانية “علي محمد رمضاني” لدى صنعاء. كان المنصب شاغرا منذ وفاة السفير الإيراني السابق في اليمن “حسن إيرلو” في ديسمبر/كانون الأول 2021، عقب إجلائه من صنعاء إلى إيران بسبب مضاعفات صحية نتيجة إصابته بفيروس كورونا.
26 سبتمبر / أيلول: اعتقلت قوات الحوثيين العشرات من الاشخاص خلال الأيام التي سبقت الاحتفالات السنوية بذكرى الثورة الجمهورية لعام 1962. تزايدت حدة القمع هذه المرة مقارنة بالسنوات الماضية، في انعكاس واضح للحساسية المتزايدة لدى الجماعة تجاه أي معارضين سياسيين.