دمار واسع النطاق في جميع أنحاء اليمن بسبب السيول
في الفترة يوليو تموز – سبتمبر/أيلول 2024، تعرضت اليمن لدمار واسع النطاق بسبب الأمطار الغزيرة والسيول العارمة. ووفقًا للأمم المتحدة، فقد مُني أكثر من نصف مليون يمني بخسائر كبيرة شملت وفيات، فضلا عن تعطل الخدمات العامة وحدوث أضرار جسيمة بالزراعة والمنازل والمعالم التاريخية. تكمن نقاط ضعف تعامل اليمن مع الأزمة في شدة هطول الأمطار وليس كميتها، إلى جانب الإطار الزمني القصير لِحدوث السيول.
بحلول منتصف أغسطس/ آب، بلغ عدد القتلى المدنيين زهاء الـ 100 ، فضلاً عن إصابة 600 شخص وتضرر حوالي 69500 أسرة بفقدان منازلهم أو سبل عيشهم، فضلا عن نزوح أكثر من 6000 أسرة في الحديدة، و3500 أسرة في حجة، وأكثر من 7000 أسرة في مأرب. كانت المنازل أكثر عرضة للانهيار في مناطق مثل تهامة والجوف، نظرًا لأن 80% من عموم المنازل في هذه المناطق هي بيوت طين.
حذرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من تأثير الأمطار على الظروف المعيشية للنازحين داخلياً ممن شردهم الصراع أساساً، حيث أصبحت 85% من الأسر النازحة غير قادرة على تلبية احتياجاتها الغذائية اليومية. تضررت آلاف المخيمات وأماكن الإيواء المخصصة للنازحين داخليًا في جميع أنحاء البلاد، فَفي مديريات حرض وميدي وحيران وعبس بمحافظة حجة، أدت الأمطار الغزيرة والفيضانات والرياح القوية إلى اقتلاع الخيام وتعطيل الخدمات العامة. وفي عمران، تضررت 800 أسرة من الأمطار الغزيرة بحيث أصبحت 300 أسرة منها تقطن في مخيمات للنازحين داخليًا. أما في صعدة، فقد أثرت الفيضانات على 2000 أسرة، وألحقت أضراراً بألف مأوى وأسفرت عن وفاة ثلاثة من النازحين داخليًا.
في غضون ذلك، ظلت جهود الاستجابة الميدانية لتأثير الأمطار دون المستوى المطلوب، وأعرب مدير عام فرع الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين داخليًا بمحافظة حجة “عبده مساوي” عن استيائه من الاستجابة الضعيفة لهذه الكارثة الإنسانية، مشيرا إلى إنه رغم مرور 24 ساعة على نداء الاستغاثة الذي وجهته الوحدة التنفيذية، فإنها لم تتلق أي استجابة سواء من الحكومة أو المنظمات الإنسانية.
الآثار المدمرة للسيول على الزراعة – العمود الفقري والحيوي للمجتمعات اليمنية
خلفت آثار السيول خسائر فادحة على الزراعة التي تشكل مصدرا رئيسيا للدخل وشريان حياة معظم المجتمعات اليمنية. فقد غمرت الأمطار الغزيرة في محافظة ريمة المدرجات الزراعية، وأدت إلى إغلاق العديد من الطرق، وجرف الشاحنات المحملة بالمنتجات الزراعية القادمة من محافظة صعدة. وفي مديريتي الزيدية وبيت الفقيه في الحديدة، غمرت السيول مئات المزارع التي تزرع فيها أشجار المانجو والفلفل والمحاصيل النقدية (أي المدرة للدخل). كما أثرت الظواهر المناخية على الثروة الحيوانية، حيث تضرر حوالي 279,400 رأس من الحيوانات المجترة، معظمها من الأغنام والماعز، والتي تُعدّ مصدر رئيسي للدخل والغذاء للمجتمعات الريفية. وفي محافظة تعز، دمرت السيول الجارفة قنوات الري ومساحات كبيرة من الحيازات الزراعية وشبكات إمدادات المياه، بينما طالب المزارعون في عمران بخفض الضرائب حتى يتمكنوا من تعويض خسائرهم. بحسب منظمة الأغذية والزراعة، دُمر نحو 98,726 هكتارا من الأراضي الزراعية، وتضرر 242,57 هكتارا أخرى وهو ما يمثل تقريباً 30% من إجمالي المساحات الزراعية الفعلية في اليمن.
تتحمل المجتمعات الريفية العبء الأكبر من تبعات الظواهر المناخية القاسية في اليمن، وقد أدت الموجة الأخيرة من السيول إلى تأجيل الحصاد والزراعة للموسم المقبل، مما يهدد بتفاقم معدلات سوء التغذية وخاصة بين الفئات الضعيفة. ونظراً لاحتمال حدوث المزيد من هذه الظواهر في المستقبل، من الأهمية بمكان أن تتعاون السلطات والمجتمعات المحلية في استحداث الآليات اللازمة للتخفيف من التأثير المتزايد لتغيرات المناخ. ينبغي أن يشمل ذلك الحفاظ على أودية اليمن، والتعامل مع المشاكل في قنوات/ شبكات تصريف المياه، وتطبيق الممارسات التقليدية لتجميع المياه (الحصاد المائي) واعتماد تكنولوجيات تصريف المياه. كما يتطلب الأمر مراجعة الهياكل المبنية على المصاطب المرتفعة، في الأودية، أو بالقرب من قنوات تصريف السيول، ويشمل ذلك المناطق التي تستضيف مخيمات النازحين داخلياً.
عودة ظهور الكوليرا
تزامناً مع تأثير الظواهر المناخية القاسية التي أدت إلى تدمير الأراضي والمجتمعات في جميع أنحاء البلاد، ظلت الكوليرا أزمة كامنة. فَبين عامي 2016 و2021، بلغ عدد حالات الإصابة بالكوليرا في البلاد 2,5 مليون حالة، منها 4,000 حالة وفاة، بينما بلغ العدد الإجمالي للحالات المشتبه بها منذ يناير/كانون الثاني من هذا العام 183,702 حالة، من بينها 629 حالة وفاة. تتركز 80% من تلك الحالات في المناطق الشمالية الخاضعة لسيطرة الحوثيين، ويعد الصراع العسكري طويل الأمد أحد الأسباب وراء ارتفاع حالات الإصابة بالمرض بسبب الأضرار البالغة التي لحقت بأنظمة الصرف الصحي وانهيار نظام الرعاية الصحية الهش أساساً في اليمن.
تسببت الحرب في موجة هائلة من النزوح الداخلي، علماً أن اليمن يستوعب اليوم حوالي 4,5 مليون من النازحين داخلياً واللاجئين. وعلى ضوئه، تسببت حالات الاكتظاظ في المخيمات، وعدم كفاية مرافق الرعاية الصحية، ومحدودية الوصول إلى المرافق الأساسية مثل المياه النظيفة والصرف الصحي، في جعل مخيمات النازحين داخليًا بؤرًا لانتشار الكوليرا والأمراض المعدية الأخرى، مما أدى إلى تفاقم أزمة الصحة العامة في اليمن.
هذا وحذرت منظمة الصحة العالمية من عودة تفشي الكوليرا في اليمن في ظل تفاقم الوضع بسبب السيول وموسم الأمطار. في يوليو/تموز، صرّح مدير مكتب الصحة في مديرية الخوخة بمحافظة الحديدة “عبد الله زهير”، بأن المركز الطبي بالمديرية يواجه وضعًا صحيًا “كارثيًا” وسط ضعف الإمكانيات الطبية، مشيرًا إلى استقبال المركز لأكثر من 800 حالة خلال الشهرين الماضيين. كما أكد طبيب يعمل في نظام المراقبة الوبائية أن الأمطار الغزيرة الأخيرة وسوء خدمات الصرف الصحي ساهما في انتشار المرض في الخوخة، محذراً من الوضع كون المديرية – التي تستضيف عشرات المخيمات ومراكز إيواء النازحين داخليًا – بها مركز صحي واحد فقط يعمل بأقصى طاقته الاستيعابية.
في مأرب، أفاد مدير مكتب الصحة بالمحافظة “أحمد العبادي” عن رصد 591 حالة إصابة منذ بداية العام، منها 7 حالات وفاة، وبذلك تصدر وباء الكوليرا قائمة الأمراض المتفشية في المحافظة يليه حمى الضنك والحصبة والدفتريا (أو الخُنَّاق). وبحسب تقارير، أصبح المستشفى الجمهوري في صنعاء (أحد أكبر المستشفيات في اليمن) عاجزا عن استيعاب مرضى الكوليرا بسبب الزيادة في حالات الإصابة. كما تشهد محافظات تعز وذمار وإب ارتفاعاً في حالات الإصابة بالمرض.
الحاجة لإجراءات عاجلة
في إحاطة أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بتاريخ 15 أغسطس/آب، قالت المسؤولة في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية “ليزا دوتن” إن الافتقار إلى التمويل الكافي يقوض الجهود الرامية إلى تلبية الاحتياجات الإنسانية لليمنيين الذين يعانون بشكل مضاعف جراء آثار الحرب والأزمة البيئية المتفاقمة، فَبمرور ثمانية أشهر من العام، لم يتم تمويل سوى 27% من خطة الاستجابة الإنسانية التي وضعها مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية لعام 2024. في الوقت نفسه، أثبتت الجهود المبذولة لاحتواء وباء الكوليرا عدم كفايتها، فَعلى الرغم من تمويل 60% من خطة الاستجابة للوباء التي تقودها عدة وكالات أممية، إلا أنها تستند إلى تقديرات أقل بكثير لحالات الإصابة الكوليرا من الأرقام الحقيقية حالياً.
يستمر الوضع الإنساني المتردي في اليمن بل وتتفاقم تحدياته في ظل تواتر الظواهر الجوية القاسية، وهو ما يستدعي إدراج مسألة إدارة تأثير التغيرات المناخية في قائمة أولويات أجندة التنمية والمساعدات الإنسانية. يحتل اليمن المرتبة السادسة في مؤشر الدول الهشة من بين 179 دولة حول العالم، ويظل واحدًا من أقل البلدان المستفيدة من صناديق المناخ على مستوى العالم علماً أنه مسؤول عن أقل من 0.03 في المائة من إجمالي انبعاثات الغازات الدفينة عالميًا، وبالتالي، يُمثل مؤتمر الأطراف التاسع والعشرون للمناخ (كوبـ29 أو COP29) – المزمع عقده في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، في أذربيجان – فرصة مهمة لاستقطاب اهتمام المجتمع الدولي إلى المحنة التي تمرّ بها اليمن، وتأمين التمويل اللازم لجهود التعافي والتخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معها.