إصدارات الأخبار تحليلات تقرير اليمن أرشيف الإصدارات
Read this in English

أزمة العملة

سلطة صنعاء تطرح عملة جديدة مع احتدام التوتر بين فرعي البنك المركزي

مع استمرار التصعيد الخطير في ظل احتدام التوتر والتنافس بين البنكين المركزيين (صنعاء وعدن)، تفاقم الوضع فيما يخص النظام المالي اليمني المتشرذم فعليًا، ما يهدد بحرب عملات شاملة. في 31 مارس/آذار، اتخذ البنك المركزي بصنعاء (الذي يسيطر عليه الحوثيون) قرارا مثيرا للجدل بطرح عملة معدنية جديدة لتحل محل الأوراق النقدية التالفة فئة 100 ريال. زعم محافظ البنك المركزي اليمني في صنعاء أن هذه الخطوة كانت تهدف فقط إلى استبدال الأوراق النقدية التالفة ولن تؤثر على أسعار الصرف، مدعياً أن البنك يعمل بشفافية وملتزم بتحقيق الاستقرار الاقتصادي. إلاّ أن التفاصيل الرئيسية لا تزال مبهمة، بما في ذلك عدد الأوراق النقدية المستبدلة، وأثار غياب المعلومات عن كمية العملات المعدنية التي تم سكّها وتأثيرها المحتمل على السيولة الحالية مخاوف بشأن حدوث تضخم. كما برزت مخاوف من أن يعقب طرحها لاحقاً إصدار عملات ورقية جديدة للريال بكميات ضخمة، مما سيهدد ويقوّض الصلاحيات النقدي للبنك المركزي في عدن باعتباره الجهة الوحيدة المسؤولة عن طباعة عملة الريال الوطنية.

عارضت الحكومة المعترف بها دوليا والبنك المركزي اليمني في عدن هذه الخطوة بشدة، ووصف البنك المركزي اليمني في عدن العملة المعدنية بأنها “مزورة” وصادرة عن كيان “”غير قانوني” وحَظَر تداولها، محذراً المؤسسات المالية والمواطنين من تداول العملات المعدنية، لما سيترتب عليها من إرباك وتعقيدات في التعاملات التجارية والمالية بين المناطق في اليمن وزعزعة استقرار نظام الصرف الحالي. سلطت هذه الاتهامات الضوء على الخلاف المتصاعد بين المؤسستين النقديتين وأثارت مخاوف جدية بشأن مستقبل الريال اليمني والنظام المصرفي بشكل عام.

في ظل مزاعم الحوثيين بأن طرح العملة المعدنية يهدف فقط إلى استبدال نسبة صغيرة من الأوراق النقدية التالفة، إلا أن الخطوة تحمل في طياتها تهديدا حقيقيا، حيث قد تكون الخطوة الأولى نحو طباعة المزيد من هذه العملة “البديلة” بفئات أعلى، مما سيؤدي في النهاية إلى إغراق السوق بعملات جديدة وتآكل الثقة في الريال. كما يمكن أن يؤدي التوسع (دون ضوابط) في القاعدة النقدية، إلى جانب تمويل آلة الحرب التي يشنها الحوثيون، إلى تضخم مفرط في المناطق التي تسيطر عليها الجماعة، مما يزيد من زعزعة استقرار الاقتصاد الهش بالفعل.

مما لا شك فيه أن الخطوة المتهورة التي أقدم عليها البنك المركزي اليمني بعدن في وقت سابق – المتمثلة في طباعة كميات كبيرة من الأوراق النقدية الجديدة للريال اليمني لتمويل العمليات – كانت لها تداعيات سلبية ونتائج عكسية هائلة. فقد تسبب التوسع النقدي الهائل في انخفاض قيمة العملة، مما أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية وزعزعة استقرار الاقتصاد في نهاية المطاف. وأدى حظر الحوثيين للعملة المطبوعة حديثا في يناير/ كانون الثاني 2020، إلى نشوء منطقتين نقديتين بأسعار صرف مختلفة، ويعوق هذا الانقسام النقدي المستمر بشكل كبير قدرة البنكين المركزيين على إدارة السياسة النقدية ويلقي بظلاله على أي خطط مستقبلية لإعادة توحيد البنك المركزي.

تفاقم الخلاف حول العملة المعدنية الجديدة (فئة 100 ريال) التي طرحتها سلطات الحوثيين بعد إنذار أصدره البنك المركزي اليمني بعدن التابع للحكومة في 2 أبريل/نيسان، مُنحت بموجبه البنوك اليمنية في صنعاء مهلة 60 يوما لنقل مقراتها الرئيسية إلى عدن، وإلا ستُطبق عليها قوانين مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. شددت الحكومة موقفها في هذا الصدد، قائلة إنه من أجل إلغاء القرار، يجب على سلطات صنعاء ليس فقط سحب العملات المعدنية، ولكن التعهد برفع الحصار المفروض على صادرات النفط والغاز والذي قلّص الإيرادات الحكومية وساهم في الانخفاض الحاد لقيمة الريال في مناطق سيطرة الحكومة.

باءت محاولة الجمع بين محافظي البنكين المركزيين في عدن وصنعاء معاً في نفس المكان لحل أزمة العملة بوساطة الأمم المتحدة بالفشل، نظرًا لإصرار مركزيّ عدن على تلقي أجندة واضحة مسبقاً. من جهة أخرى، كان هناك غياب واضح لأي ضغوط من جانب المملكة العربية السعودية أو الولايات المتحدة لحل القضية – مع انشغال كلا البلدين بمناقشة اتفاقهما الأمني المرتقب، لا سيما وأن الازمة أتاحت لهما فرصة لرؤية الحوثيين واقعين تحت ضغط.

تنديد دولي بسكّ العملة الجديدة من قبل سلطة الحوثيين

أثار سكّ العملة الجديدة من قبل سلطة الحوثيين عاصفة من ردود الفعل والإدانة الدولية، حيث ندّدت كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة وفرنسا بالخطوة في 4 أبريل/نيسان، منتقدين إصدار الحوثيين لعملة “مزيفة” من فئة 100 ريال كمحاولة متعمدة لزعزعة الاستقرار المالي الهش في البلاد، وتعميق الانقسامات القائمة، وعرقلة عملية السلام الهشة بالفعل.

بدورها أدانت السفارة الأمريكية في اليمن إصدار جماعة الحوثيين – المدرجة من قبل الولايات المتحدة ككيان إرهابي عالمي مصنف تصنيفاً خاصاً – عملات مزيفة بدلا من العملة الرسمية اليمنية، وشددت على ضرورة منع دخول العملة المزيفة إلى السوق. وحذرت السفارة الأمريكية من أن هذا القرار أحادي الجانب يهدد بمزيد من الانقسام في الاقتصاد اليمني وتقويض سلامة القطاع المصرفي داخل اليمن وتعريض التزام اليمن بالمعايير الدولية لمكافحة تمويل الإرهاب للخطر.

كما عبرت بعثة الاتحاد الأوروبي لدى اليمن عن المخاوف ذاتها، مع تسليط الضوء على العواقب المدمرة لهذه الخطوة على القطاع المالي وامتثال اليمن للمعايير الدولية لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب. وصرحت بأن هذه القرارات “لا تخدم قضية سلام ورخاء اليمنيين”. وجاءت إدانة السفارة البريطانية في اليمن صريحة وواضحة، حيث وصفت قرار الحوثيين بأنه يهدد “بزعزعة استقرار القطاع المصرفي وتعميق الانقسامات في الاقتصاد اليمني الهش مسبقًا.” وحذرت من أن “الاقتصاد المنقسم لن يؤدي إلا إلى تلاشي مصالح الشعب اليمني.”

انضمت فرنسا إلى قائمة المنددين، ووصفت خطوة الحوثيين بأنها “قرار غير قانوني صادر عن جهة غير معترف بها.” وأكدت أن أحادية هذا الإجراء “يعمق انقسام البلاد في الوقت الذي يحتاج فيه الشعب اليمني إلى الوحدة، لا سيما وحدة العملة”. وأكدت كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة وفرنسا مجددا دعمها الثابت للبنك المركزي اليمني بعدن (التابع للحكومة)، ودوره الجوهري في ضمان استقرار القطاع المالي، مع دعوة الحوثيين لوقف هذا “السلوك المتهور” والانخراط بشكل بنّاء في جهود السلام التي تقودها الأمم المتحدة، لا سيما في القضايا الاقتصادية المحورية. ويبدو أن المجتمع الدولي، الذي كان مترددا من قبل في اتخاذ موقف قوي، بدأ في تغيير نهجه؛ أما بالنسبة للحوثيين، فقد بدا واضحاً أنهم ورطوا أنفسهم من خلال إصدار عملة جديدة، حيث تعزز هذه الخطوة الشكوك حول التزامهم بالسلام، وترسم صورة لجماعة تعطي الأولوية للتصعيد على حساب الاستقرار.

وقد أثار موقف الأطراف الغربية ردود فعل غاضبة من الحوثيين، حيث وصف البنك المركزي اليمني بصنعاء (الذي تديره جماعة الحوثيين) المواقف الصادرة عن السفارتين الأمريكية والبريطانية بأنها “تدخل سافر وغير مشروع في شؤون الجمهورية اليمنية “، واستمرار “لمسار الحرب الاقتصادية التي تقودها دول العدوان الأمريكي السعودي ضد الشعب اليمني”. يسلط هذا التصعيد في الخطاب الضوء على الانقسام العميق بين الحوثيين والمجتمع الدولي. وفي مقابلة خاصة، وصف أحمد غالب، محافظ البنك المركزي اليمني في عدن، سك الحوثيين للعملات المعدنية الجديدة بأنه “تجاوز لكل الخطوط الحمراء”، مما يسلط الضوء على احتمال حدوث تضخم مفرط في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون. ومن ثمّ، فإن كل ما ذكر أعلاه، فضلا عن الفجوة الحالية في العملة، يمكن أن يمهد الطريق لنظام العملة المزدوجة الكارثي، مما سيؤدي إلى تعثر نسبة سبعين بالمائة من الاقتصاد اليمني وسيزيد من عزلة الملايين.

أزمة السيولة تخيم على صنعاء في ظل احتجاج المودعين

شهدت صنعاء موجة من الذعر، حيث هددت أزمة السيولة باجتياح القطاع المصرفي في المدينة. بلغت الأزمة، المستمرة منذ سنوات، ذروتها في 12 مايو/أيار، مما أثار احتجاجات ومخاوف من انهيار مصرفي على غرار الانهيار المالي الذي حدث في لبنان مؤخراً.

ومع تصاعد مخاوفهم، نظم العشرات من المودعين احتجاجا أمام بنك اليمن الدولي، متحدين المناخ القمعي الذي فرضته سلطة الحوثيين في المناطق الخاضعة لسيطرتها ضد المظاهرات العامة، في مؤشر صارخ على حالة اليأس التي اجتاحت سكان المدينة. وطالب المتظاهرون باسترداد مدخراتهم المجمدة واستئناف صرف المدفوعات النقدية الشهرية، بما في ذلك المبالغ الصغيرة، من الفوائد المكتسبة على الودائع غير النقدية. في السابق، كان بنك اليمن الدولي أحد البنوك القليلة التي تعاونت وإن بشكل محدود، حيث استمر بصرف مدفوعات صغيرة ظلت تتناقص قبل أن تتوقف تماما في مارس/ آذار.

تنبع أزمة السيولة من عدة عوامل، حيث تعاني بنوك صنعاء من نقص حاد في الريال اليمني، وتفاقم الأمر بسبب سياسات سلطة الحوثيين التي فرضت إعادة تداول الأوراق النقدية التالفة. ومما يزيد المشكلة تعقيدا قانون الحوثيين لمنع المعاملات الربوية، الصادر في مارس/آذار من العام الماضي، والذي حظر على البنوك دفع فوائد على المدخرات، مما أثر على مصدر دخل مهم للمودعين والبنوك على حد سواء.

أدى نقص السيولة النقدية إلى خلو أجهزة الصراف الآلي في صنعاء من الريال اليمني، مما أجبر العملاء على الاصطفاف في طوابير أمام فروع البنوك في محاولة يائسة للحصول على أموالهم. وقد تسبب ذلك في خلق جو من الذعر، مما دفع بعض البنوك إلى اللجوء إلى طرح عمليات سحب بالريال السعودي، وهو إجراء يائس يؤكد انهيار العملة المحلية. ومما زاد الطين بلة الصمت الرهيب من جانب سلطات الحوثيين وعدم وجود خطوات ملموسة لمعالجة الأزمة.

تهدد الأزمة في صنعاء بحدوث تأثير مدمر على الاقتصاد الهش أساساً، ويواجه السكان مستقبلاً غامضًا في ظل عدم قدرتهم الحصول على مدخراتهم وفي إطار الجهود المضنية التي تبذلها الشركات من أجل استمرار أعمالها وأنشطتها التجارية. وحقيقة عدم اتخاذ إجراءات حاسمة من جانب أطراف النزاع لمعالجة أزمة السيولة لن يؤدي إلا إلى تعميق المخاوف لدى العامة ويزيد من احتمالية حدوث انهيار مالي.

أزمة جديدة بسبب الإصلاح النقدي من البنك المركزي اليمني بعدن

في 30 مايو/آيار، دعا البنك المركزي اليمني في عدن كافة الأفراد والمحلات التجارية والشركات والمؤسسات المالية والمصرفية ممن يحتفظون بنقود ورقية من الطبعة القديمة (ما قبل العام 2016) سرعة إيداعها خلال مدة أقصاها ستون يوماً. وحدّد البنك خيارين لتسليم العملة القديمة: بالنسبة للذين لا يملكون حسابات بالبنك المركزي اليمني في عدن (على سبيل المثال: المواطنون والمحلات التجارية والمؤسسات غير المالية الأخرى)، عليهم إيداع ما لديهم من مبالغ من الطبعة القديمة في البنوك التجارية والإسلامية وفروعها المنتشرة في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة. أما بالنسبة للمؤسسات المالية والمصرفية التي تملك حسابات بالبنك المركزي اليمني في عدن، فعليهم إيداع ما لديهم من مبالغ من الطبعة الصادرة قبل عام 2016، بالبنك المركزي – المركز الرئيسي في عدن، أو في فروعه المنتشرة في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة.

كانت هذه الخطوة جزءا من المعركة القائمة بين البنكين المركزيين حول النظام النقدي المنقسم في البلاد. ويتمحور جزء من الصراع التنظيمي حول التعامل مع الريال اليمني، الذي ينقسم الآن فعليا إلى عملتين بقيم متباينة إلى حد كبير.

حاول البنك المركزي اليمني بعدن تأكيد هيمنته على النظام النقدي من خلال ضمان استبدال الأوراق النقدية القديمة بما يقابلها من الطبعة الجديدة. وفي حين يدعي مركزيّ عدن تفرده بالسلطة على النظام المالي بسبب وضعه المعترف به دوليا، فإن هذا الادعاء تقوضه الحقائق المُرّة لنظام العملة المزدوجة في اليمن، والذي أصبح اليوم راسخا بقوة عبر مناطق السيطرة المنقسمة. فَفي نهاية عام 2019، صدر قرار الحوثيين بحظر التعامل بالعملة المطبوعة بعد عام 2016، وذلك في محاولة لتأكيد سيطرته على السياسة النقدية والتضخم المتصاعد. في ذلك الوقت، كان البنك المركزي اليمني في عدن يطبع كميات هائلة من الأوراق النقدية لدفع رواتب الجنود وموظفي القطاع العام. وجاءت النتيجة ذات شقين: أسعار صرف متباينة، حيث انخفضت قيمة الريالات الجديدة إلى أقل من ثلث قيمة الأوراق النقدية القديمة التالفة، وتركّز ما يُقدر بنحو 90% من الريالات القديمة في مناطق سيطرة الحوثيين في وقت طباعة الأوراق الجديدة محل التالفة.

يظهر هذا الانقسام عن الدافع الحقيقي المحتمل- وهو توحيد العملة عند قيمة أقل، حيث يتم تداول الريال الجديد حاليا بقيمة أقل من 1800 لكل دولار أمريكي ويستمر في الانخفاض، بينما حافظ الريال القديم على قيمة ثابتة تقارب 532 لكل دولار أمريكي. وعليه، سيفقد أصحاب الطبعة القديمة ثلثي قيمتها الحالية عند استبدالها بما يقابلها من الطبعة الجديدة.

حذر البنك المركزي اليمني بعدن من أن عدم الامتثال لقراره سيؤدي إلى عواقب وخيمة. تُعد المبررات القانونية التي استند إليها البنك المركزي لاتخاذ هذا القرار ضعيفة، حيث استشهد مسؤولوه بالمادة 126 من قانون البنك المركزي التي تنص على السماح بمهلة مدتها عامين لاستبدال العملة، وليس 60 يوما فقط. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الإطار الزمني الأصلي (أي عامين) حُدّد أساسا بعد الأخذ في الاعتبار التعقيدات اللوجستية لسحب الأوراق النقدية القديمة وإصدار أوراق جديدة. إلاّ أن ادعاء البنك المركزي بأن الأوراق النقدية الصادرة قبل عام 2016- التي يقدر عمرها الافتراضي بـ 18 شهرا – قد “تلفت تمامًا” يظهر فعلاً في حالة الأوراق النقدية القديمة التي لا زالت في التداول بالسوق .

من جانبه، ردّ البنك المركزي اليمني بصنعاء بإعلان خطة لتعويض حاملي الريال القديم في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، وأوضح تفاصيل آليتها لجمع الريالات المطبوعة قبل عام 2016، المتداولة حاليا في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة. وأوضح الإعلان أنه بدءًا من 8 يونيو/ حزيران، سيعمل مركز رقابة جمرك الراهدة في محافظة تعز ومركز رقابة جمرك عفار في محافظة البيضاء “كنقاط تعويض”، وأنه سيتم الإعلان عن نقاط أخرى في وقت لاحق.

بحسب ما ورد آنذاك، ستقوم سلطات الحوثيين بالتعويض عن الريال القديم بما يقابله من الريال الجديد وفق أسعار السوق وعلى النحو الذي يحدده البنك المركزي اليمني في صنعاء، مع إمكانية تعويض المبالغ التي تصل إلى 3 ملايين ريال أو أقل مباشرة وبسهولة عند نقاط التعويض المعتمدة؛ أما المبالغ التي تزيد عن 3 ملايين ريال فتتطلب موافقة مسبقة. كما نوه مركزيّ صنعاء بأن على العملاء تعبئة نموذج الإفصاح المنصوص عليه في المادتين 23 و 24 من قانون مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.

لم يتضح بالضبط ماهية الشروط التي سيطرحها الحوثيون، لكن من المرجح أن تتم عملية التعويض بسعر أقرب إلى سعر السوق السائد، حيث تبلغ قيمة الريال الجديد حاليا حوالي ثلث القيمة القديمة. وبالتالي، سيستقطب مخطط الحوثيين أصحاب الريالات القديمة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، على الرغم من أن حوالي 90 في المائة من العملات القديمة يتم تداولها أساساً في الشمال الخاضع غالباً لسيطرة الحوثيون.

جدير بالذكر أن المسؤولين الحوثيين لا يزالون يشيرون إلى الريال الجديد بـ “العملية غير القانونية”، رغم أنهم يعرضونها في المقابل. ومن المحتمل أن يكون الهدف من المبادرة مواجهة مخطط الحكومة وإعادة فرض الريال القديم ومواصلة تقسيم العملة. كما قد يكون الحوثيون سعوا للاستفادة من خطوة الاستحواذ على ريالات قديمة إضافية في محاولتهم التعامل مع أزمة السيولة المستمرة والمدفوعة جزئيا بتلف الأوراق النقدية من الطبعة القديمة.

في 21 يونيو/ حزيران، أصدر البنك المركزي اليمني في عدن تعليمات جديدة لتنظيم تدفق العملة الصعبة بين المناطق التي تسيطر عليها الحكومة والمناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين. ومنعت التعليمات المسافرين من نقل العملات الأجنبية إلى المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، وحددت مقدار العملة الجديدة المسموح لها بالخروج إلى مناطق سيطرة الحوثيين أو الدخول الى مناطق سيطرة الحكومة بمبلغ 200 ألف ريال. كما حظرت التعليمات منع نقل العملة القديمة إلى مناطق سيطرة الحوثيين، مما يستلزم استبدالها في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة بما يقابلها من الريال الجديد بسعر صرف واحد مقابل واحد.

إلاّ أن إعادة فتح الطرق بين مناطق نفوذ الحكومة ومناطق سيطرة الحوثيين في مأرب وتعز، سيؤدي إلى تعقيد الجهود الرامية إلى فرض قيود على تسرّب العملة الصعبة. مع ذلك، تجدر الإشارة إلى أنه في تعز – حيث أعيد فتح الطريق بين مدينة تعز ومنطقة الحوبان الصناعية في 13 يونيو/ حزيران لأول مرة منذ عام 2015 – أمر محور تعز العسكري الموالي لحزب الإصلاح القوات العسكرية والأمنية بتنفيذ توجيهات البنك المركزي اليمني بعدن في جميع نقاط التفتيش الأمنية المؤدية إلى المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون.

تصاعد المعركة بين البنكين المركزيين

البنك المركزي بعدن يطالب البنوك بنقل مقارها

في 2 أبريل/ نيسان، أصدر البنك المركزي اليمني في عدن قرارًا يُوجّه بنقل المراكز الرئيسية للبنوك الى عدن في غضون 60 يوما. وفي حين تهدف هذه الخطوة ظاهريا إلى فرض السيطرة على القطاع المصرفي وحمايته من “الإجراءات غير القانونية” من قبل جماعة الحوثيين، التي أعادت الولايات المتحدة إدراجها ككيان إرهابي عالمي مصنف تصنيفاً خاصاً، إلاّ أنها تهدد بتعطيل النظام المالي المتعثر أساساً.

رافق القرار تحذيرا صارما ينص على أن: أي بنك يتخلف عن نقل مركز عملياته إلى العاصمة المؤقتة عدن خلال الإطار الزمني المحدد سيتم اتخاذ كافة الإجراءات القانونية بحقه، طبقًا لأحكام قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب النافذ ولائحته التنفيذية. وهذا يعني أن عدم الامتثال سيؤدي إلى اتخاذ تدابير عقابية، بما في ذلك إمكانية عزل البنوك عن نظام سويفت العالمي وخدمات تحويل الأموال الدولية مثل ويسترن يونيون وموني جرام، وهو ما يمكن أن يشل قدرة القطاع المصرفي على انجاز المعاملات المالية الدولية الضرورية.

لهذا التوجيه سابقة: ففي أغسطس/ آب 2021، نشر البنك المركزي اليمني بعدن بيانا على موقعه الرسمي على الإنترنت ينص على أنه يجب على جميع البنوك التجارية والإسلامية المرخص لها بالعمل في البلاد الإسراع بنقل مراكز إدارة عملياتها إلى عدن، حتى يتمكن من تطبيق إجراءات التحقق من عملياتها والتأكد من استيفائها للمتطلبات القانونية. وفي حين تضمن البيان المشار إليه تهديدات باتخاذ إجراءات قانونية ضد البنوك التي ترفض مشاركة بيانات عملياتها مع البنك المركزي اليمني في عدن، لم تكن هناك عقوبات على البنوك التي لم تلتزم بنقل مراكزها.

بناء عليه، يُعدّ القرار الجديد للبنك المركزي اليمني بعدن أكثر جدية وخطورة، حيث جاء في شكل أمر. من منظور قانوني، يعتبر القرار أقوى بكثير ويتضمن تهديدات باتخاذ إجراءات قانونية ضد البنوك غير الممتثلة. فضلا عن ذلك، تعتبر الظروف مختلفة، حيث جاء التوجيه ردا على إصدار الحوثيين عملة معدنية جديدة ومحاولتهم تعطيل العمل بنظام الشبكة الموحدة للأموال الجديد الخاص بالبنك المركزي اليمني في عدن. كما أشار البنك المركزي بعدن إلى التطورات العسكرية في البحر الأحمر وإعادة تصنيف الحوثيين مؤخرا جماعة إرهابية كمبرر لمطالبة البنوك بنقل مقارها، قائلا إن هذه الخطوة ستحمي البنوك من مخاطر تجميد حساباتها وإيقاف التعامل معها، تطبيقاً لاجراءات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

جمعية البنوك اليمنية الواقع مقرها بصنعاء، تدين قرار مركزيّ عدن

انتقدت جمعية البنوك اليمنية التي تتخذ من صنعاء مقرا لها، وبشدة، مطالبة البنك المركزي اليمني بعدن جميع البنوك اليمنية بنقل مراكزها الرئيسية إلى عدن، ووصفتها بأنها خطر داهم على القطاع المالي والاقتصاد اليمني. وانتقد رئيس الجمعية “محمود ناجي” الخطوة التي وصفها بـ “التعسفية”، قائلاً إنها نابعة من الضغوط السياسية، وأضاف أن البنوك تختار مواقع مراكزها الرئيسية استراتيجيا وفق عوامل السوق، وتحديدا العرض والطلب، وهذا جعل صنعاء الخيار الأمثل.

جدير بالذكر أن غالبية الشركات التجارية والصناعية اليمنية تتخذ من صنعاء والمحافظات المحيطة بها مقاراً لها – وهم شريان الحياة للاقتصاد والعملاء الأساسيين للبنوك. أشار ناجي أيضًا إلى عدم وجود أي نص قانوني يفرض على البنوك موقع معين لمراكزها الرئيسية، موضحًا أن القوانين المصرفية الحالية تسمح للمساهمين في البنوك تحديد موقع المركز الرئيسي لكل بنك.

أثار قرار البنك المركزي اليمني بعدن المتعلق بنقل المراكز الرئيسية للبنوك انتقادات من خبراء ماليين من المؤيدين للحكومة عادة، مثل محمد حلبوب، رئيس البنك الأهلي اليمني (مقره عدن)، الذي أبرز العديد من العقبات الرئيسية التي يمكن أن تعرقل الخطة.

أشار حلبوب إلى أن السلطات الحوثية يمكن أن تمنع نقل البنية التحتية الحيوية لتكنولوجيا المعلومات كالسيرفرات، وهي العمود الفقري لعمليات البنوك. وحتى لو تم التغلب على هذه العقبة، ستظل هناك تحديات تقنية كبيرة، مثل إنشاء مراكز بيانات جديدة في عدن والتي ستكون مهمة معقدة ومكلفة. كما أن إجبار موظفي البنك على الانتقال يمثل عقبة رئيسية أخرى مع انخفاض الروح المعنوية والقيود المالية، التي تفاقمت بسبب سياسات الحوثيين الأخيرة التي شلت إيرادات البنوك في صنعاء، والتي ستجعل من غير المرجح أن يقبل الموظفون بالانتقال.

مع ذلك، تتمثل العقبة الكبرى في استحالة نقل أسواق البنوك، إذ لا يمكن إقناع العملاء بالانتقال من صنعاء إلى عدن. وأشار حلبوب إلى خيار محتمل باعتباره الملاذ الأخير، وهو تجربة “حصار فنزويلا” التي تعني تعامل البنوك مع عملائها إلكترونيا على الرغم من المسافة الجغرافية. إلاّ أن نجاح مثل هذا النهج يتوقف على موافقة كل من اليمنيين والمجتمع الدولي – وكلاهما احتمالين غير واردين. وحذر حلبوب في النهاية من الاستمرار في أي محاولات لنقل مقار البنوك بالقوة، قائلا إن ذلك سيكون بمثابة “إعدام” للنظام المصرفي اليمني.

رُغم أن قرار البنك المركزي اليمني في عدن بنقل مقرات البنوك يهدف إلى تقويض سيطرة الحوثيين على النظام المالي وحماية شرعية البنك المركزي اليمني بعدن، إلا أنه يمثل تحديا كبيرا للحكومة المعترف بها دوليا. ومما لا شك فيه أن تنفيذ مثل هذا القرار خطوة محفوفة بالمخاطر، حيث ستواجه البنوك التي تتركّز غالبية عملياتها وأنشطتها في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون التهديدات والترهيب وحتى خطر مصادرة الأصول إذا امتثلت لهذا القرار.

يُذكر أنه تم التراجع عن إجراءات سابقة، بما في ذلك وقف التعامل مع خمسة بنوك، وهو مؤشر على ضغوط ممارسة على الحكومة لتليين موقفها. إلاّ أن الاستمرار في الإذعان لمثل هكذا ضغوط من شأنه أن يُضعف بشدة موقف الحكومة ويقوض ثقة الجمهور في البنك المركزي اليمني بعدن – وسيكون انتصارا واضحا للحوثيين.

تصاعد الأزمة بين البنكين المركزيين ليشمل نظام التحويلات

في 23 مايو/ أيار، أصدر البنك المركزي اليمني بعدن قرارًا يشدد بموجبه اللوائح المتعلقة بالتحويلات الخارجية والتي تتم عبر شركات التحويل الدولية. ونص القرار المذكور على تدفق التحويلات الخارجية حصريا من خلال البنوك المعتمدة وشركات الصرافة المصرح لها، على أن تكون المؤسسات مخولة بالدخول في شراكة مع كيانات أخرى تقدم خدمات التحويلات الدولية مثل ويسترن يونيون وموني جرام. ونص القرار بأن تعمل المؤسسات المصرح لها بتقديم خدمات التحويل من خلال مراكزها الرئيسية، ويجب على أي وكلاء فرعيين التسجيل لدى البنك المركزي اليمني بعدن للحصول على تصريح. كما نص القرار بأن يتلقى المستلمون التحويلات بالعملة المرسلة، مع صرفها فقط عند طلب المستفيد وبأسعار السوق السائدة.

يسعى هذا الإجراء الى التصدي للقيود التي فرضها الحوثيون على التحويلات الخارجية، ففي مارس/ آذار 2024، أصدر البنك المركزي اليمني بصنعاء تعميماً يقضي بصرف مبالغ جميع الحوالات للمستفيدين بالريال السعودي بغض النظر عن العملة الأصلية المرسل بها الحوالات، في خطوة مدفوعة بشُح الدولار الأمريكي في مناطق سيطرة الجماعة. كما حظر القرار أيضا صرف مبالغ الحوالات عبر وكلاء فرعيين غير مرخص لهم من قبل البنك المركزي بصنعاء (الذي يديره الحوثيون)، وهو ما يعني تعقيدات أكبر لليمنيين الذين يعتمدون على التحويلات الخارجية.

كما يسعى قرار البنك المركزي اليمني في عدن إلى تنظيم وضبط سوق التحويلات المالية في كامل البلاد من خلال توسيع سيطرته على أنشطة التحويلات حتى في مناطق سيطرة الحوثيون، مما قد يجبر منشآت وشركات الصرافة المحلية على وقف التعاملات غير المصرح بها. ومن خلال نص القرار على تسليم مبالغ الحوالات بالعملة الأصلية المرسلة بها، يهدف البنك المركزي اليمني بعدن إلى التصدي بشكل مباشر لمحاولة الحوثيين التحكّم بتدفق الدولار الأمريكي، والأهم من ذلك، إلى التأكيد على ضرورة الالتزام بالمعايير المصرفية الدولية، وترسيخ مكانته كسلطة نقدية معترف بها دوليا تشرف على النظام المالي اليمني.

مع ذلك، يواجه البنك المركزي اليمني بعدن تحديات كبيرة في تنفيذ القرار، فالانقسام الحاصل في النظام المالي، وتواجد مقار معظم البنوك وشركات الصرافة اليمنية في صنعاء، يُصعّب عليه فرض الامتثال لهذه التوجيهات على مستوى البلاد. كما أن عدم وجود سلطة نقدية مركزية يعكس انقسامًا سياسيا واقتصاديا أعمق، وقد يصبح من المستحيل ضمان التزام المؤسسات التي تتخذ من صنعاء مقرا لها بالتوجيهات. كما قد يلجأ البنك المركزي اليمني بصنعاء أيضًا للردّ من خلال اتخاذ إجراءات عقابية لثني المؤسسات المالية عن التعاون في تنفيذ القرار.

إدراج بنوك في القائمة السوداء مع تعمّق الانقسام في النظام المالي

في 30 مايو/ أيار، أدرج البنك المركزي اليمني بعدن ستة بنوك مقرها صنعاء على القائمة السوداء بعد اتهامها بعدم الالتزام بلوائح مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وهي: بنك التضامن الإسلامي، بنك اليمن والكويت، مصرف اليمن والبحرين الشامل، بنك الأمل للتمويل الأصغر، بنك الكريمي للتمويل الأصغر الإسلامي، وبنك اليمن الدولي.

ورغم أن قرار البنك المركزي اليمني بعدن طمأن المودعين بأن البنوك الخاضعة للعقوبات ستستمر بتقديم خدماتها المصرفية في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، وصل الوضع نقطة تأزم حرجة مع خطر اتخاذ صنعاء المزيد من الإجراءات الانتقامية والتي تهدد بإغراق الاقتصاد في حالة من الفوضى.

بالفعل، جاء ردّ البنك المركزي اليمني بصنعاء (الذي يديره الحوثيون) عبر فرض سلسلة من الإجراءات العقابية لمنع البنوك من التعاون بأي شكل كان مع البنك المركزي اليمني بعدن.

أواخر مايو/ أيار، أصدرت وحدة جمع المعلومات المالية تعميما يحظر على جميع البنوك في مناطق سيطرة الجماعة مشاركة أية معلومات مع البنك المركزي اليمني بعدن أو الحكومة المعترف بها دوليا. ونص التعميم على أن أي بنك يخالف التوجيهات سيكون عرضة لعقوبات قانونية، بما في ذلك تُهمة التواصل مع العدوان – وهي جريمة خطيرة تواجه بعقوبات شديدة. وقد أدت هذه الخطوة إلى قطع التواصل المالي تمامًا بين مناطق البلاد المنقسمة بين طرفي الصراع.

في 31 مايو/ أيار، حظر البنك المركزي اليمني بصنعاء التعامل مع 13 بنكا (مقارها في عدن)، ووقف عملياتها في مناطق سيطرة الحوثيين، بزعم مزاولتها الأعمال المصرفية دون ترخيص، وهو ما يبدو ادعاء زائفا، حيث إن 11 بنكاً من هذه البنوك حاصلة على تراخيص سارية المفعول صادرة عن البنك المركزي اليمني بعدن.

شملت قائمة البنوك الخاضعة للعقوبات من قبل مركزيّ صنعاء: بنك القطيبي الإسلامي للتمويل الأصغر، وبنك البسيري للتمويل الأصغر، وبنك عدن الإسلامي للتمويل الأصغر، وبنك عدن الأول الإسلامي، والبنك الأهلي اليمني في عدن، وبنك التسليف التعاوني والزراعي في عدن، وبنك الشمول للتمويل الأصغر الإسلامي، وبنك السلام كابيتال للتمويل الأصغر الإسلامي، وبنك تمكين للتمويل الأصغر، وبنك الإنماء للتمويل الأصغر الإسلامي ، وبنك الشرق اليمني للتمويل الأصغر الإسلامي، وبنك حضرموت التجاري ، وبنك بن دول الإسلامي للتمويل الأصغر.

وقد تسببت العقوبات الجديدة التي فرضها البنك المركزي اليمني بعدن في إحداث تأثير تسلسلي، حيث تحركت البنوك الدولية الكبرى مثل مصرف الراجحي في السعودية لوقف التعامل مع بنوك صنعاء المدرجة في القائمة السوداء، وطلبت من وكلائها الماليين – بما في ذلك عدد من البنوك اليمنية – تقديم شهادة عدم ممانعة من البنك المركزي اليمني في عدن تسمح بمواصلة التعامل معهم كمؤسسات مالية يمنية. كما امتثلت موني جرام – وهي من كبريات الشركات الرائدة عالمياً في مجال التحويلات المالية – بلوائح البنك المركزي اليمني بعدن، وهو ما يعني الحدّ من تدفق الأموال إلى المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون.

في 28 مايو/ أيار، أصدرت الشركة إنذارًا نهائيًا لفروعها ووكلائها اليمنيين بالامتثال والحصول على شهادة عدم ممانعة من البنك المركزي اليمني بعدن أو المخاطرة بوقف التعامل معها. سعت العديد من البنوك والوكلاء الماليين وبصورة حثيثة للحصول على تصريح البنك المركزي اليمني بعدن للتعامل مع التحويلات الخارجية المتدفقة إلى البلاد، ويمكن لهذه العقبة البيروقراطية أن تُقيّد التحويلات المالية التي تُعد شريان حياة حيوي للعديد من الأسر اليمنية.

بعد إدراج البنك المركزي اليمني بعدن لستة كيانات مالية في صنعاء على القائمة السوداء وتوجيهه بتسليم جميع الأوراق النقدية من الطبعة القديمة في غضون 60 يوما، أصدرت وزارة النقل تعليمات للخطوط الجوية اليمنية في 6 يونيو/حزيران، بتحويل إيراداتها إلى حساباتها البنكية في عدن أو في الخارج. كما دعت وزارة الاتصالات شركات الهاتف المحمول لنقل مقراتها الرئيسية من صنعاء إلى عدن.

كانت هذه الإجراءات تُهدّد بعزل سلطة الحوثيين تماما عن النظام المالي الدولي حيث وجدوا أنفسهم أمام مجموعة من القيود تماثل تلك التي فُرضت على روسيا بعد غزوها لأوكرانيا. كان استخدام البديل الروسي لنظام سويفت أحد الخيارات المتاحة أمام سلطة صنعاء، لكنه لن يكون بديلاً تاماً، وبات السيناريو الأكثر احتمالا هو ازدهار السوق السوداء بحيث لن يصبح أمام العمالة المغتربة خيار سوى اللجوء إلى تلك السوق لتحويل الأموال، وستتراجع ثقة العملاء في البنوك العاملة في مناطق سيطرة الحوثيين. وكان هذا يعني فقدان سلطات الحوثيين سيطرتها على التحويلات المالية والمساعدات الإنسانية، مما سيؤدي إلى تدفق الأموال إلى المناطق الخاضعة للحكومة، والذي من شأنه أن يفيد الأخيرة على الرغم من أنه بالكاد سيحلّ مشاكلها الأخرى: أي الحصار الفعلي المفروض من الحوثيين على صادرات النفط والغاز، وحظر الجماعة دخول أسطوانات غاز الطهي المنتجة محليا إلى مناطق سيطرتها وتوفير السعودية أموال أقل للإنفاق.

كان للحوثيين مطالبهم أيضا، فقد أشاروا إلى استعدادهم لتقديم بعض التنازلات شرط أن تكون في إطار محادثات السلام السعودية – الحوثية المجمدة، وخارطة الطريق التي ستتبع ذلك. وتشمل مطالبهم دفع رواتب المعلمين والأفراد العسكريين وغيرهم من الموظفين العموميين في مناطق سيطرة الجماعة، والحصول على حصة من التحويلات المالية للمغتربين (وهو قطاع تتحكّم به الحكومة حالياً) وأن يكون للجماعة دور في تحديد سياسة التجارة الخارجية.

البنك المركزي اليمني بعدن يحظر التعامل مع خدمات الدفع الإلكتروني ومنصات التحويل غير المرخصة

في 26 يونيو/ حزيران، أصدر البنك المركزي اليمني بعدن تعميمًا جديدًا إلى البنوك ومنشآت الصرافة بحظر التعامل مع الكيانات والمحافظ وخدمات الدفع الإلكتروني العاملة دون تراخيص رسمية صادرة عن البنك المركزي التابع للحكومة، وفقا للتعميم رقم 11 لسنة 2014 (الصادر قبل الحرب). كانت العديد من هذه الكيانات قد أُنشئت بعد التوجيه الصادر من البنك المركزي اليمني بصنعاء في مارس/ آذار 2020، والذي سمح للمؤسسات غير البنكية – مثل شركات الصرافة والتجار والمؤسسات غير المالية الأخرى – بتقديم خدمات الدفع الإلكتروني. وشملت قائمة الكيانات والمحافظ وخدمات الدفع الإلكتروني المحظور التعامل معها بموجب التعميم الأخير 12 كياناً، اعتبرت مخالفة للقوانين وتقديمها خدمات وأنشطة الدفع الإلكتروني والحوالات بدون ترخيص رسمي من مركزيّ عدن.

منذ انقسام البنك المركزي في عام 2016، عمل البنك المركزي اليمني بصنعاء على إنشاء نظام للمدفوعات الإلكترونية منظم بالحد الأدنى ويتبع نموذج غير مصرفي للمدفوعات الإلكترونية، وهي خطوة عارضها البنك المركزي بعدن. وبالتالي، يبدو أن التعليمات الجديد من البنك المركزي اليمني بعدن هدفت إلى زيادة الضغط على الحوثيين من خلال تقييد البدائل للأوراق النقدية التالفة المتداولة في الشمال، وهو ما يفاقم مشاكل السيولة القائمة.

في نفس تاريخ صدور التعليمات المشار إليها، أوقف البنك المركزي اليمني بعدن العمل تماماً بشبكات الحوالات المالية المحلية المملوكة للبنوك وشركات الصرافة والمؤسسات المالية الأخرى، ومنح مشغلي تلك الشبكات 15 يوما لإنجاز وتصفية المعاملات غير المكتملة وتسليم معلومات حول كافة الحوالات غير المستلمة. كما تم منح البنوك مهلة حتى نهاية يوليو/تموز، لضمان امتثال شبكاتها للإجراءات التنظيمية التي يقررها البنك المركزي، والتزام المشغلين بعد ذلك باستخدام الشبكة الموحدة للتحويلات المالية التابعة للبنك المركزي اليمني بعدن لتنفيذ كافة التحويلات المالية المحلية.

كان البنك المركزي قد أعلن تدشين الشبكة الموحدة للأموال (UNMONEY) لأول مرة في فبراير/ شباط، بهدف تحسين الشفافية والسيطرة على تدفقات الأموال، غير أنها أثارت ردود فعل سلبية وتنديد فوري من السلطات في صنعاء. هذا وهدد البنك المركزي اليمني في عدن باتخاذ إجراءات عقابية مختلفة ضد الكيانات التي لا تمتثل للتوجيهات، بما في ذلك فرض الغرامات وتعليق التراخيص أو سحبها.

تتعارض هذه التعليمات مع إجراءات خفض التصعيد التي وافق عليها البنكان المركزيان في وقت سابق، والتي تمثلت في موافقة البنك المركزي اليمني بصنعاء على رفع الحظر المفروض على شركات الصرافة التي تتعامل مع الشبكة الموحدة للأموال، مقابل إلغاء البنك المركزي اليمني بعدن توجيهاته التي تحظر التعامل مع خمسة بنوك وشركات صرافة أخرى مقارها في صنعاء. وبالتالي، هددت التعليمات الأخيرة بمزيد من التصعيد في الحرب بين البنكين المركزيين وبمزيد من التشرذم والتدهور في القطاع الخاص، حيث يُمكن لهذه القيود أن تشل قدرة الجهات الفاعلة في القطاع الخاص على العمل عبر مناطق سيطرة طرفي النزاع، مما يزيد من زعزعة استقرار الريال ويفاقم من حالة الركود الاقتصادي.

تقلبات مستمرة في سعر صرف الريال

شهدت قيمة الريال اليمني المتداول في مناطق سيطرة الحكومة (أي الطبعة الجديدة) انخفاضًا مستمرًا خلال الفترة المشمولة بالتقرير، مع استقرار نسبي في سعر صرف العملة على مدار شهر أبريل/ نيسان، حيث تراوح ما بين 1660 و1680 ريالا لكل دولار أمريكي (في المتوسط). بالمقابل، ظلت قيمة الريال اليمني المتداول في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون (أي الطبعة القديمة)، مستقرا خلال الفترة المشمولة في التقرير، حيث تم تداوله بسعر صرف متوسط بلغ 531 ريال لكل دولار أمريكي.

يأتي هذا في ظل الالتزامات المالية الضخمة التي تقع على عاتق الحكومة مقارنة بمصادر إيراداتها المحدودة حاليا، حيث تعاني الحكومة من عجز مالي كبير وتجد صعوبة في دفع مرتبات موظفي القطاع العام. هذا وأقيمت خمسة مزادات فقط لبيع العملة الأجنبية من بداية العام الجاري وحتى نهاية يونيو/ حزيران، حيث اشترت البنوك اليمنية 178 مليون دولار أمريكي (أي 78 بالمائة) من إجمالي العملة الأجنبية المعروضة للبيع (230 مليون دولار أمريكي). ومع تجدد الآمال بتلقي دعم جديد، استأنف البنك المركزي اليمني في عدن اقامة مزادات بيع العملات الأجنبية لفترة وجيزة (بعد تعليقها في أواخر مارس/ آذار)، وعقد مزادين في مايو/ أيار، عرض في كل منهما 30 مليون دولار أمريكي للبيع، وبلغت نسبة إجمالي الطلبات المقدمة للشراء من مبلغ المزاد المعلن عنه 89 و 73 في المئة على التوالي.

في 13 يونيو/ حزيران، أكد رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي الحصول على دفعة جديدة من التمويل من السعودية بمقدار 300 مليون دولار أمريكي لدعم الموازنة العامة للحكومة المعترف بها دوليا. وتُعدّ الوديعة السعودية الدفعة الثالثة من حزمة الدعم المتعهد بها بقيمة 1.2 مليار دولار أمريكي والتي تم الإعلان عنها في أغسطس/ آب 2023، لدعم موازنة الحكومة واستقرار قيمة الريال اليمني. وجاء الدعم المالي الذي تشتد الحاجة إليه في ظل تراجع قيمة الريال إلى مستويات دنيا غير مسبوقة، حيث انخفضت القيمة بنسبة 5 في المائة في شهر مايو/ أيار وحده. وعلى الرغم من ضخ الأموال السعودية الجديدة، شهدت قيمة الريال انخفاضاً إضافياً بنسبة 3.8 في المائة خلال شهر يونيو/ حزيران، ليصل إلى 1827 ريال لكل دولار أمريكي بحلول 30 يونيو/ حزيران. وقد يُعزى ذلك جزئيا إلى زيادة المعروض النقدي في السوق في أعقاب صرف رواتب الموظفين العموميين قبل عطلة عيد الأضحى في 17 يونيو/ حزيران.

مما لا شك فيه أن حالة عدم اليقين في السوق المالية وسط تصاعد الحرب الاقتصادية بين البنك المركزي اليمني بعدن والبنك المركزي اليمني بصنعاء كانت عاملاً آخر وراء انخفاض قيمة الريال. وقد تفسر بعض الجهات ضخ الأموال السعودية مؤخراً (في خضم الصراع المستمر للسيطرة على القطاع المصرفي وأنظمة تحويل الأموال في اليمن) على أنه دعم ضمني من الرياض للإجراءات التصعيدية الأخيرة التي اتخذها البنك المركزي اليمني بعدن.

على عكس التوقعات، لم يُعلن البنك المركزي اليمني بعدن عن استئناف مزاداته لبيع العملات الأجنبية خلال شهر يونيو/ حزيران، والتي ربما كانت لتساهم جزئياً في استقرار سعر الصرف، وبدلا من ذلك، أعلن بتاريخ 26 يونيو/ حزيران، عن فتح مزاد لأدوات الدين العام المحلي قصيرة الأجل والمتمثلة بأذونات الخزانة بأجل سنة واحدة، وحدّد سعر الفائدة السنوي بـ 18 في المئة. كما أعلن البنك المركزي كذلك عن فتح مزاد لأدوات الدين العام المحلي طويلة الأجل والمتمثلة بسندات خزينة بأجل 3 سنوات.

كان البنك يأمل من خلال هذه الخطوة استيعاب بعض المعروض النقدي الفائض لتمويل عجز موازنة الحكومة ومساعدتها على تغطية النفقات العامة، حيث من شأن هذه الأدوات المالية أن تساعد البنك المركزي اليمني بعدن على التعامل مع التراجع المستمر في قيمة الريال، إلاّ أن النجاح في تحقيق ذلك يعتمد على مقدار ما يستطيع البنك جمعه في هذه المزادات، بل وقد تصبح أسعار الفائدة المرتفعة المعروضة على الأذون والسندات عبئا جديدا على الموازنة العامة في ظل غياب مصادر إيرادات مستدامة.

على الجانب الآخر، شهدت قيمة الريال القديم في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون انخفاضًا طفيفًا خلال شهر يونيو/حزيران، حيث تم تداوله بمتوسط 539 ريال لكل دولار أمريكي بحلول 30 يونيو/ حزيران. وعلى الرغم من أن البنك المركزي اليمني بصنعاء يعتمد سعر صرف ثابت، يمكن أن يعزى هذا التذبذب إلى النقص الحاد في الدولار الأمريكي في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون.

الوضع المالي للحكومة في خطر

ضغوط خانقة على الحكومة، مع استمرار توقف صادرات النفط

في 9 أبريل/ نيسان، كشف رئيس الوزراء أحمد عوض بن مبارك عن صورة قاتمة للوضع المالي للحكومة تعكس التكلفة الباهظة لهجمات الحوثيين على البنية التحتية لموانئ تصدير النفط في جنوب اليمن أواخر عام 2022، والتي حرمت الحكومة من مصدر رئيسي للإيرادات والعملة الأجنبية. وأعلن بن مبارك عن خسارة هائلة في الإيرادات الحكومية العام الماضي بلغت 3 تريليونات ريال يمني (حوالي 2 مليار دولار أمريكي) بسبب توقف صادرات النفط بالكامل، نتيجة تهديدات الحوثيين بقصف موانئ التصدير الحكومية، وهو ما ضيق الخناق اقتصادياً على الحكومة مع عواقب وخيمة على الشعب اليمني.

أعلنت الحكومة (أوائل أغسطس/ آب 2023) عن خسائر في إيراداتها بلغت 1.5 مليار دولار أمريكي، نتيجة لهجمات الحوثيين. وتلاشى أي احتمال للتوصل إلى اتفاق لاستئناف الصادرات مع مطالب الحوثيين باستخدام عائدات النفط لتسديد رواتب موظفي القطاع العام في مناطق سيطرتهم، بما في ذلك رواتب الأفراد العسكريين. في مقابلة خاصة جرت في أبريل/ نيسان، قال محافظ البنك المركزي اليمني بعدن أحمد غالب، إن حصار الحوثيين الخانق على صادرات النفط شلّ الحكومة، وتسبب بانخفاض هائل في احتياطيات العملة الصعبة بلغ نسبة 70 في المائة ، ونقص في التمويل الحكومي بنسبة 75 في المائة. وكانت النتيجة أزمة مالية تهدد بانقطاع رواتب الموظفين العموميين وخدمات الكهرباء وزعزعة استقرار الريال اليمني.

تراجع تمويل المساعدات في اليمن

الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية تتعهد بحزمة مساعدات لخمس سنوات

في 21 أبريل/ نيسان، أعلنت الولايات المتحدة توقيع اتفاقية مساعدة مع الحكومة اليمنية لمدة خمس سنوات، بهدف تسريع النمو الاقتصادي. وتركز الاتفاقية، التي وقعها وزير التخطيط والتعاون الدولي، واعد عبدالله باذيب، والمديرة القٌطرية للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في اليمن/ كيمبرلي بيل، على المساعدة في استقرار الاقتصاد الكلي في اليمن من خلال تحسين السياسات النقدية والمالية وتسهيل التجارة الدولية. ويشمل ذلك أيضا مبادرات تعزيز الوصول إلى الرعاية الصحية الأساسية وتحسين التغذية للأطفال والنساء الحوامل وتحسين خدمات المياه والصرف الصحي ودعم التعليم الذي عبر التركيز على برامج لتحسين مهارات القراءة والكتابة والحساب في الصفوف المبكرة. جدير بالذكر أن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية قدمت أكثر من 5.8 مليار دولار أمريكي كمساعدات إنسانية وتنموية لليمن منذ عام 2015.

حقائق قاتمة يكشفها تقرير حديث لبرنامج الأغذية العالمي

رسم تقرير حديث لبرنامج الأغذية العالمي – يغطي الفترة من مارس/ آذار 2023 إلى مارس/ آذار 2024 – صورة قاتمة لأزمة الأمن الغذائي في اليمن، والتي تفاقمت بشكل كبير بسبب استمرار وتصاعد حالة التشرذم السياسي في البلاد. وفي حين يواصل برنامج الأغذية العالمي دعم 3.6 مليون شخص في مناطق سيطرة الحكومة (وإن كان ذلك بتخفيض الحصص الغذائية)، تم تعليق برنامج المساعدات الغذائية في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون منذ ديسمبر/ كانون الأول، وهو ما كان له تأثير مدمر في الشمال لا سيما في محافظة حجة التي يسيطر عليها الحوثيون، حيث ارتفعت نسبة الأسر التي تعاني من سوء التغذية بنسبة 165 في المائة بين نوفمبر/ تشرين الثاني وفبراير/ شباط. يعاني النازحون داخليًا على وجه الخصوص من وطأة تقليص المساعدات- حيث ارتفعت نسبة النازحين الذين يعانون من سوء التغذية منذ تعليق البرنامج لتصل إلى 41 في المائة في فبراير/ شباط.

في ذات السياق، بلغت تكلفة الحد الأدنى لسلة الغذاء مستويات قياسية في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة بين شهري فبراير/شباط ومارس/ آذار هذا العام، حيث ارتفعت أسعار السلع الأساسية بنسبة 12 في المائة، مقارنة بشهر مارس/ آذار2023، وشهدت جميع المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحكومة ارتفاعا في الأسعار، لا سيما مأرب وأبين اللتان شهدتا زيادات حادة في الاسعار. الجدير بالذكر أن تكلفة الحد الأدنى لسلة الغذاء في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون لا تزال أقل بنسبة 8 في المائة من معدل التكلفة المسجل مارس/ آذار 2023.

هذه الزيادة للأسعار في مناطق سيطرة الحكومة مدفوعة بمجموعة من العوامل: فقد انخفضت قيمة الريال اليمني بنسبة 25 في المائة مقابل الدولار الأمريكي على أساس سنوي في تلك المناطق، وأدى ذلك إلى تضخم غير مسبوق في أسعار الغذاء والوقود. كما أن زيادة أسعار السلع الأساسية عالمياً، مثل السكر والزيوت النباتية والفاصوليا الحمراء ودقيق القمح (بنسب 45 و 36 و 8 و 6 في المائة على التوالي) فاقمت من مشاكل الأمن الغذائي في اليمن.

من جهة أخرى، يسلط التفاوت في أسعار الوقود الضوء على الانقسامات الاقتصادية العميقة عبر مناطق سيطرة الأطراف في اليمن. ففي المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، شهدت أسعار البنزين والديزل ارتفاعا كبيراً على أساس سنوي بلغ 26 و 17 في المائة على التوالي. في المقابل، ظلت أسعار الوقود (بما في ذلك غاز الطهي) على حالها في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون خلال شهر مارس/ آذار 2024 ، لكنها شهدت انخفاضا سنويا في الأسعار بنسبة 4 في المائة و 18 في المائة للبنزين والديزل، على التوالي مقارنة بالعام السابق. ويرجع ذلك على الأرجح إلى عوامل مثل قوة قيمة العملة المحلية وتخفيف القيود المفروضة على استيراد الوقود عبر موانئ الحديدة التي يسيطر عليها الحوثيون.

على الرغم من التوترات الأخيرة التي شهدتها منطقة البحر الأحمر، ظل الحجم الإجمالي للواردات الغذائية عبر كل الموانئ اليمنية مستقرا نسبيا في الربع الأول من عام 2024، علماً أنها شهدت زيادة بنسبة 12 في المائة على أساس سنوي (أي للفترة مارس/ آذار 2023 – مارس/ آذار 2024). إلاّ أن واردات المواد الغذائية عبر موانئ البحر الأحمر انخفضت بنسبة 14 في المائة في نهاية الربع الأول 2024 مقارنة بالربع الأخير من عام 2023، رُغم الزيادة في حجم الواردات الغذائية على أساس سنوي بنسبة 24 في المائة (أي للفترة مارس/ آذار 2023 – مارس/ آذار 2024). ويُمكن أن يعزى هذا الانخفاض إلى السعة التخزينية المحدودة في ميناء الحديدة ، مما تسبب في تأخير تفريغ السفن لحمولات البضائع. من جهة أخرى، تضاعفت واردات الغذاء عبر مينائي عدن والمكلا في الجنوب بثلاث مرات تقريبا مقارنة بواردات الربع الأخير من 2023، لكنها لا تزال أقل بنسبة 17 في المائة عن حجم الواردات المتدفقة على أساس سنوي ، أي بالمقارنة مع واردات الربع الأول من عام 2023. وعلى الرغم من هذه التقلبات، من المتوقع أن تكفي مخزونات اليمن الاحتياطية الحالية من المواد الغذائية لشهرين أو لثلاثة أشهر قادمة.

هذا ويشير تقرير لبرنامج الأغذية العالمي إلى أن واردات الوقود لم تتعطل رغم التوترات في البحر الأحمر، حيث ارتفعت واردات الوقود عبر موانئ البحر الأحمر بنسبة 6 في المائة في الربع الأول من عام 2024 مقارنة بالربع الأخير من عام 2023، وبنسبة 29 في المائة على أساس سنوي (أي للفترة مارس/ آذار 2023 – مارس/ آذار 2024).. ويرجع ذلك على الأرجح إلى الحوافز التي تقدمها السلطات الحوثية للتجار في صنعاء، بما في ذلك تغطية تكاليف غرامات التأخير وفرض رسوم جمركية مواتية.

بالمقابل، شهدت واردات الوقود عبر موانئ بحر العرب أيضا زيادة بنسبة 30 في المائة مقارنة بالربع الأخير من 2023، فقد انخفضت بنسبة 11 في المائة على أساس سنوي. هذا وسيتطلب الوضع مراقبة دقيقة خلال الأشهر المقبلة، لا سيما مع ارتفاع تكاليف التأمين للشحنات القادمة إلى الموانئ اليمنية.

تحذير شديد من جانب منظمات الإغاثة

عشية الاجتماع السادس لكبار المسؤولين الإنسانيين في بروكسل بشأن اليمن، أصدرت 190 منظمة إنسانية، ومنها وكالات الأمم المتحدة، بيانًا مشتركًا في 6 مايو/ أيار، تحذر فيه من كارثة إنسانية تلوح في الأفق ما لم يتم تأمين زيادة كبيرة في التمويل للاستجابة الإنسانية.

في 7 مايو/ أيار، أعلنت الحكومة السويدية عن تعهد الحكومات الأوروبية والولايات المتحدة بتقديم 791.69 مليون دولار أمريكي إضافية للتعامل مع الأزمات الإنسانية في اليمن. مع ذلك، انتقد المجلس النرويجي للاجئين الإعلان “لفشله” في تقديم ما يلزم، حيث أن التمويل المتعهد به لا يزال أقل بكثير مما هو مطلوب هذا العام لتلبية الاحتياجات الإنسانية في اليمن.

يعتبر الوضع الإنساني في اليمن كارثي مع تنامي حاجة الملايين الماسة للمساعدات. فَقبل اجتماع كبار المسؤولين في بروكسل، كان قد تم توفير جزء بسيط (بلغ 435 مليون دولار أمريكي فقط) من إجمالي التمويل المطلوب لخطة الاستجابة الإنسانية لليمن لعام 2024 – والبالغ 2.7 مليار دولار أمريكي. وحذرت المنظمات الإنسانية من أن “نقص التمويل يشكل تحديا يشل القدرة على الاستجابة”، ويظهر ذلك في تأخير تنفيذ البرامج الحيوية التي توفر الغذاء والرعاية الصحية وغيرها من الخدمات الأساسية أو تقليص أنشطتها أو تعليقها.

تعكس الأرقام والإحصائيات صورة قاتمة للوضع الإنساني، حيث يحتاج أكثر من 18.2 مليون يمني– أي أكثر من نصف السكان– إلى مساعدة عاجلة بعد تسع سنوات من تحمّل وطأة الحرب، ويهدد نقص الغذاء وتفشي الأمراض والبنية التحتية المتداعية قدرتهم على البقاء. خلال عام 2023، نفذت 229 جهة فاعلة إنسانية، معظمها من المنظمات المحلية الشريكة، برامج مساعدة منقذة للحياة لنحو 8.4 مليون شخص شهريا (في المتوسط).

على ضوء ذلك، يتعين على الجهات المانحة سدّ الفجوة التمويلية بشكل عاجل وإعطاء الأولوية للدعم المستمر لخطة الاستجابة الإنسانية لعام 2024. فالاستثمار في هذه البرامج لن ينقذ الأرواح فحسب، بل سيعزز أيضا قدرة اليمن على الصمود وسيقلل من اعتماده على المساعدات على المدى الطويل.

خبراء صندوق النقد الدولي يسلطون الضوء على التحديات والإصلاحات المالية في اليمن

في 2 مايو/ أيار، اختتم ممثلو الحكومة المعترف بها دوليا، ومنهم محافظ البنك المركزي اليمني بعدن أحمد غالب، ووزير المالية سالم بن بريك، اجتماعاً دام خمسة أيام مع بعثة صندوق النقد الدولي بقيادة جويس وونغ في العاصمة الأردنية عمّان. تركزت المناقشات على آخر تطورات الوضع الاقتصادي والسياسي والتوقعات المستقبلية والتقدم المحرز في الإصلاحات الرئيسية في اليمن. عكست الاستنتاجات التي تم التوصل إليها صورة مقلقة للوضع تحمل في طياتها مستقبلاً محفوفاً بالمخاطر، مع استمرار الصراع وتوقف صادرات النفط والغاز.

يعاني الاقتصاد اليمني من اختناق منذ توقف صادرات النفط نتيجة استهداف الحوثيين لموانئ تصدير النفط في الجنوب في أكتوبر/ تشرين الأول 2022. تشير التقديرات إلى أن معدل النمو في الاقتصاد قد تراجع بنسبة 2 في المائة عام 2023، مع ارتفاع التضخم بشكل كبير على الرغم من انخفاض أسعار المواد الغذائية عالمياً. لقد أدت خسارة الإيرادات من صادرات النفط – التي كانت تشكل أكثر من نصف الإيرادات الحكومية – لزيادة العجز المالي إلى 4.5% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2023، مما يستنفد الاحتياطيات ويُضعف سعر الصرف، ومن شأنه أن يزيد الضغوط على الاقتصاد الهش أساساً.

حذر صندوق النقد الدولي من أن الوضع في اليمن قد يشهد مزيدا من التدهور خلال العام 2024، بسبب تصاعد التوترات الإقليمية، وقد يؤدي التصعيد في البحر الأحمر إلى تعطيل القنوات التجارية والمالية، مما قد يؤدي بدوره إلى انخفاض الدعم الخارجي، بما في ذلك المساعدات الإنسانية الحيوية، وشددت بعثة الصندوق على الحاجة الملحة إلى التعجيل بتنفيذ الإصلاحات المالية.

تشمل هذه الإصلاحات المجالات الرئيسية: تحسين آلية تحصيل الضرائب، وتحديد أولويات النفقات الأساسية، ومواصلة إقامة مزادات بيع العملة الأجنبية بصورة منتظمة، إلى جانب تعزيز حوكمة البنك المركزي اليمني بعدن وجمع البيانات باعتبارها بالغة الأهمية لتعزيز الشفافية والمساءلة. وأشارت البعثة كذلك إلى أهمية وجود قطاع مالي مستقر، مع فرض تدابير امتثال قوية تتماشى مع القوانين الدولية لمكافحة غسل الأموال/ تمويل الإرهاب وتتسق مع المعايير الوطنية، حيث سيسهل ذلك التعاملات التجارية والتحويلات المالية، باعتبارهما شريان حياة للشعب اليمني.

على المدى المنظور، يظل الدعم المالي الخارجي لليمن ضروريا لتخفيف الضغط المالي، والحدّ من الاعتماد على طباعة النقود، والحفاظ على استقرار العملة. وبالتالي، تُعد المشاركة النشطة مع الجهات المانحة أمرًا ضروريًا لسدّ الفجوة في الاحتياجات التمويلية وضمان تدفق مساعدة مالية منتظمة.

أزمة انقطاع الكهرباء في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة

عمل تخريبي يُغرق مأرب في ظلام دامس

في 6 مايو/ أيار، تداولت مصادر إعلامية خبر خروج محطة كهرباء مأرب عن الخدمة بسبب عمل تخريبي طال خطوط إمداد الشبكة، مما ترك المدينة تغرق في ظلام دامس. حدث ذلك بعد خمسة أيام فقط من عمل تخريبي آخر، استهدف خطوط إمداد بين منشآت نفط صافر ومدينة مأرب، مما أجبر محطة الطاقة على الخروج عن الخدمة أيضًا. تمكن المهندسون من إصلاح العطل بسرعة وإعادة تشغيل المحطات، إلاّ أن العمل التخريبي يسلط الضوء على هشاشة أمن الطاقة في مأرب.

تزامنت الأعمال التخريبية مع زيارة قام بها رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي إلى المحافظة، مما أثار قلقاً حول دوافعها. فَالاستهداف المتكرر لمحطات الكهرباء في مأرب، إلى جانب الاشتباكات المستمرة بين القوات الحكومية والمقاتلين القبليين، لا يؤثر في إمدادات الكهرباء في مأرب فحسب، بل على الطريق العام الذي يربط المدينة بمنطقة العبر، ما يعني تعطل حركة شاحنات الوقود القادمة من منشآت صافر وتفاقم النقص القائم في الوقود.

من جانبهم، أصدر الحوثيون بيانات تقول بأن الجماعة قد تتخذ خطوات لمنع استخدام خام مأرب محلياً، منها منشور لحسين العزي، نائب وزير الخارجية في سلطة الحوثيين، على موقع إكس قال فيه: “من دون أي خجل أو شعور بالذنب، يستأثرون بنفط مأرب، بينما 90% من الشعب محرومون تماما، وكأنه ملكية خاصة للعرادة [اللواء سلطان محافظ محافظة مأرب] وحزب الإصلاح”، مع إتاحة استطلاع للرأي يسأل عما إذا كان على سلطات الحوثيين اتخاذ خطوات لإيقاف إنتاج النفط في مأرب أم لا.

نفاد الوقود في محطة لتوليد الكهرباء في عدن

في 1 مايو/ أيار، أعلنت المؤسسة العامة للكهرباء بعدن عن خروج محطة بترومسيلة لتوليد الطاقة عن الخدمة بسبب نفاد إمدادات الوقود. عادت المحطة للخدمة بشكل مؤقت في 3 مايو/ أيار، بعد توفير إمدادات ضئيلة من الوقود، إلاّ أن الشركة حذرت من أنه حل مؤقت وغير مستدام. كانت المحطة – التي تبلغ إجمالي قدرتها الإنتاجية 260 ميجا وات – تعمل بأقل من نصف قدرتها منذ أكثر من عام، بسبب عدم اكتمال مشروع خطوط النقل والمحطة التحويلية. حتى بعد إنجاز المشروع قبل أشهر، ظلت المحطة تعمل بنصف قدرتها الإنتاجية أو أقل بسبب فشل الحكومة في تأمين الوقود الكافي، علماً أنها كانت تولد 50 ميجا وات فقط من الطاقة قبل أزمة الوقود الأخيرة.

خروج محطة بترومسيلة عن الخدمة ما هو إلاّ جانب واحد لأزمة أكبر، حيث سبق أن أكد الناطق الرسمي لكهرباء عدن، نوار أبكر، تفاقم أزمة الكهرباء بالمدينة، قائلًا إن ما يقدر بنحو 40% من محطات توليد الطاقة في عدن أصبحت خارجة عن الخدمة بسبب نفاد الوقود. كما بقيت محطات الديزل خارجة عن الخدمة لأكثر من أسبوعين، في انتظار وصول شحنة وقود متأخرة.

يتحمل سكان عدن عواقب هذا العجز في الطاقة، حيث تشهد المنازل والشركات انقطاع التيار الكهربائي، مع توفر الكهرباء لمدة ساعتين فقط (وبشكل لا يُعوّل عليه) خلال ذروة ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف، بعد كل ثماني ساعات من الانقطاع. نتيجة هذه الاوضاع، خرج عشرات المواطنين إلى الشوارع للاحتجاج على نقص إمدادات الكهرباء، وأغلقوا الطريق المؤدي إلى مطار عدن الدولي في مديرية خور مكسر وأضرموا النار في عدة سيارات، وفقا لمصادر أمنية محلية.

بعد عدة أيام شهدت فيها العاصمة المؤقتة انقطاعاً يومياً في التيار الكهربائي لمدة 12 ساعة، امتدت مدة الانقطاع إلى 20 ساعة في 13 مايو/ أيار، مقابل توفر الكهرباء في المنازل والشركات لأربع ساعات فقط. أثار هذا النقص الحاد في إمدادات الكهرباء غضب الرأي العام، مما أدى إلى احتجاجات.

ومما يزيد من تفاقم الأزمة وجود خلافات بين الحكومة المعترف بها دوليا وشركات الطاقة الخاصة التي تزود محطات الطاقة بالوقود، حول سداد المدفوعات. رُغم سعي المؤسسة العامة للكهرباء جاهدةً لتأمين شحنات وقود إضافية، تعثرت المفاوضات مع الشركات بسبب المشاكل المالية التي تعاني منها الحكومة. وكانت شحنة لوقود الديزل قد وصلت إلى ميناء عدن، إلاّ أن مالكها رفض تفريغ الشحنة لحين قيام الحكومة بسداد الديون المستحقة عليها.

حسب مذكرة صدرت في 8 مايو/ أيار، هددت الشركات الخاصة، ومنها سابسون إنيرجي والأهرام للطاقة، بوقف خدماتها بالكامل إذا لم يتم دفع المستحقات المالية المتراكمة منذ عام 2021، في موعد أقصاه 21 مايو/ أيار. وهدد هذا الوضع بتعقيد سلسلة إمدادات الوقود وتعطل إمدادات شبكة الكهرباء بأكملها.

تجدر الإشارة إلى أن الأزمة الحالية ليست حديثة العهد؛ إذ أن سنوات من الإهمال ونقص الاستثمار في البنية التحتية للكهرباء في عدن ساهمت بشكل كبير في الوصول إلى الوضع الحالي. كان الصيف الماضي قد شهد احتجاجات مماثلة بعد أن أصبح انقطاع التيار الكهربائي والظروف المعيشية أمراً لا يطاق بالنسبة للسكان، واجهت الحكومة وابلًا من الانتقادات بسبب تعاملها غير الفعال مع المشكلة، مع تزايد الاتهامات بسوء الإدارة وانعدام الشفافية.

تدعي الحكومة أنها تنفق 100 مليون دولار أمريكي شهريا على تأجير محطات الوقود وشراء الطاقة، إلاّ أن الإيرادات المحصلة على فواتير استخدام الكهرباء (بتعرفة مدعومة) بالكاد تصل إلى 5 ملايين دولار أمريكي. ومع نفاد حزمة الدعم السعودية مؤخراً والبالغة 250 مليون دولار أمريكي، تواجه الحكومة مرة أخرى انتقادات بسبب طريقة إدارتها للموارد. فضلا عن ذلك، أجبر إغلاق مصفاة نفط عدن – خلال فترة الحرب – المدينة على الاعتماد على الوقود المستورد، والذي أصبح خياراً مكلفاً في ظل تناقص الموارد المالية للحكومة. كما أدى وقف صادرات النفط الخام بعد استهداف الحوثيين لموانئ تصدير النفط في الجنوب – أواخر عام 2022 – إلى حرمان الحكومة من الإيرادات اللازمة لتغطية تكاليف توليد وتوفير الطاقة.

يشير منتقدو الحكومة – المعتمدة بشكل كبير على المساعدات الخارجية – إلى فشلها في معالجة الأسباب الكامنة وراء الأزمة وفي تحسين الظروف المعيشية للمواطنين اليمنيين، حيث دفع تقاعسها الواضح، لا سيما خلال أشهر الصيف الحارقة، السكان إلى حافة الانهيار. تفاقمت حالة الغضب والاستياء وسط السكان حيث أغلقوا الطرق وأحرقوا الإطارات في محاولة يائسة لإجبار الحكومة على التحرك.

مع ذلك، تنحصر غالبية الانتقادات في وسائل التواصل الاجتماعي – حيث لجأ السكان إلى هذه المنصات للتنفيس عن إحباطهم، مع تنامي الانتقادات الموجهة إلى المجلس الانتقالي الجنوبي والمسؤولين الحكوميين على نحو غير مألوف. وتداول النشطاء عبارة تقول بأن المجلس الانتقالي الجنوبي لا يمثل عدن في الصيف، بل في الشتاء فقط، بينما رثى آخرون (من باب السخرية) عهد الرئيس السابق علي عبد الله صالح والذي كانت تتوفر فيه الخدمات على الأقل، ودعا البعض إلى اتخاذ خطوات أكثر تطرفا، وحثوا المواطنين على محاصرة مقر الحكومة للمطالبة بحلول. من جهته، وجه المجلس الانتقالي الجنوبي – شريك رئيسي في الحكومة والذي يسيطر على عدن ويديرها – انتقادات قاسية للحكومة، متهما إياها بالإهمال في تقديم الخدمات في الجنوب في محاولة للتنصل من مسؤوليته في هذا الجانب.

العليمي يكشف النقاب عن استراتيجية لحل أزمة الكهرباء

في خطاب متلفز بتاريخ 21 مايو/ أيار، عشية الذكرى الرابعة والثلاثين لتوحيد اليمن وإعلان الجمهورية اليمنية، طرح رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، استراتيجية شاملة لمعالجة أزمة الكهرباء الحادة في البلاد، تجمع بين تدابير فورية للتخفيف من الأزمة ورؤية طويلة المدى لتوليد الطاقة بشكل مستدام. وتشمل التدابير الفورية تأمين إمدادات وقود لمحطات توليد الطاقة الحالية بشكل منتظم، والتي ستؤدي إلى زيادة القدرة الإنتاجية للمحطات والاستجابة بشكل أسرع للانقطاع المتكرر في خدمات الكهرباء، كما أشار إلى أن مجلس القيادة الرئاسي وضع استراتيجية شاملة – بالتعاون مع الحكومة والسلطات المحلية – على مدى العامين الماضيين، حيث تهدف الاستراتيجية المدعومة من التحالف الذي تقوده السعودية، إلى إيجاد حلول دائمة لنقص إمدادات الكهرباء في البلاد.

قال العليمي إن التحسينات المتوخاة وشيكة، بما في ذلك تأمين إمدادات وقود بشكل مستدام وإضافة 120 ميجاوات إلى الشبكة من محطات توليد الطاقة المتجددة في عدن خلال الشهر المقبل (يونيو)، تليها 25 ميجاوات من محطات المخا في تعز. يأتي الاستثمار الكبير في مصادر الطاقة المتجددة من ضمن الركائز الأساسية للاستراتيجية الطويلة الأجل، حيث تشمل الخطط بناء محطة للطاقة المتجددة بقدرة 56 ميجاوات في شبوة، وخطط لمشاريع إضافية في حضرموت وتعز ومديريتي الخوخة وحيس في الحديدة، بقدرة إجمالية تبلغ 135 ميجاوات. وأكدت الحكومة التزامها بزيادة قدرة محطة الرئيس للطاقة في عدن إلى أكثر من 200 ميجاوات بعد تجديد الشبكة، فضلا عن تمويل الكويت مشروعا بقيمة 40 مليون دولار أمريكي لترميم وإعادة تشغيل محطة مأرب الغازية والذي تم رفده أيضاً بمساهمات من السلطة المحلية.

رغم أن التركيز على تنفيذ تدابير فورية للتخفيف من الأزمة وتطوير البنية التحتية على المدى الطويل يعتبر مؤشراً واعداً، سيتطلب التنفيذ آلية فعالة للتغلب على التحديات التي يفرضها الصراع الدائر وعدم كفاءة أنظمة توزيع الكهرباء.

تطورات أخرى

الحكومة تشدد الضوابط على واردات الأدوية

شددت الحكومة المعترف بها دوليا الضوابط المتعلقة بواردات الأدوية التي تنتهك لوائح السلامة، حيث أصدرت نيابة الصناعة والتجارة في عدن توجيها يطالب بإعادة تصدير جميع الأدوية المشحونة في حاويات حديدية لا تستوفي المعايير إلى بلد المنشأ. وأشارت مذكرة رسمية صادرة بتاريخ 23 أبريل/ نيسان، إلى إجراء تحقيق في استخدام حاويات غير مناسبة لواردات الأدوية، ووجهت الجهات المختصة بإعادة تصدير هذه الشحنات إلى بلدان المنشأ لحماية الصحة العامة. وتم إخطار مالكي شركات الأدوية بهذا المطلب وبأنهم سيواجهون إجراءات قانونية ما لم يمتثلوا لذلك في غضون أسبوع واحد.

يأتي هذا التوجيه بعد قرار نيابة استئناف جنوب عدن في أواخر مارس/ آذار، بمنع استيراد أي أدوية عبر حاويات غير مطابقة للمواصفات المعتمدة لنقل وتخزين شحنات الأدوية لضمان حفظها وسلامتها. وقد حظر تعميم النيابة، المُوجّه إلى جميع المستوردين المعنيين، استيراد الأدوية في “حاويات حديدية جافة غير مبردة أو بأي طريقة أخرى غير مطابقة لمتطلبات وظروف التخزين والمواصفات المطلوبة لسلامة حفظ الأدوية.”

مطالب بإجراء تحقيق توقف إصلاحات كابل في البحر الأحمر مهددا الاتصال العالمي بالانترنت

في 15 مايو/ أيار، نشرت بلومبرج تقريراً جاء فيه إن أعمال إصلاح كابلات الاتصالات المتضررة في البحر الأحمر، قد شهدت تأخيرات بسبب مطالب الحكومة بإجراء تحقيقات في علاقات أحد مشغلي الكابلات بجماعة الحوثيين. أثار هذا الوضع، إلى جانب تعطيل الحوثيين حركة الملاحة البحرية، مخاوف بشأن ضعف البنية التحتية للإنترنت واحتمال تأثر طرق البيانات السريعة التي تربط بين أوروبا والشرق الأوسط وآسيا.

يُعد الكابل إيه إيه إي-1 (ِAAE-1)، الذي يبلغ طوله 25 ألف كيلومتر من الألياف الضوئية الرابطة بين أوروبا وجنوب شرق آسيا، أحد الكابلات الثلاثة التي تضررت في البحر الأحمر. وتشير احتمالات إلى أن مرساة السفينة التجارية روبيمار، التي استهدفت بصاروخ حوثي في فبراير/ شباط الماضي، هي من تسببت بقطع الكابلات البحرية الثلاثة (إيه إيه إي-1، و سيكوم/تي جي إن، وإي آي جي) أثناء غرقها. وقد أثر الحادث بشكل كبير على الاتصال بالإنترنت في الشرق الأوسط، وأجبر شركات الاتصالات على إعادة توجيه طرق البيانات السريعة من خلال ربطها بكابلات جديدة بتكلفة كبيرة.

تقوم الحكومة المعترف بها دوليا حاليا وهي أحد أعضاء الاتحاد الذي يدير الكابل (إيه إيه إي-1) ويضم شركة الاتصالات اليمنية (تيليمن) بالتحقيق حول وجود صلات بجماعة الحوثيين، ونتيجة لذلك رفضت الحكومة منح تصاريح لإصلاح الكابل في المياه اليمنية، مما أسهم في تأخير جهود استعادة طرق البيانات السريعة بين أوروبا وآسيا.

تنطوي عملية إصلاح كابلات الإنترنت في المياه اليمنية على تعقيدات قانونية وسياسية بالنسبة لشركات الاتصالات العالمية، إذ لابد من استصدار تصريحين للبدء في أي أعمال إصلاح. وتحتفظ الحكومة المعترف بها دوليا بسلطة منح هذه التصاريح وبحق اللجوء للإجراءات القانونية ضد الشركات التي تعمل دون تصريح منها. في المقابل، يسيطر الحوثيين على موقع جغرافي قريب من موقع الكابلات المتضررة، وبحكم وضعهم كسلطة الأمر الواقع، لا بد من الحصول على تصريح منهم أيضا لإصلاح الكابلات بصورة آمنة وفعالة.

تمر أكثر من 90 في المائة من طرق البيانات السريعة بين أوروبا وآسيا عبر البحر الأحمر، وهو ما يجعله نقطة عبور مهمة للاتصالات. وتؤثر الاضطرابات في المنطقة بشكل كبير على دول مثل الهند وكينيا والإمارات، التي تعتمد بشكل كبير على هذه الكابلات البحرية للاتصال بالإنترنت مع أوروبا. وتؤكد الخطط المرتقبة لمدّ كابلات بحرية جديدة (بما في ذلك بلو رامان/Blue-Raman، الهند – أوروبا إكسبرس/ India-Europ-Xpress، و2 أفريقيا/ 2Africa) أهمية البحر الأحمر في هذا المجال. وبما أن مضيق باب المندب يُعد ممراً بين أفريقيا والشرق الأوسط، لا بد من مرور الكابلات بالقرب من المياه اليمنية قبالة سواحل المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون.

يسيطر الحوثيون على بنية تحتية كبيرة للاتصالات، بما في ذلك جزء من البنية التحتية الخاصة بشركة تيليمن، أحد أعضاء الاتحاد الذي يدير الكابل (إيه إيه آي-1). وقد اتهمت منظمة غير حكومية مقرها الولايات المتحدة (The Counter Extremism Project) جماعة الحوثيين باستغلال سيطرتهم على البنية التحتية للاتصالات لمراقبة حركة البيانات عبر الإنترنت وفرض الرقابة عليها والتربّح من قاعدة المستخدمين المتنامية.

في حين يصر الحوثيون على أنهم لم يستهدفوا تلك الكابلات البحرية، تثير هجماتهم على السفن التجارية مخاوف بشأن انقطاعات محتملة في الانترنت مستقبلاً.

وعلى الرغم من قانونيته، يساهم التحقيق الذي تجريه الحكومة في تأخير أعمال إصلاح الكابلات ويُطيل من مدة انقطاع الإنترنت عبر هذه الخطوط. وقد تصبح أحد الخيارات هو استكشاف طرق بديلة لإصلاح الكابلات أو التعاون مع أطراف خارجية محايدة في حال استمرت التأخيرات.

إضراب أفران ومخابز في عدن بسبب ارتفاع تكاليف الدقيق

في 24 مايو/ أيار، أعلنت جمعية المخابز والأفران المهنية بمدينة عدن، تنفيذ إضراب جزئي تلاه إضراب كلي اليوم التالي لجميع المخابز والأفران في عدن احتجاجاً على إغلاق المخابز في مديرية البريقة بحُجة مخالفتها التسعيرة، وهو ما أجج التوترات بين أصحاب المخابز في عدن والسلطة المحلية. في بيان لاذع، أدانت الجمعية “الإجراءات التعسفية” التي مورست ضد مخابز البريقة، وسلطت الضوء على عدم اتساق اللوائح الحكومية مع الواقع المُعاش على الأرض.

تمثل مطلب الجمعية الأساسي في إقرار السعر الجديد للخبز (أو الروتي كما يطلق عليه محلياً) -100 ريال يمني لرغيف خبز وزن 60 جراما-بسبب “زيادة أسعار المواد الداخلة في تكوين الروتي (الخبز)”. ظلت أسعار الخبز على حالها دون تغيير منذ عام 2022 – على الرغم من زيادة أسعار الدقيق والخميرة والزيت وغيرها من المكونات الأساسية. كما ارتفعت تكاليف وقود الديزل والإيجار وتكلفة اليد العاملة بشكل كبير، مما قلّص من هامش ربح المخابز والأفران. سلط بيان الجمعية الضوء على الوضع غير المستقر للمخابز، في ظل ارتفاع أسعار المكونات وهبوط قيمة العملة المحلية.

حذرت الجمعية من أي “أعمال تعسفية” قد تطال بقية المخابز، مُلّمِحة إلى استعدادها لتصعيد الإضراب إذا استمرت هذه الإجراءات، وحظي موقف الجمعية بدعم من العديد من أصحاب المخابز والأفران الآلية في عدن، الذين أكدوا أن استمرار ارتفاع أسعار المواد المكونات سيؤدي إلى توقف مخابزهم وإفلاسها، وناشد البيان جميع الجهات المعنية مراعاة الظروف الصعبة ووضع حل مستدام وشامل يحمي مصالح كل من المواطنين وأصحاب المخابز.

يُعدّ هذا الإضراب تذكير قوي بالتأثير الذي يخلفه انعدام الاستقرار الاقتصادي على مختلف القطاعات، ويهدد النزاع بزعزعة استقرار الوضع الهش أساساً في عدن ما لم توضع حلول سريعة وشاملة تعالج شواغل المنتجين والمستهلكين على حد سواء.

وزارة النقل توجّه الخطوط اليمنية بنقل إيراداتها

في 2 يونيو/ حزيران، أصدر وزير النقل بالحكومة عبد السلام حميد توجيهًا للخطوط الجوية اليمنية بسرعة تحويل كافة إيرادات الشركة إلى حساباتها البنكية في عدن أو في الخارج، بزعم إبعاد تلك الايرادات عن سطوة الحوثيين والسماح للشركة بالإنفاق على تطوير وتحديث أسطولها. ووفقا لما ورد في التوجيه، صادرت السلطات الحوثية في صنعاء أو جمّدت أكثر من 100 مليون دولار أمريكي من أرصدة الخطوط اليمنية. كما وجهت الوزارة بنقل ما تبقى من إدارات الخطوط اليمنية في صنعاء إلى مركز الشركة الرئيسي في عدن، بصورة عاجلة.

يبدو أن الوزارة حاولت ربط المسألة بوقف البنك المركزي اليمني في عدن مؤخرا التعامل مع ستة بنوك تجارية لعدم امتثالها للتوجيهات بنقل مراكزها الرئيسية إلى عدن، حيث تتعامل مكاتب ووكالات الخطوط اليمنية مع هذه البنوك في المحافظات الخاضعة لسيطرة الحوثيين. وقد تزامن التوجيه مع تعليق مؤقت لبعض الحجوزات من صنعاء، حيث اقتصرت الرحلات على نقل الحجاج المسافرين إلى السعودية، قبل أن تستأنف الشركة رحلاتها في 5 يونيو/ حزيران، بشرط أن يتم حجز الرحلات فقط من خلال مكاتب الشركة الموجودة خارج صنعاء.

سبق وأن نشأت خلافات حول إيرادات الخطوط اليمنية من قبل؛ فَفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، علقت الشركة الرحلات بسبب خلاف مع سلطة الحوثيين بعد منعها من الوصول إلى أكثر من 80 مليون دولار أمريكي من أرصدتها في البنوك الموجودة بصنعاء.

ردّ المسؤولون الحوثيون بتعليق الرحلات المخصصة للمنظمات الدولية، ثم قصرها لرحلة واحدة فقط في الأسبوع. اعترف نائب وزير الخارجية بسلطة الحوثيين/ حسين العزي بفرض قيود على السحب من أرصدة شركة الخطوط اليمنية قائلاً: “نحن لم نوقف إلا سحب المبالغ الكبيرة وذلك منعًا للفساد وحرصا وترسيخا لسلوك نزيه ومنضبط وشفاف لصالح الشركة كناقل وطني”.

كانت وزارة النقل التابعة للحكومة قد صرحت في ذلك الوقت، بأن قرار استئناف الرحلات من مطار صنعاء جاء انطلاقاً من دوافع إنسانية رغم استمرار سلطات الحوثيين بمنع وصول شركة الخطوط اليمنية إلى أرصدتها في البنوك التجارية بصنعاء، واستؤنفت بالفعل الرحلات في وقت لاحق من ذلك الشهر. إلاّ أن مكاتب الخطوط اليمنية في عدن توقفت عن بيع تذاكر رحلات من صنعاء، ليتعمّق الانقسام بين فروع الشركة في مناطق سيطرة الأطراف المختلفة.

تمثل مبيعات التذاكر في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون ما يقرب من 70 في المائة من إجمالي إيرادات بيع التذاكر، ويعزى ذلك لتركّز نسبة كبيرة من السكان اليمنيين في تلك المناطق. كانت شركة الخطوط الجوية اليمنية قد اقترحت أن تحتفظ سلطة الحوثيين بـ 70% من الأموال المجمدة في صنعاء، على أن يذهب الباقي إلى الحكومة المعترف بها دوليا، إلاّ أن السلطات الحوثية رفضت الاقتراح.

عمال شركة نفطية يحتجون على تسريح زملائهم

احتج موظفو مجموعة أو إم في النمساوية للنفط والبتروكيماويات على فصل 33 من زملائهم في العمل في شكوى مقدمة إلى وزارة النفط والمعادن اليمنية. وكانت مجموعة أو إم في قد أعلنت عن خطط لتسريح العمال في سبتمبر/ أيلول الماضي، بعد فشل بيع حصصها لشركة زينيث الهولندية. ويتوقع أن يفقد نحو 200 عامل في القطاع (إس 2) في منطقة العقلة بمديرية عرماء في شبوة وظائفهم، علماً بأن العمال الـ 33 المُسرّحين كانوا الدفعة الأولى، حيث مُنح 120 آخرين إجازة بدون راتب ودون أي ضمانات لعودتهم إلى العمل.

دعا الموظفون وزير النفط والمعادن / سعيد الشماسي التدخل نيابة عنهم، وأن عمليات تسريح العمال جاءت بعد وفاة زميل لهم بنوبة قلبية ناجمة عن الإجهاد، معربين عن غضبهم من الإعلان عن خطط التسريح في 1 مايو/ أيار- أي يوم العمال العالمي.

جدير بالذكر أن صادرات النفط والغاز باليمن توقفت منذ خريف عام 2022، بعد استهداف الحوثيين لموانئ تصدير النفط بشبوة وحضرموت/ أثناء رسو ناقلات فيها والذي فرض حصاراً فعلياً على القطاع. وتضررت الشركات العاملة في القطاع خسارة كبيرة في إيراداتها، حالها حال الحكومة المعترف بها دوليا.

كانت مجموعة أو إم في النمساوية قد أجرت محادثات مطولة مع شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) المملوكة للحكومة الإماراتية للدمج بين كيانين تمتلك الشركتان حصصا فيها، وإنشاء شركة عملاقة للكيماويات، لكن الموضوع شهدت سلسلة من التأجيلات ومن غير المتوقع إبرام الاتفاق قبل الانتخابات النمساوية في خريف هذا العام.

بدء تشغيل مطار المخا

أعلنت الحكومة المعترف بها دوليا عن افتتاح مطار المخا بمحافظة تعز لاستقبال الرحلات التجارية، في مؤشر إيجابي رغم الصراع المستمر. وأصدرت الهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد بعدن تعميماً بشأن جاهزية المطار الواقع في الساحل الجنوبي الغربي للبلاد أمام الرحلات القادمة والمغادرة، حيث سيُشغّل كمطار من فئة جي (G) – أي مفتوح فقط في ساعات النهار كمرحلة أولى – بدءا من 5 أبريل/ نيسان. ودعت الهيئة العامة للطيران المدني جميع شركات الطيران والمنظمات الدولية العاملة في اليمن إلى الاستفادة من الخدمات التي يقدمها مطار المخا، بعد أن أصبح بكامل الجاهزية الفنية والإدارية.

تم تحديد رمز دولي للمطار معتمد من منظمة الطيران المدني الدولي بـ (OYMK)، علماً بأن القدرة التشغيلية للمطار ستكون محدودة في الوقت الراهن بسبب نقص إمدادات الكهرباء. وكان طارق صالح، عضو مجلس القيادة الرئاسي وقائد قوات المقاومة الوطنية المسيطرة على الشريط الساحلي بتعز – بما في ذلك المخا – قد أعلن عام 2022، عن خطط لفتح المطار بدعم من الإمارات.

عقوبات أمريكية جديدة تستهدف شبكة مرتبطة بالحوثيين

أعلنت الولايات المتحدة، في 17 يونيو/ حزيران، عن عقوبات جديدة طالت شبكة من الأفراد والكيانات المتهمة بتمويل وتسهيل تهريب الأسلحة للحوثيين. وحدّد مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية شخصين وخمسة كيانات يُزعم تورطهم في تسهيل شراء أسلحة للحوثيين.

يتخذ أحد الأفراد المستهدفين بالعقوبات، وهو علي عبد الوهاب محمد الوزير، الصين مقراً لإقامته وشركته، حيث اشترت الجماعة مواد لتصنيع وتطوير أسلحة تقليدية داخل اليمن.

كما استهدفت العقوبات شركة مقرها عُمان يديرها معاذ أحمد محمد الحيفي -كلا الرجلين من طبقة الهاشميين – أحد شرائح المجتمع اليمني التي تدعي نسبها لسلالة النبي محمد ومن بينها أسرة الحوثي- وتشكل 5-10 في المائة من سكان اليمن حسب التقديرات. منذ استيلائهم على صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014، حرص الحوثيون على منح الهاشميين أفضلية في المناصب السياسية وفي الجيش والأمن والاقتصاد.

طالت العقوبات أيضًا شركة مقرها الإمارات وسفينة تعمل لصالحها (لكن ترفع علم الكاميرون) مع قبطانها، للتورط في تسهيل نقل وبيع شحنات سلع نيابة عن الجماعة، وكانت العقوبات السابقة في 10 يونيو/ حزيران، قد حدّدت أفراد وكيانات وسفن متورطة في النقل غير المشروع للنفط وسلع أخرى كجزء من شبكة لتمويل الحوثيين يديرها سعيد جمال.

تأتي هذه العقوبات كجزء من مساعي الولايات المتحدة منذ بداية العام للضغط على الحوثيين ماليا من أجل وقف هجماتهم على السفن التجارية في البحر الأحمر والممرات المائية الاستراتيجية الأخرى. وأعادت إدارة الرئيس بايدن تصنيف جماعة الحوثيين ككيان إرهابي عالمي (مصنف تصنيفاً خاصاً)، بعد فترة وجيزة من بدء التحالف الأمريكي- البريطاني شنّ غارات تستهدف الأصول العسكرية للحوثيين في اليمن في يناير/ كانون الثاني.

كان مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية قد أعلن في ذلك الشهر عن عقوبات مماثلة طالت عددا من المسؤولين العسكريين الحوثيين لضلوعهم في الهجمات على السفن التجارية.