تفاقم المشاكل المالية للحكومة
يشهد اليمن انكماشاً اقتصادياً حاداً في الوقت الذي يحاول فيه تجاوز التحديات المالية التي تعصف بالبلاد منذ فترة طويلة. تقرير البنك الدولي الصادر أواخر نوفمبر، حول مواطن الضعف المالية في البلدان منخفضة الدخل، سلط الضوء على الوضع المالي المتردي في اليمن باعتباره من بين الأسوأ في العالم، وأشار المرصد الاقتصادي لليمن الصادر عن البنك الدولي (ربيع 2024) إلى أن الأزمة الحالية ناجمة عن تراجع عائدات النفط والجمارك، التي كانت تمثل العمود الفقري للاقتصاد اليمني. كما أُجبرت الحكومة على تقليص النفقات المالية، مما يحد من توفير الخدمات الأساسية ويهدد التنمية والنمو الاقتصادي المستدام.
على الرغم من محاولات معالجة هذه التحديات من خلال إضفاء المركزية على الرقابة المالية، لا يزال الوضع المالي للحكومة غير مستقر. فقد تلقى العديد من الموظفين رواتبهم كمتأخرات، إلى جانب الدعم السعودي المحدود والمشوب بالتدخلات السياسية بشكل أضر باستقلالية الحكومة اليمنية. فضلا عن ذلك، ساهمت سيطرة جماعة الحوثيين على الأسواق الرئيسية (بفعل حجم الكتلة السكانية)، بما في ذلك واردات المواد الغذائية وسلع المعونة الإنسانية، وانخراطهم المتهور في النزاعات العسكرية الإقليمية، في عرقلة التعافي الاقتصادي.
لتأمين مزيد من الدعم لها، انخرطت الحكومة في جهود دبلوماسية مع العديد من الجهات الدولية الفاعلة، ففي مناقشات شهر أكتوبر، التي جرت خلال الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي في واشنطن، بحث المسؤولون الحلول الممكنة لاحتواء الأزمة الاقتصادية والإنسانية المتصاعدة، وأكدت الاجتماعات على حتمية برامج الدعم الطارئة لمعالجة انعدام الأمن الغذائي والحد من التضخم المستشري. مع ذلك، لم يحرز تقدم ملموس في هذه القضية كما يتضح خلال الانعقاد الأخير للجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث أظهر المجتمع الدولي اهتمامًا محدودًا بمعالجة الأزمة الاقتصادية في اليمن.
أواخر نوفمبر، حذّر مجلس إدارة البنك المركزي اليمني بعدن، من احتمال تأثر السلم الاجتماعي وحدوث اضطرابات بسبب الوضع الاقتصادي المتردي، وحث مجلس القيادة الرئاسي على اتخاذ إجراءات فورية. لم تتمكن الحكومة من دفع رواتب موظفي القطاع العام لشهر أكتوبر، حيث اضطرت وزارة المالية – المسؤولة عن إدارة الشؤون المالية للحكومة – إلى تعليق صرف الرواتب بسبب نقص السيولة في خزينة البنك المركزي اليمني-عدن.
فشلت السياسات النقدية الانكماشية التي اتخذها البنك المركزي اليمني بعدن على مدى العامين الماضيين. علاوة على ذلك، فشلت سياسة السوق المفتوحة (للسوق الثانوية)، بما في ذلك إصدار أدوات الدين العام غير التضخمية لتعويض العجز المالي، بسبب تدهور ثقة الناس في مثل هذا النوع من الاستثمارات – سواء في أوساط البنوك اليمنية أو عامة الشعب.
لقد تفاقمت الأزمة الاقتصادية بشكل كبير على مدار العام 2024، مع تضاؤل احتياطيات النقد الأجنبي الذي ساهم في تعميق المشاكل القائمة أساساً مثل تعطل صادرات النفط (التي تعد أحد أهم مصادر الإيرادات للحكومة)، والمساعدات الخارجية غير المنتظمة وغير الكافية. أدى التضخم الحاد الناتج عن ذلك إلى تآكل القوة الشرائية للمواطنين، وعلى ضوئه، في نوفمبر، سافر رئيس الوزراء أحمد عوض بن مبارك إلى الرياض، في محاولة لتأمين دعم مالي طارئ من المملكة العربية السعودية.
تأججت الاحتجاجات في عدة مناطق بسبب تأخير دفع الرواتب، وفشل الحكومة في توفير الخدمات العامة الأساسية، وأصدرت النقابات المهنية دعوات للإضراب العام من أجل الضغط على الحكومة للوفاء بالتزاماتها المالية. هذا ويكافح العاملون في القطاع العام، وخاصة المعلمون، لتلبية احتياجاتهم الأساسية في ظل انخفاض القدرة الشرائية لأجورهم التي أصبحت تقل عن 50 دولارًا أمريكيًا شهريًا.
من جهة أخرى، اهتزت ثقة الشعب أكثر بسبب تُهم الفساد وتصدير العملة الصعبة بشكل غير قانوني، حيث ساهم الانكماش الاقتصادي المستمر وانعدام الشفافية في إدارة الموارد المالية بتعزيز التصوّر بأن كبار المسؤولين الحكوميين يعلون مصالحهم الخاصة على حساب احتياجات المواطنين ورفاهيتهم. كما أن الانقسامات الداخلية القائمة داخل مجلس القيادة الرئاسي تهدد التماسك الاجتماعي في المناطق الخاضعة للسيطرة الاسمية للحكومة، وتعيق العمل الجماعي لمعالجة الأزمة المستمرة.
مطلع ديسمبر، صرفت الحكومة رواتب شهر أكتوبر المتأخرة لأفراد الوحدات الأمنية والعسكرية والإدارية في المحافظات الخاضعة لسيطرتها، عقب اندلاع احتجاجات واسعة وإضرابات عامة في عدة محافظات بسبب انتشار شائعات عن اعتزام الحكومة صرف نصف معدل الرواتب فقط. في محاولة للحد من السخط الشعبي المتزايد، أكدت وزارة المالية التزامها بصرف الرواتب كاملة، لكن التأخير دفع الكثيرين في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة إلى حافة الفقر والمجاعة.
الريال يهبط إلى مستويات قياسية
واصل الريال اليمني الجديد انخفاضه الحاد في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة أواخر العام 2024، مما أدى إلى تفاقم الوضع الاقتصادي والإنساني غير المستقر أساساً في اليمن. فَبعد فترة من الاستقرار النسبي الذي أعقب ضخ الدعم المالي السعودي بقيمة 300 مليون دولار أمريكي في يونيو الماضي، هبط الريال الجديد إلى مستوى قياسي حيث تم تداوله بأكثر من 2000 ريال يمني لكل دولار أمريكي واحد بحلول منتصف أكتوبر الماضي. لم تفلح محاولات البنك المركزي اليمني في عدن لتحقيق استقرار العملة وأثبتت عدم نجاعتها، مع انخفاض معدلات الاكتتاب في مزادات العملات الأجنبية (التي يقيمها البنك المركزي بعدن) والتباين الكبير بين أسعار الصرف الرسمية وأسعار الصرف في السوق.[1] بالمقابل، ظل الريال القديم، الذي يتم تداوله في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، مستقرًا نسبيًا، حيث تراوح سعره بين 535 و539 ريالًا يمنيًا لكل دولار أمريكي واحد.
ساهمت عدة عوامل في التدهور الملحوظ للريال: فنقص الاحتياطيات الأجنبية لدى البنك المركزي اليمني بعدن، بسبب تعليق صادرات النفط والغاز والدعم السعودي غير الكافي، أضعف إلى حد كبير القدرة على تحقيق استقرار العملة. كما أن تقويض موقف البنك المركزي ونفوذه على النظام المالي، سمح لمنافذ الصرافة غير المرخصة بالمضاربة بالعملة والاستفادة من تقلبات سعر صرف الريال، مما أضعف سوق العملة.
في محاولة لاستيعاب التدهور، أعلن البنك المركزي اليمني-عدن عن مزادين لبيع أدوات الدين العام أواخر أكتوبر، على أمل جمع 15 مليار ريال يمني من خلال بيع أذونات خزانة بأجل عام واحد (بفائدة 18 في المئة) وسندات حكومية بأجل ثلاث سنوات (بفائدة 20 في المئة)؛ ورغم أن كلا المزادين عرضا استحقاق الفائدة للمساهمين عن كل ستة أشهر، إلا أن ثقة المستثمرين اهتزت بسبب معاناة البنك المركزي في تحقيق استقرار الريال – على الرغم من مزادات العملة الأجنبية والتدخلات المتمثلة بالدعم المالي. لم يكن لدى البنوك اليمنية حافز كبير للمشاركة في المزادات، حيث تعاني من استثمارات كبيرة مجمدة في أذون الخزانة العامة التي تعود إلى أواخر عام 2016. يشير غياب الشفافية لدى البنك المركزي اليمني بعدن، فيما يتعلق بمستوى اكتتاب البنوك في مزادات بيع أدوات الدين العام، إلى انخفاض الطلب بشكل كبير.
في ذات السياق، أدى تخلي البنك المركزي عن دوره التنظيمي والرقابي في ظل التوترات المتصاعدة في البحر الأحمر إلى تنامي القلق في القطاعين التجاري والصناعي. زاد التجار اليمنيون بشكل كبير من طلبهم على العملة الصعبة لتأمين السيولة وتخزين الواردات، خوفًا من حدوث اضطرابات في إمدادات السلع الأساسية، وهو ما زاد من استنزاف العملة الأجنبية. في غضون ذلك، ساهمت تدخلات السعودية في الشؤون المالية لليمن من حين لآخر، في تقويض قدرة البنك المركزي اليمني بعدن على تطبيق سياسات مالية ونقدية مستقلة، فّتحت ضغوط سعودية، أُجبر البنك المركزي اليمني بعدن، على التراجع عن عدة قرارات رئيسية كانت تهدف إلى عزل المؤسسات المالية التي يسيطر عليها الحوثيون. أدى ذلك إلى إضعاف نفوذ البنك المركزي، مما جعله في موقف ضعيف وغير قادر على ممارسة سلطته الكاملة على القطاع المصرفي المنقسم.
طوال شهري نوفمبر وديسمبر، تذبذب الريال الجديد عند مستويات قياسية منخفضة، حيث ظل سعر صرف الريال اليمني فوق مستوى 2,060 ريال يمني لكل دولار أمريكي، مسجلاً انخفاضاً بنسبة 8% منذ أوائل أكتوبر وانخفاضاً بنسبة 33% منذ بداية العام 2025. تم الإفراج عن الدفعة السعودية التي طال انتظارها بقيمة 500 مليون دولار أمريكي، في أواخر ديسمبر – بما في ذلك وديعة بقيمة 300 مليون دولار أمريكي لدى البنك المركزي اليمني بعدن، و200 مليون دولار أمريكي لسد عجز الموازنة الحكومية – وهو ما وفر نوعا من المتنفس، ولكن من غير المرجح أن تعالج هذه الدفعة المشاكل الاقتصادية المتأصلة.
تجدر الإشارة إلى أن الـ 200 مليون دولار أمريكي تمثل الدفعة الرابعة والأخيرة من حزمة المساعدات السعودية البالغة 1.2 مليار دولار أمريكي والتي أُعلن عنها في أغسطس 2023، وبالتالي، ومن دون استراتيجية لاستئناف صادرات النفط، وضمان استقلالية السياسة النقدية في البلاد، وتطبيق سياسات مالية سليمة، من المرجح أن يستمر التدهور الملحوظ للريال، مما سيدفع اليمن إلى أتون أزمة اقتصادية إنسانية أعمق.
الحكومة تعلن عن خطة إصلاح اقتصادي
منتصف نوفمبر 2024، أعلنت الحكومة عن خطة إصلاح اقتصادي طموحة لمعالجة الأولويات المالية العاجلة والتحديات الهيكلية طويلة الأجل. وعلى ضوئه، عقد وزير المالية سالم بن بريك اجتماعاً وزارياً حدد فيه الخطوط العريضة للخطة لتعزيز الإدارة المالية، ومعالجة الفساد، وترشيد استخدام الحكومة للموارد المحلية، وإنشاء لجنة متخصصة تضم ممثلين عن الحقائب الوزارية الرئيسية والبنك المركزي اليمني بعدن. كما تنطوي أجندة الإصلاح الاقتصادي أيضًا على جهود أوسع لتعزيز الشراكات مع القطاع الخاص.
يتمثل أحد الأهداف الرئيسية للخطة في معالجة الاضطرابات المالية الناجمة عن الحصار الحوثي المفروض على صادرات النفط، والتي كانت تشكل جزءًا كبيرًا من إيرادات الحكومة. كشف هذا الحصار، إلى جانب الدعم المحدود من المانحين الدوليين، عن الحاجة إلى استراتيجية مالية منسقة لتقليل الاعتماد على المساعدات الخارجية مستقبلاً وتحقيق أقصى استفادة من الموارد المحلية المحدودة. في هذا السياق، زار وفد من الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة والبنك الدولي عدن، في شهر نوفمبر، لاستكشاف سبل دعم الإصلاحات الاقتصادية التي تقوم بها الحكومة، بما في ذلك تأمين التمويل اللازم لمعالجة الأزمة وتحقيق الاستقرار في القطاعات الرئيسية مثل قطاع الكهرباء.
في غضون ذلك، تستمر الانقسامات السياسية داخل مجلس القيادة الرئاسي، وبين الفصائل الحكومية بإعاقة تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، وعليه، ستعتمد فعالية ونجاعة الاستراتيجية الجديدة بشكل كبير على قدرة الحكومة على رأب انقساماتها الداخلية.
التغير المناخي يهدد التعافي الاقتصادي
قدّر البنك الدولي في تقريره عن المناخ والتنمية الخاص باليمن – والصادر في نوفمبر الماضي – احتمال انخفاض الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بنسبة تصل إلى 3.9 في المائة، بحلول عام 2040، بسبب آثار التغير المناخي والذي قد يتسبب في انخفاض الإنتاج الزراعي والسمكي وإنتاجية القوى العاملة، وتدهور الصحة العامة والبنية التحتية. في السيناريوهات الأكثر تشاؤمًا، حذر البنك الدولي من أن ارتفاع درجات الحرارة قد يؤدي إلى تفاقم الجفاف والتسبب بأضرار في البنية التحتية، الأمر الذي سيزيد من زعزعة استقرار الاقتصاد.
قطاع الزراعة في اليمن يعاني بالفعل من قيود بسبب نقص الأراضي الصالحة للزراعة وشحّ الموارد المائية. تمثل الزراعة المحلية حالياً نحو 15-20 في المائة من احتياجات اليمن الغذائية، وعلى الرغم من أن اليمن يتمتع بالاكتفاء الذاتي في بعض الحبوب – مثل الذرة الرفيعة والدخن – إلا أنه يعتمد بشكل كبير على واردات القمح والأرز والزيت والسكر والحليب. تُعد المساحات القابلة للزراعة محدودة، إذ لا تمثل سوى 2-3 في المائة من أراضي اليمن، كما أن أكثر من 96 في المائة من الأراضي الزراعية مهددة بالتصحر الذي بات يؤثر بالفعل على ما يقرب من 90 في المائة من المناطق الزراعية.
توقع تقرير البنك الدولي انخفاض الأرصدة السمكية بنسبة تصل إلى 23 في المائة، بين عامي 2041 و 2050، بسبب ارتفاع درجات حرارة البحر والتغيرات في النظم الإيكولوجية البحرية. كما يواجه قطاعا الخدمات اللوجستية والنقل تهديدات أيضاً، حيث يعتمد سكان الريف في البلاد على الطرق الترابية غير المعبدة للوصول إلى السلع الأساسية؛ وتوقع التقرير أن ترتفع الأضرار التي ستلحق بالبنية التحتية للنقل بنسبة 45 في المائة بحلول عام 2050، بسبب زيادة السيول والانهيارات الأرضية.
من جانب آخر، دفعت الظواهر المناخية المتطرفة إلى نزوح أعداد كبيرة من السكان، وزيادة انتشار الأمراض المنقولة بالمياه، وفقدان الثروة الحيوانية (الماشية) والأراضي الزراعية، وهي تداعيات من المتوقع أن تستمر، حيث يشير التقرير إلى تأثر حوالي 16.7 مليون شخص: “يتعرض نحو 50% من سكان اليمن لخطر مناخي كبير واحد على الأقل – مثل الارتفاع الشديد في درجة الحرارة أو موجات الجفاف أو الفيضانات، وتؤثر هذه الأخطار على المجتمعات المحلية المهمشة بصورة أكبر من غيرها، مما يزيد من انعدام الأمن الغذائي واتساع دائرة الفقر”.
بناء عليه، دعا البنك الدولي إلى وضع خطة استجابة إقليمية للتكيف مع البيئة المتغيرة، وعلى وجه التحديد، أوصى البنك بتوجيه الاستثمارات نحو الأمن المائي والغذائي، وتطوير البنية التحتية، بما في ذلك الموارد المحلية للطاقة المتجددة، والتنمية البشرية، ولا سيما تمكين المرأة والشباب. هذا وتُعدّ الممارسات المستدامة والإدارة المثلى للموارد مسألة جوهرية للاستثمار الاستراتيجي في القطاعات الحساسة للمناخ مثل الزراعة ومصايد الأسماك. مع ذلك، يتمثل التحدي الأكبر في وصول اليمن إلى صناديق التمويل المناخي، وذلك بسبب ضعف المؤسسات والمخاطر الاستثمارية المتصورة.
تفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن
تعاني اليمن من أزمة إنسانية كارثية ناجمة عن الانهيار الاقتصادي وحلقات الصراع العنيف المتكررة والصدمات المناخية ونقص التمويل. دفعت هذه الأزمات المتداخلة بملايين المواطنين اليمنيين إلى حافة المجاعة، وتسببت في انعدام الأمن الغذائي الحاد في أنحاء كثيرة من البلاد وبدرجة مثيرة للقلق، وقد حذّر تقرير صادر عن شبكة أنظمة الإنذار المبكر بالمجاعة (FEWS NET) من احتياج ما يقرب من 19 مليون شخص في اليمن إلى مساعدات إنسانية عاجلة بحلول فبراير – مارس 2025، وسلط التقرير الضوء على الأثر المدمر للأزمة الاقتصادية المتفاقمة في البلاد، والتي دفعت بالملايين إلى براثن الفقر وانعدام الأمن الغذائي.
خلال شهر سبتمبر 2024، أعربت السلطات المحلية بشبوة عن رفضها لقرار برنامج الأغذية العالمي بإسقاط 8,076 حالة من برنامج المساعدات، وناشد المستفيدون برنامج الأغذية العالمي لإعادة إدراج أسمائهم على قائمة المستفيدين من مشروع الأمن الغذائي التابع له، وطالبوا بإعادة تقييم شامل للمستفيدين من خلال الشريك المحلي لبرنامج الأغذية العالمي، جمعية التكافل الإنساني، وتحميلهم مسؤولية أي عواقب ضارة وسلبية. لقد اشتكى السكان من أن خفض المساعدات سيؤدي إلى ارتفاع مقلق في سوء التغذية والفقر والمرض بين الشرائح السكانية الأكثر ضعفاً، بما في ذلك المرضى والنازحين والأرامل والأيتام.
أعلنت اليونيسف في أكتوبر 2024، عن تسليم تحويلات نقدية إلى 1.43 مليون أسرة من الأسر الضعيفة. في وقت لاحق من ذلك الشهر، قدمت السعودية مبلغا وقدره 25 مليون دولار أمريكي لبرنامج الأغذية العالمي للمساعدات الغذائية الطارئة في اليمن، بهدف الوصول إلى أكثر من 546,000 فرد ودعم قدرة المجتمعات المحلية على التكيف والصمود. أشارت تقييمات برنامج الأغذية العالمي إلى أن 64 في المائة من الأسر اليمنية تعاني من عدم كفاية الاستهلاك الغذائي – وهو أعلى معدل تم تسجيله خلال فترة النزاع. يعود السبب في تجدد هذه الأزمة إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية وتأخر المساعدات الإنسانية ومحدودية وقلة فرص كسب العيش، إلى جانب تفاقمها بسبب السيول الشديدة التي شهدتها البلاد في الأشهر الأخيرة من العام 2024، والتي أثرت بشكل خاص على المجتمعات الضعيفة، إذ أدى تعليق المساعدات الغذائية منذ ديسمبر 2023، إلى ترك ما يقرب من 9.5 مليون شخص في مواجهة انعدام الأمن الغذائي الحاد.
بحلول أواخر نوفمبر وأوائل ديسمبر، رسمت التقارير الصادرة عن منظمة الأغذية والزراعة ووكالات الأمم المتحدة الأخرى، صورة قاتمة عن الوضع الإنساني في البلاد، حيث توقع تقرير الرصد المشترك أن يحتاج 17.1 مليون مواطن يمني (حوالي 49% من السكان) إلى مساعدات غذائية في 2025، ويشمل هذا التوقع 12.4 مليون شخص في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون. يشير التقرير أيضا إلى أن أكثر من نصف اليمنيين عانوا من عدم كفاية الاستهلاك الغذائي في سبتمبر 2024، بسبب تدهور قيمة العملة والصراع الجاري وانعدام الاستقرار الاقتصادي.
في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، أدى انخفاض قيمة الريال وضعف السياسات المالية ومحدودية تدفقات الإيرادات إلى دورة تضخمية حادة. أما في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، فقد أدى النقص الحاد في العملة إلى تفاقم الاختلالات في السوق. بينما لا تزال أسعار المواد الغذائية في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين مستقرة نسبياً، بسبب نظام سعر الصرف الثابت المطبق بصرامة والتحكم في الأسعار، إلا أن الأسر لا تحصل على دخل منتظم إلا بشكل محدود. على النقيض من ذلك، تشهد المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة ارتفاعاً كبيراً في أسعار المواد الغذائية، لا سيما المواد الغذائية الأساسية مثل دقيق القمح والأرز والفاصوليا وزيت الطهي.
ارتفعت تكلفة الحد الأدنى لسلة الغذاء في المناطق الحكومية إلى 130,364 ريال يمني (أي ما يعادل 68 دولارًا أمريكيًا)، بزيادة قدرها 25 بالمائة عن العام 2023. ينطبق الأمر ذاته على المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، حيث ارتفع متوسط تكلفة الحد الأدنى للسلة الغذائية بنسبة 2 في المئة عن العام 2023، ليصل إلى 46,247 ريال يمني (أي ما يعادل 87 دولار أمريكي). أدى انعدام الأمن الغذائي الناتج عن ذلك إلى لجوء 52 في المائة من الأسر اليمنية إلى اتخاذ تدابير قاسية للتكيف مع الأزمة، مثل تقليل حصص الوجبات والبحث عن بدائل أرخص، والتسول، وبيع الممتلكات الشخصية. كما أدى النزوح، لا سيما في محافظات الحديدة ومأرب وتعز، إلى تفاقم الأزمة وزيادة الضغط على الاقتصادات المحلية الهشة أساساً لتلك المحافظات ذات الموارد المحدودة.
في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، أدى انخفاض واردات الوقود بنسبة 31 في المئة بين أغسطس وأكتوبر، إلى تعطيل الخدمات العامة ونقص إمدادات الكهرباء وتحديات في قطاعي الخدمات اللوجستية والنقل، وبينما زادت واردات الوقود عبر موانئ البحر الأحمر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين بنسبة 50 في المئة منذ سبتمبر الماضي، فقد انخفضت واردات المواد الغذائية في جميع أنحاء اليمن بنسبة 30 في المئة خلال نفس الفترة الزمنية. على صعيد آخر، ارتفعت أسعار الديزل والبنزين في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة في شهر نوفمبر، بنسبة 7-14% مقارنة بالشهر نفسه من العام 2023، وبزيادة تتراوح بين 29-31% عن متوسط الثلاث سنوات الماضية، علماً بأن هذه الزيادة كانت مدفوعة أيضًا بالتدهور السريع في قيمة الريال اليمني، الذي انخفضت قيمته بنسبة 26% على مدار العام 2024.
في سياق متصل، يعاني اليمن من نقص حاد في التمويلات المخصصة لخطط الاستجابة الإنسانية في البلاد. ففي أوائل ديسمبر المنصرم، حث مندوب اليمن الدائم لدى الأمم المتحدة المجتمع الدولي على تأمين التمويل لخطة الاستجابة الإنسانية في اليمن للعام 2025. تتضمن خطة الأمم المتحدة للاستجابة الإنسانية لعام 2025، نداءً بقيمة 2.5 مليار دولار أمريكي لمساعدة 10.5 مليون شخص محتاج، إلا أن هناك مخاوف من عدم الحصول على كامل المبلغ، فخطة الاستجابة للعام 2024، عانت من نقص في التمويل، حيث تم تأمين 48.5% فقط من المبلغ المطلوب وهو 2.71 مليار دولار أمريكي.
واصل الحوثيون حملتهم الشرسة لاحتجاز موظفي الأمم المتحدة والوكالات الدولية، مما زاد من تفاقم الوضع الإنساني في اليمن، وقد أدان ممثلو الدول الغربية لدى اليمن، في بيان مشترك، هذه الاعتقالات التعسفية وشددوا على أن مثل هذه الإجراءات تعيق إيصال المساعدات الأساسية إلى الملايين من المحتاجين. أعلنت الأمم المتحدة – بالتنسيق مع الدول الغربية المانحة – أنها ستقلص عملياتها في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، مع إعطاء الأولوية فقط للمبادرات المنقذة للحياة أو الداعمة للحياة. أعقب ذلك إعلان الحكومة السويدية تعليق مساعداتها التنموية في شمال اليمن بحلول نهاية عام 2024، بسبب استمرار الحوثيين في شن هجمات على السفن في البحر الأحمر واحتجاز موظفي الأمم المتحدة، وذكرت الحكومة السويدية أنها ستوقف المساعدات الإنمائية في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة أيضا بحلول يونيو 2025، مشيرة إلى أنها نظرت في الآثار المترتبة على العمل الإنساني في اليمن، ولم تستبعد أن يتم تحويل 80 مليون كرونة سويدية (أي ما يعادل 7.3 مليون دولار أمريكي) من المساعدات التنموية إلى المجالات الإنسانية.
البنك المركزي اليمني بعدن يثير جدلاً بسبب خروج مليارات الدولارات من اليمن
أثار إرسال البنك المركزي اليمني بعدن مبالغ هائلة من العملة الصعبة إلى خارج اليمن انتقادات واسعة النطاق خلال شهر نوفمبر، حيث تم تداول وثيقة على وسائل التواصل الاجتماعي بعنوان ”بلاغ إلى النائب العام حول قيام البنك المركزي بتهريب الأموال بشوالات عبر المنافذ الرسمية وتحت توقيع المحافظ“. زعمت الوثيقة أن الحكومة والبنك المركزي اليمني بعدن قاما بتهريب مليارات الدولارات إلى خارج البلاد خلال عامي 2023 و2024.
أعاد فادي باعوم، عضو هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي، نشر هذه المزاعم في حسابه على فيسبوك بمنشور تم حذفه فيما بعد، وأرفقه بوثائق توضح بالتفصيل المبالغ المسحوبة. وفقًا لتلك المزاعم، فقد تم إخراج قرابة 690 مليون دولار أمريكي، خلال العام 2023، و2.4 مليار ريال سعودي خلال العام 2024، عبر مطار عدن الدولي، وتزايدت الدعوات لإجراء تحقيق فوري وشفاف، مدفوعة بمخاوف من أن تؤدي التعاملات غير القانونية إلى مزيد من زعزعة استقرار العملة وأن تساهم في الانهيار الاقتصادي.
من جهته، شجب البنك المركزي اليمني بعدن بشدة هذه الاتهامات، ونفى القيام بأنشطة غير قانونية في بيان رسمي صدر في 20 نوفمبر، واصفًا هذه الادعاءات بأنها مضللة ولا أساس لها من الصحة. ذكر البنك المركزي أن جميع التحويلات التي وافق عليها تخضع لإجراءات قانونية صارمة، بما في ذلك إجراءات التحقق ومعايير مكافحة غسل الأموال ومكافحة الإرهاب من قبل وحدة جمع المعلومات وقطاع الرقابة على البنوك، وأشار البيان إلى أن المبالغ المعنية هي تحويلات قانونية من قبل البنوك اليمنية المرخصة، وضرورية لتمويل استيراد السلع الأساسية كالغذاء والدواء. كما شكّك البيان في دوافع هذه الادعاءات، مطالبًا بمحاسبة وملاحقة المسؤولين عنها قضائياً.
البنك المركزي اليمني بعدن يعلن عن إطلاق نظام الآيبان
في 11 ديسمبر 2024، أطلق البنك المركزي اليمني بعدن، نظام رقم الحساب المصرفي الدولي (آيبان أو IBAN)، وهي آلية متفق عليها دوليًا لتحديد الحسابات المصرفية لتسهيل المعاملات عبر الحدود الوطنية، وتقليل مخاطر أية أخطاء في التحويلات. كان البنك المركزي اليمني بعدن قد بدأ إجراءات تفعيل النظام وناقش الخطة مع البنوك في أبريل 2024.
أشاد البنك المركزي اليمني بعدن بدعم الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) في هذه الجهود، ويعد نظام رقم الحساب المصرفي الدولي ضرورياً لربط اليمن بالنظام المالي العربي وتعزيز اندماجه مالياً مع ضمان الامتثال للنظام المالي الدولي. مع ذلك، منعت جماعة الحوثيين البنوك في المناطق الخاضعة لسيطرتها من الاتصال بنظام الآيبان، مما عمّق انقسام السياسات المالية في اليمن وفاقم من عرقلة جهود تحديث وتطوير القطاع المصرفي ودمجه في الشبكات العالمية.
عدن تواجه أزمة طاقة في ظل نقص الوقود
خلال الأشهر الأولى من العام الجديد، عانت عدن والمحافظات المجاورة من انقطاع مستمر للتيار الكهربائي لمدة تصل إلى 20 ساعة في اليوم، وأدت أزمة الكهرباء إلى تعطيل توفير الخدمات الأساسية مثل إمدادات المياه والرعاية الصحية ومعالجة النفايات، حيث حذرت المؤسسة العامة للكهرباء في عدن من مخاطر خروج محطات توليد الكهرباء القليلة العاملة، مثل محطتي الحسوة والمنصورة، عن الخدمة بدون إمدادات وقود جديدة. وعلى الرغم من النداءات المتكررة من المؤسسة العامة للكهرباء والسلطات المحلية، إلا أن الاستجابة الحكومية الضئيلة تركت المواطنين في حالة من الاستياء والضعف.
رغم أن مشاريع الطاقة الشمسية – مثل محطة الطاقة الشمسية التي تمولها الإمارات في عدن – توفر أملاً على المدى البعيد لمعالجة هذا التحدي، إلا أنها لا تملك القدرة على تلبية الطلب العاجل على الطاقة. مثلاً، لا يمكن لمنشأة طاقة شمسية بقدرة تشغيلية 120 ميغاواط أن تغطي الطلب المتزايد، فضلاً عن أن اعتمادها على توليد الطاقة خلال ساعات النهار يجعل المدينة عرضة لانقطاع الكهرباء في غير ساعات الذروة. تسلط أزمة الطاقة في عدن الضوء على إخفاقات الحكومة في الإدارة وغياب التنسيق بين السلطات المحلية وشركات الطاقة وموردي الوقود. مع تفاقم الوضع، يزداد خطر حدوث قلاقل اجتماعية وتنامي استياء السكان من عجز الحكومة عن توفير طاقة يعوّل عليها، وستستمر أزمة الطاقة في عدن في تأجيج الاضطرابات وحالة عدم الاستقرار في ظل غياب إجراءات سريعة وشاملة لتأمين إمدادات الوقود والاستثمار في البنية التحتية للطاقة.
من جانب آخر، شرعت الشركة اليمنية للغاز بجهود لمعالجة مشكلة أخرى ملحة في مجال الطاقة، وهي أسطوانات الغاز التالفة، حيث تقوم الشركة باستبدال وصيانة 160 ألف أسطوانة غاز في جميع المحافظات الخاضعة لسيطرة الحكومة، بما في ذلك عدن. تهدف هذه المبادرة إلى ضمان سلامة المستخدمين من خلال استبدال 60 ألف أسطوانة تالفة وإعادة تجهيز 100 ألف أسطوانة أخرى بصمامات إيطالية عالية الجودة، علماً بأن هذه الحملة جاءت بعد اختتام دورة تدريبية لـ 17 فنيًا، كجزء من هدف الشركة الأوسع المتمثل في تعزيز سلامة أسطوانات الغاز و إمداداتها لتلبية الطلب.
سائقو شاحنات نقل الوقود يحتجون على فرض رسوم غير قانونية
بدأ سائقو شاحنات نقل الغاز المنتج محليًا اعتصامًا مفتوحًا، في أكتوبر 2024، عند نقطة حسان في محافظة أبين، حيث اشتكى المحتجون من نقاط التفتيش الأمنية التي أقيمت على طول الطرق الرابطة بين محافظات عدن وأبين وشبوة، والتي تجبي رسومًا غير قانونية – حسب تقارير.
ذكر موقع المصدر أونلاين أن السائقين أُجبروا على دفع رسوم كبيرة – تصل إلى 40 ألف ريال يمني عن كل شاحنة نقل – كـ”ضرائب تحسين”. هذا ويستمر فرض هذه الرسوم رغم التوجيهات التي أصدرها عضو مجلس القيادة الرئاسي عبد الرحمن المحرمي للحد من هذه الممارسات، وذكر سائقو الشاحنات أنهم مُنعوا من دخول العاصمة المؤقتة عدن في حال عدم الامتثال لمطالب الدفع. يسلط فرض الرسوم غير القانونية الضوء على مشكلة تجزئة الموارد في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، ويعكس أيضاً نمطاً أوسع من الفساد وسوء الإدارة الذي يعاني منه الحُكم المحلي في اليمن.
خفض أسعار الديزل في حضرموت
أصدر محافظ حضرموت مبخوت بن ماضي قرارًا ، أواخر أكتوبر، بتخفيض أسعار الديزل في المحافظة بنسبة 45%، من 1,450 ريال يمني إلى 800 ريال يمني للتر الواحد، بينما صرّحت شركة بترومسيلة النفطية المملوكة للدولة إنها ستخصص 350 ألف لتر من الديزل يوميًا لتلبية احتياجات السوق المحلية بالسعر الجديد المدعوم.
في شهر أغسطس، كانت شركة النفط اليمنية بحضرموت قد أعلنت عن زيادة في أسعار الديزل، متذرعة بالحاجة إلى استيراد الوقود لتلبية الطلب المحلي بعد خروج وحدة التقطير الأولى للديزل التابعة لشركة بترومسيلة مؤقتاً عن الخدمة، بسبب ”ظروف قاهرة“. على ضوئه، ارتفعت أسعار الديزل بأكثر من 29%، من 1,200 ريال يمني إلى 1,550 ريال يمني للتر الواحد.
جاء قرار خفض الأسعار في أعقاب احتجاجات واسعة النطاق وتصاعد التوترات بين الحكومة والقبائل المحلية بسبب نقل إنتاج النفط والغاز من حضرموت إلى مناطق أخرى تسيطر عليها الحكومة، وشهدت عدة مدن في حضرموت احتجاجات أججها الانقطاع شبه الكامل للكهرباء وتراجع قيمة العملة المحلية، وقاد التظاهرات تحالف قبائل حضرموت ومؤتمر حضرموت الجامع الذي يقوده الزعيم القبلي ووكيل المحافظة عمرو بن حبريش.
في هذا الصدد، ألقت كل من السلطات المحلية وشركة بترومسيلة وحلف قبائل حضرموت اللوم على بعضها البعض؛ فبينما تعزو الحكومة وشركة بترومسيلة أزمة الكهرباء إلى نقص الوقود والمشاكل الفنية التي تتسبب فيها حلف قبائل حضرموت، اتهم الحلف هذه الجهات بالتلاعب المتعمد والفساد. كانت القوات القبلية المتحالفة مع حلف قبائل حضرموت قد استولت على حقول النفط وأقامت حواجز على الطرق، ومنعت نقل النفط والغاز المنتج محلياً إلى خارج المحافظة كوسيلة للضغط على الحكومة لتلبية مطالبها التي تشمل تخفيض أسعار الوقود وحصة أكبر من عائدات النفط.
شركة بترومسيلة تفتتح وحدة تكرير جديدة
أعلنت شركة بترومسيلة المملوكة للدولة، في 24 نوفمبر، عن افتتاح وحدة جديدة لتكرير زيت الوقود الثقيل (المازوت) في حضرموت. جاءت هذه الأنباء في ظل استمرار أزمة الكهرباء ونقص الوقود في المحافظة، وفي وقت تكافح فيه الحكومة لاستيراد كميات كافية من الوقود بسبب استمرار الأزمة الاقتصادية وانخفاض قيمة العملة.
أكدت الشركة نجاح التشغيل المبدئي لوحدة التكرير وأنها تمكنت من إنتاج كميات تجريبية من المازوت سيتم تخصيصها لدعم محطات توليد الكهرباء في جميع أنحاء المحافظة، تحت إشراف السلطات المحلية، وقال الرئيس التنفيذي لشركة بترومسيلة، محمد بن سميط، إن الهدف هو توفير العملة الصعبة للحكومة من خلال تكرير الوقود محلياً.
من جهتها، وفي بيان منفصل، أشارت المؤسسة العامة للكهرباء في منطقة وادي حضرموت، إلى أن النقص الحاد في الوقود المستورد والحاجة الملحة لصيانة توربينات المحطة الغازية الرئيسية، كانت مسؤولة أيضاً عن زيادة وتيرة انقطاع التيار الكهربائي في المحافظة.
الولايات المتحدة تشدد الضغوط على شبكات تمويل الحوثيين وحماس
من خلال نهج منسق، أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية سلسلة من العقوبات التي تستهدف كلاً من آلة الحرب الحوثية والشبكات المالية التابعة لحماس. تأتي هذه الإجراءات بالتوازي مع تجديد الأمم المتحدة للعقوبات القائمة، وتصنيف كندا للحوثيين كجماعة إرهابية، حيث تهدف مجتمعة إلى تشديد الضغط الدولي على هذه الجماعات.
أوائل أكتوبر 2024، أطلقت وزارة الخزانة الأمريكية حملة عقوبات، استهدفت الجولة الأولى منها شبكات تهريب الأسلحة للحوثيين والعاملة في اليمن وإيران وعُمان، حيث هدف قرار الولايات المتحدة بتجميد أصول الأفراد والكيانات المتورطة، إلى تعطيل إمدادات الأسلحة للحوثيين وإضعاف قدراتهم العسكرية. في حين أن هذه العقوبات قد تقطع بعض من طرق الإمداد، من المحتمل أن تجد الجماعة وسائل بديلة للحصول على الأسلحة والموارد.
فرضت وزارة الخزانة الأمريكية منتصف أكتوبر، عقوبات جديدة على شبكة مرتبطة بسعيد الجمل، أحد الممولين الرئيسيين لجماعة الحوثيين؛ واستهدفت هذه العقوبات ثمانية عشرة شركة وفرداً وسفينة متورطة في نقل النفط بطريقة غير مشروعة، والذي تُستخدم عائداته في تمويل العمليات العسكرية للحوثيين. تسلط العقوبات الضوء على مدى اعتماد الحوثيين على شبكة الجمل لتسهيل بيع النفط الإيراني، وتعكس الجهود الأمريكية المستمرة لمواجهة الدعم الإيراني للحوثيين. على الرغم من أن العقوبات قد تعيق مؤقتًا عمليات تهريب محددة، إلا أن قدرة الحوثيين على التكيف تشير مرة أخرى إلى الحاجة لاتخاذ المزيد من الإجراءات في هذا الصدد.
أما الجولة الثانية من العقوبات، فقد استهدفت حميد الأحمر، وهو شخصية قبلية يمنية بارزة ورجل أعمال مرتبط بحزب الإصلاح، بزعم أنه قام بتحويل ملايين الدولارات لدعم أنشطة حماس عسكرياً وإدارياً في غزة. اتهمت وزارة الخزانة الأمريكية الأحمر، بإدارة محفظة أصول تزيد قيمتها عن 500 مليون دولار أمريكي، بصفته رئيس مجلس إدارة مؤسسة القدس الدولية، وهي منظمة يُزعم أنها متورطة في تسهيل تمويل الأنشطة العسكرية والإدارية لحماس في غزة، من خلال شبكة من الشركات والمنظمات الخيرية المنتشرة في بلدان مختلفة، بما في ذلك تركيا والجزائر وقطر.
يتمتع الأحمر بعلاقات قوية مع مختلف الفصائل السياسية، خاصة حزب الإصلاح، وهذا جعله لاعباً رئيسياً في المشهد السياسي حتى بعد مغادرته اليمن عقب سيطرة الحوثيين على صنعاء. من الجدير بالملاحظة أن العديد من القياديين الحوثيين أعربوا عن دعمهم للأحمر، ونددوا بإدراجه في لائحة العقوبات الأمريكية. قد تؤثر هذه العقوبات على نفوذ آل الأحمر في المشهد السياسي داخل اليمن، بالنظر إلى مكانة أعضاء الأسرة، كشيوخ بارزين في اتحاد قبائل حاشد، وشبكات المحسوبية الراسخة التي يحظون بها، مقابل معارضين لهم أيضا.
في 13 نوفمبر، جدّد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالإجماع بعض العقوبات من خلال القرار 2758، حيث شمل ذلك تجديد حظر السفر وتجميد الأصول على الأفراد والكيانات المرتبطة بالحوثيين. تهدف هذه العقوبات، التي فُرضت لأول مرة عام 2014، إلى الحد من قدرات الحوثيين العسكرية والضغط عليهم للدخول في محادثات سلام. كما مدّد القرار أيضاً ولاية فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة المكلف بمراقبة العقوبات والإبلاغ عن عمليات التهريب والنقل غير المشروع للأسلحة والمواد لمصلحة الأفراد أو الجماعات المدرجة في لائحة العقوبات. في الوقت الذي رحبت فيه الولايات المتحدة بقرار الأمم المتحدة، إلا أنها أعربت عن خيبة أملها لعدم اتخاذ تدابير إضافية، لا سيما تلك التي أوصى بها فريق الخبراء للتصدي للعدوان الحوثي في البحر الأحمر وعمليات تهريب ونقل الأسلحة إلى الجماعة.
في السياق، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية في 14 نوفمبر، عقوبات على 26 فرداً وكياناً مرتبطين بشركة القاطرجي، التي اتهمتها بتسهيل بيع النفط الإيراني إلى سوريا وجماعة الحوثيين. إمعانًا في زيادة الضغط، قامت الحكومة الكندية في 2 ديسمبر، بتصنيف جماعة الحوثيين ككيان إرهابي، باعتبار أن الجماعة بات ينطبق عليها هذا التعريف بموجب القانون الجنائي الكندي، الذي يحظر تمويل الإرهاب وتجنيد العناصر الارهابية، واستشهدت الحكومة الكندية بتمرد الحوثيين ضد الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا وهجماتهم على السفن المدنية والتجارية في البحر الأحمر والممرات المائية الأخرى، بالإضافة إلى استهدافهم لإسرائيل.
تحرك حوثي للسيطرة على تجارة التبغ والقطاعات الاقتصادية الأخرى
يواصل الحوثيون بسط سيطرتهم على القطاعات الاقتصادية الأكثر ربحاً في اليمن. في أوائل أكتوبر، وضعوا شركة التبغ والكبريت الوطنية (كمران) – صاحبة العلامة التجارية المعروفة ”سجائر ريدان“ – تحت سيطرتهم الفعلية. ظلت الشركة (التي كانت تديرها الدولة) في صنعاء طوال فترة الحرب، على الرغم من أن الحكومة المعترف بها دولياً (والتي تتخذ من عدن مقراً لها) هي المالك الرئيسي لها (بحصة أكبر).
حسب ما ورد من أنباء، تمتلك شركة بريتيش أمريكان توباكو حصة 31% من الشركة، وافتتحت مصنعًا في منطقة حرة بالأردن عام 2019. هذا وفرضت السلطات الحوثية حالياً مديرًا عامًا جديدًا للشركة، وعينت شخصين آخرين على الأقل في مناصب عليا بها. وقد استنكر فرع الشركة بعدن هذه التغييرات باعتبارها غير قانونية.
مشروع قانون حوثي لصرف المرتبات
وضع المجلس السياسي الأعلى التابع للحوثيين، في الأول من ديسمبر، مشروع قانون جديد يهدف إلى معالجة مشكلة دفع مرتبات موظفي القطاع العام، والتعامل مع مشكلة صغار المودعين في القطاع المصرفي. قبل ذلك بيوم، ترأس محمد علي الحوثي، عضو المجلس السياسي الأعلى، اجتماعاً لمناقشة تدابير تقشفية بزعم أنها تهدف إلى حل أزمة دفع الرواتب وأزمة القطاع المصرفي في مناطق سيطرة الجماعة. كان من بين الحضور رئيس مجلس النواب الواقع تحت سيطرة الحوثيين ورئيس الوزراء ووزراء المالية والاقتصاد والصناعة بسلطة الجماعة. صادق مجلس النواب (التابع للحوثيين) بصنعاء، في 3 ديسمبر، على مشروع القانون الذي يُشار إليه بـ ”الآلية الاستثنائية المؤقتة” لدعم فاتورة المرتبات.
في حين يهدف القانون ظاهرياً إلى معالجة الصعوبات الاقتصادية لمئات الآلاف من موظفي القطاع العام الذين يعملون ويعيشون في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، إلا أن الآثار المحتملة للقانون والدوافع الكامنة وراءه تثير مخاوف جدية.
يحتوي القانون الجديد على أربعة فصول توضح بالتفصيل مصادر تمويل فاتورة المرتبات، بالإضافة إلى آلية صرف المدفوعات، وينص على أنه سيتم سحب بعض الأموال من الصناديق الخاصة المستقلة، وأبرزها صندوق دعم المعلم. كما يقترح القانون أيضاً حشد أموال إضافية من المؤسسات المستقلة، والتي قد تشمل شركات الاتصالات وغيرها من الكيانات المدرة للدخل المملوكة للحكومة (في مناطق سيطرة الجماعة)، حيث سيُطلب من هذه المؤسسات تقديم مساهمات مالية إضافية خارج الضرائب العادية ورسوم الزكاة، علماً بأن القانون ينص على عدم اعتبار هذه المساهمات المالية قروضاً أو ديوناً مستحقة على الحكومة (أي سلطة الجماعة). كما يشير إلى أن وزارة المالية (التابعة لسلطة الحوثيين) قد تنظر في سداد هذه المساهمات إذا حصلت (سلطة الحوثيين) على تعويضات مستقبلية، على الأرجح في سيناريو ما بعد الصراع.
إلى جانب المخاوف من أن استنزاف هذه الموارد قد يؤدي إلى انهيار أكبر للكيانات والمؤسسات المعنية، تظل الفائدة التي ستعود على المستفيدين موضع شك أيضاً. هذا ويمنح مشروع القانون وزير المالية بسلطة الحوثيين، عبد الجبار الجرموزي، صلاحية تحديد الصناديق التي يجب سحب أموال أو مساهمات منها، ومقدار ما يجب أخذه من أي بنك حكومي أو خاص أو البنوك ذات الملكية المشتركة.
يحدد الفصل الثالث من مشروع القانون آلية صرف المرتبات، حيث ينقسم موظفو المؤسسات الحكومية إلى ثلاث فئات: تشمل الفئة الأولى كبار المسؤولين في مؤسسات معينة مثل مجلس النواب ومجلس الشورى والقضاء وغيرهم، وهذه الفئة ستتقاضى رواتبها كاملة. تمثل رواتب هذه الفئة أقل من 5 في المئة من إجمالي فاتورة مرتبات القطاع العام في مناطق سيطرة الحوثيين. أما الفئة الثانية فتشمل موظفي المؤسسات العامة التي ليس لديها إيرادات أو نفقات تشغيلية كافية، والذين سيحصلون على نصف راتب شهرياً. أما الفئة الثالثة فستحصل على نصف راتب كل ثلاثة أشهر، وتشمل موظفي الهيئات الحكومية التي لديها إيرادات أو نفقات تشغيلية ممولة من حساب الحكومة العام (في مناطق سيطرة الجماعة)، مثل مصلحة الضرائب ووزارة المالية (التابعة لسلطة الحوثيين).
وفقًا لمشروع القانون، فإن الصرف سيكون مرتبطًا بكشف الراتب الموحد، والذي صاغته سلطة الحوثيين وصادقت عليه وزارة الخدمة المدنية (التابعة لسلطة الجماعة). بموجبه، سيظل آلاف الموظفين غير مؤهلين للحصول على رواتبهم إذا ما اعتبروا ”متغيبين“ عن عملهم، لا سيما وأن العديد من موظفي القطاع العام اضطروا إلى البحث عن فرص عمل أخرى بسبب انخفاض دخلهم. فضلا عن ذلك، ينص مشروع القانون على أنه سيتم إلغاء المكافآت والحوافز. هذا وأفاد ثلاثة أعضاء في مجلس النواب الذي يديره الحوثيون – لم يتم الكشف عن هويتهم – أنه تمت إحاطتهم عن آلية تقضي بصرف نصف راتب كل ثلاثة أشهر، مقابل زيادة كبيرة في الضرائب والرسوم الجمركية ورسوم الخدمات الاجتماعية مثل الرعاية الصحية.
من الجدير بالذكر أنه وبعد أن قامت السلطات الحوثية بقطع رواتب موظفي الخدمة المدنية في مناطق سيطرتها، وتأخير دفعها بشكل كبير لأكثر من سبع سنوات، واستغلت هذا الملف في مفاوضاتها مع السعودية، تواجه اليوم استياءً شعبياً متزايداً بسبب الركود الاقتصادي في المناطق الخاضعة لسيطرتها.
- وقد ظهر ذلك خلال المزاد الثاني عشر لهذا العام، حيث تم عرض 50 مليون دولار أمريكي، لكن لم يتمكن البنك المركزي من بيع سوى 25.247 مليون دولار أمريكي – أي أقل بكثير من المبلغ المستهدف. وتشير الفجوة الكبيرة بين سعر الصرف الرسمي البالغ 1,965 ريال يمني لكل دولار أمريكي وقت المزاد والسعر في السوق بعدها، والذي ارتفع إلى أكثر من 2,000 ريال يمني لكل دولار أمريكي، إلى تقلبات كبيرة لقيمة الريال في سوق المال. هذا وتمكن المزاد التالي الذي أقيم في أواخر شهر أكتوبر من بيع 18.446 مليون دولار أمريكي فقط من أصل 30 مليون دولار أمريكي عُرضت للبيع بسعر صرف 2,007 ريال يمني لكل دولار أمريكي – أي نسبة 62٪ الأمر الذي يعتبر مقلقاً.