إصدارات الأخبار تحليلات تقرير اليمن أرشيف الإصدارات

السيناريو السوري: لماذا تكراره غير محتمل في اليمن

Read this in English

أثار التقدم السريع والمفاجئ لقوات المعارضة في سوريا أواخر عام 2024، والذي انتهى بالإطاحة بنظام الأسد، الآمال لدى أطراف المعسكر المناهض للحوثيين باحتمال استكشاف سيناريو مماثل في اليمن، وتوجيه ضربة موجعة أخرى لمحور المقاومة الذي تقوده إيران.

يرى اليمنيون العديد من أوجه التشابه بين الوضع في بلادهم والوضع في سوريا، حيث برزت جماعة الحوثيين ونظام الأسد كأطراف رئيسية في حرب أهلية مدمرة في كلا البلدين، وكَحليفين رئيسيين لإيران والجهات الفاعلة الإقليمية الأخرى المدعومة من إيران، مثل حزب الله، تبنى الحوثيون ونظام الأسد، من مراكز سلطتهم في صنعاء ودمشق، استراتيجية للحُكم والقتال تعتمد على إعلاء فئات اجتماعية محددة وإقصاء أو تهميش الشرائح الاجتماعية والفصائل السياسية الأخرى.

رغم أوجه التشابه الظاهرة هذه، من غير المرجح أن يشهد اليمن انهياراً مفاجئاً كالذي حدث في سوريا نظراً لاختلاف الظروف والسياق في البلدين اختلافاً جوهرياً. لقد تربعت أسرة الأسد على زمام السلطة لأكثر من خمسة عقود، وهي فترة طويلة بما يكفي ليُصاب النظام بالركود ويتحوّل إلى سلطة هرمة تفتقر إلى أساس أيديولوجي قوي. ورث بشار الأسد السلطة من والده حافظ الأسد عام 2000، دون أن يضطر إلى الكفاح من أجل الاستيلاء عليها أو الدفاع عنها. حين اندلعت الحرب الأهلية في البلاد، اضطر الأسد إلى الاعتماد على أطراف خارجية مثل إيران وحزب الله وروسيا، للحفاظ على كرسي السلطة.

على النقيض من ذلك، يمثل الحوثيون حركة جيل أول ذات أساس أيديولوجي قوي، مما يعني أن تاريخها قصير نسبياً. بالتالي يستعيض الحوثيون بالحماس والعزيمة لحماية سلطتهم التي استحوذوا عليها خلال العقد الماضي والتغطية على نقص الخبرة. اليوم، يحظى الحوثيون بالآلاف من الأتباع المخلصين المستعدين للقتال حتى الرمق الأخير.

تلعب التقسيمات الجغرافية في اليمن والإرث التاريخي لحُكم الإمامة الزيدية في شمال اليمن دورًا محورياً في تشكيل مسار وقيود أي عمل عسكري ضد الحوثيين، فالجماعة تسيطر بشكل تام على المناطق الوعرة بين صعدة وصنعاء، والتي تشكل حصنًا طبيعيًا لها. ورغم افتقارهم إلى قاعدة شعبية عريضة – بما في ذلك بين العديد من الزيديين – إلا أن الحوثيين يمثلون إحدى الهويات المناطقية الفريدة للبلاد، مما يعني أن هزيمتهم في معقلهم بشمال البلاد سيمثل تحديًا هائلاً.

على الجانب الآخر، يختلف المعسكر المناهض للحوثيين في اليمن كثيراً عن قوى المعارضة التي استولت على السلطة في دمشق. بالطبع كانت هناك انقسامات داخل المعارضة السورية، إلا أنها اقتصرت في السنوات الأخيرة عموماً على المُكوّن الكردي في شمال شرقي البلاد. في اليمن، يبرز العديد من اللاعبين الإقليميين ذوي الأجندات المتضاربة، وعلى رأسهم السعودية والإمارات، وبدرجة أقل سلطنة عمان وقطر؛ وبالتالي، يُعدّ الصراع على النفوذ والسيطرة في اليمن أكثر تعقيداً بكثير مما هو عليه في سوريا، بما أن اليمن أصبح ساحة جديدة للتنافس الإقليمي.

فضلا عن ذلك، يشكل الحوثيون تهديدًا حقيقيًا لكل من السعودية والإمارات، كما يتضح من استهدافهم سابقاً للبنية التحتية في كلا الدولتين. لذا، أي تحرك لتصعيد الصراع في اليمن ضد الحوثيين سينطوي على مخاطر كبيرة، تتمثل في تجدّد الهجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة، وهي مسألة غير مقبولة غالباً بالنسبة للرياض وأبوظبي.

يتمتع الحوثيون بميزة قوة أخرى ألا وهي المركزية في اتخاذ القرار، الأمر الذي مكّنهم من إدارة الصراعات الداخلية دون تهديد تماسك نسيج الجماعة. يُمثل عبد الملك الحوثي المرجعية في عملية صنع القرار هذه، باعتباره صاحب السلطة السياسية والروحية المطلقة في نظر أتباعه. من الجدير بالملاحظة أنه رغم توسّع الجماعة على مدى العقد الماضي وتمدّد هيمنتها إلى مناطق جديدة في اليمن، فإن الدائرة الداخلية لها لم تتوسع بشكل مماثل، حيث لا تزال محصورة في حلقة ضيقة من الموالين منذ أيام حروب صعدة (2004-2010). هذه المركزية قد تتحوّل اليوم إلى نقطة ضعف حرجة إذا ما تم تنفيذ عمليات موجهة ضد قيادة الجماعة، وخاصة عبد الملك الحوثي. على سبيل المثال، حين قُتل رئيس المجلس السياسي الأعلى السابق صالح الصماد عام 2018، بغارة للتحالف الذي تقوده السعودية، تم تعيين مهدي المشاط خلفًا له، لكن الأخير فشل إجمالاً في ملء الفراغ الذي تركه الصماد، وتحديداً في الحفاظ على التحالفات القبلية والاضطلاع بالمهام التنظيمية الرئيسية.

بشكل عام، يُعدّ السياق في اليمن حساساً للغاية للتطورات الإقليمية ويتأثر بديناميكياتها بسهولة، فَمنذ انخراط الحوثيين في الصراع الإقليمي عقب أحداث 7 أكتوبر، واندلاع الحرب في غزة، أصبحت اليمن في قلب التحولات الإقليمية الهامة. إلى يومنا هذا، لم يتضح بعد، ما إذا كان اتفاق وقف إطلاق النار في غزة سيوقف استهداف الحوثيين لحركة الملاحة في البحر الأحمر وهجماتهم ضد إسرائيل أم أنها ستستمر. أضف إلى هذا أن اليمن لا يتربع بالضرورة على أولويات الجهات الفاعلة الإقليمية، وهو ما قد يُعزز الجهود لتجميد الصراع.

سيشهد الوضع المزيد من التغييرات بلا شك، إلا أنها ستتشكل في نهاية المطاف وفق ما يمليه السياق الفريد لليمن، لذا أي مقارنات مع سياقات أخرى لن تكون دقيقة. تظل حالة الضعف والانقسامات التي يعاني منها المعسكر المناهض للحوثيين من أبرز المخاوف؛ ومن غير المرجح أن تُحبذ القوى الإقليمية والدولية حدوث فراغ محتمل للسلطة في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، أو المزيد من التشرذم الذي قد يزعزع استقرار المنطقة. وعليه، فإن أي مقاربة لمعالجة الملف اليمني من خلال التصعيد العسكري ضد الحوثيين سَيُنظر إليها – على الأرجح – باعتبارها مقاربة تنطوي على مخاطر عالية وتكاليف باهظة وإمكانيات محدودة لتحقيق مكاسب كبيرة.

مشاركة