ملاحظة: نُشر هذا المقال للمرة الأولى على موقع المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية (ISPI).
على مدار العقدين الماضيين، هيمنت الجماعات المعتنقة أيديولوجيات دينية على المشهد في اليمن، بما في ذلك خلال الحرب الجارية منذ عام 2015. أصبحت هذه الأيديولوجيات صُلب المنهجية التي تتبناها تلك الجماعات لتجنيد المقاتلين في صفوفها. تتشكل خارطة هذه القوى الفاعلة من أربع تيارات رئيسية: حزب الإصلاح الإسلامي السني، جماعة الحوثيين الشيعية الزيدية، الجهاديين السلفيين التابعين لتنظيم القاعدة، والسلفيين التقليديين الموالين لمعسكر الحكومة الشرعية، ممن يقاتلون في صفوف جماعات شبه عسكرية مدعومة إما من السعودية أو الإمارات.
ازدهرت التيارات الأربعة في اليمن منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي (مع تغيرات في التسمية أو الإطارات التنظيمية لاحقا)، متأثرة مبدئياً بالتحولات الإقليمية كالثورة الإيرانية و (الجهاد) في أفغانستان. برزت الساحة اليمنية كأرض خصبة بالنسبة لهذه القوى، وبيئة مواتية بسبب العوامل الداخلية المتصلة بهشاشة الدولة اليمنية والطابع الاجتماعي المحافظ.
بدعم من السعودية، تمدد التيار السلفي التقليدي منذ الثمانينيات، ونجح في بناء شبكة واسعة من المؤسسات الدينية، شملت حتى المناطق الزيدية الواقعة شمال اليمن، وهو ما ساهم في تشكيل النواة لجماعة الحوثيين في الثمانينات كَحركة زيدية وأصبح التعبير عنها أوضح في التسعينات. من زاوية أخرى، تمكن حزب الإصلاح أيضا خلال عقد التسعينيات من خلق قاعدة واسعة من المؤيدين على إثر تداعي نفوذ الحزب الاشتراكي في الجنوب بعد الوحدة. فضلا عن ذلك، خلق تنظيم القاعدة موطئ قدم له في المناطق الجبلية في جنوب البلاد أواخر التسعينيات وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بدعم من زعيم التنظيم أسامة بن لادن المنحدر من أصول سعودية وحضرمية.
ساعد عامل التهميش في بلد شاسع متنوع جغرافياً وفقير كَاليمن في ازدهار هذه التيارات. مثلاً تمكنت جماعة الحوثيين في صعدة شمالي اليمن، من استغلال حالة الاستياء الدفين تجاه الحكومة المركزية في صنعاء، وحوّلت المحافظات المحيطة إلى معقل قوي. في استراتيجية موازية، استغل تنظيم القاعدة الشعور السائد بالتهميش والعزلة في محافظات أبين وشبوة والبيضاء ومأرب جنوبي ووسط اليمن، وحوّلها إلى ملاذات آمنة له لا تصلها يد السلطة المركزية.
خلال الفترة التي سبقت اندلاع الحرب في 2015، اتبعت الحركات الإسلامية في اليمن ثلاث استراتيجيات أساسية للاستقطاب والتجنيد: أولا، الدعوة الفردية المباشرة من خلال النشاط التثقيفي في المساجد والمؤسسات التعليمية الدينية الرسمية وغير الرسمية. ثانيا، شبكات الضمان الاجتماعي من خلال نشاط الجمعيات الخيرية كالتي تديرها جماعات سلفية و حزب الإصلاح، والتي تقدم خدمات أساسية للمجتمعات المحلية – أحيانا باستخدام شبكات سرية.
أما الاستراتيجية الثالثة فقد تمثلت في الدعاية الأيديولوجية عبر وسائل الإعلام المكتوبة، وعبر التسجيلات الصوتية لمحاضرات رموزها، ومنذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين عبر شبكات الانترنت. ركز تنظيم القاعدة تحديداً على هذه الوسيلة الدعائية لنشر خطاب ثوري جاذب لفئة الشباب المناهض للأيديولوجيا الشيوعية التي انتشرت في الجنوب منذ ستينيات القرن الماضي. لاحقا، وبالتوازي مع انتفاضة الأقصى الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي، وتداعيات هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، والغزو الأمريكي للعراق في 2003، غيّرت الحركات الجهادية دعايتها لتركز على دعوات لمحاربة “اليهود والصليبيين” – أي أهداف غربية وكيانات محلية داعمة للغرب.
الحرب الأهلية: طفرة المجاهدين والجهاديين
مع انتفاضة عام 2011، ضد نظام الرئيس علي عبدالله صالح، دخلت اليمن في أزمة سياسية أحدثت بدورها فراغا أمنيا كبيراً استغلته هذه الحركات الدينية. بحلول العام 2014، تصاعدت الاضطرابات لتصبح حربا أهلية شبه شاملة عقب سيطرة جماعة الحوثيين على العاصمة صنعاء. في مارس 2015، قادت السعودية التحالف العربي مع الإمارات لبدء تدخل عسكري في اليمن لدعم الحكومة المعترف بها دولياً بعد فرار رئيس الجمهورية إلى عدن.
سمحت انتفاضة 2011، لهذه التيارات بتوسيع قواعدها الشعبية، بينما جاءت أحداث 2014-2015 كفرصة لعسكرة هذه القواعد وتحويلها إلى حركات مسلحة كبيرة، من خلال التركيز على أسلوب التجنيد الجماعي بدلا من الاستقطاب الفردي. استغلت الفصائل السنية المعارضة الشعبية لتوغلات الحوثيين في المناطق التي تُعتبر ذات أغلبية سنية، وبالمقابل، نجح الحوثيون في حشد قاعدة شعبية واسعة ومتنوعة، من خلال تصوير قضيتهم بأنها صراع ضد المتطرفين السنيين – ممن وصفوهم بـ (التكفيريين) الذين يكفرون غيرهم من المسلمين – ودفاع ضد التدخل العسكري السعودي- الإماراتي.
تباينت منهجيات الاستقطاب والتجنيد المعتمدة من قبل هذه التيارات، حيث ركز الإسلاميون السنة والسلفيون بشكل أساسي على التدريب العسكري للعناصر الموالية لهم، في حين ركز تنظيم القاعدة أكثر على التلقين الأيديولوجي لصقل جهاديين أكثر التزاماً وتفانياً. من جهة أخرى، هناك من تبنى نهجا هجينا في عمليات الاستقطاب والتجنيد يجمع بين التدريب التكتيكي والتلقين الأيديولوجي، كجماعة الحوثيين.
من المهم التمييز هنا بين مفهومي المجاهد والجهادي، فالمجاهد هو شخص دفعته الأحداث إلى التطوع للقتال بدافع ديني يخلو بالعادة من الأجندة السياسية الثورية. عادة ما يكون مثل هذا الفرد مستعد للعمل بشكل منضبط تحت إطار نظامي يتبع الدولة، والتحوّل فعلياً من مجاهد أو مقاوم إلى جندي نظامي. الأهم من ذلك أنه مستعد بشكل عام للتخلي عن السلاح بمجرد أن تنتهي مهامه القتالية.
بالمقابل، الجهادي هو شخص مدفوع بمبدأ الثورة الدائمة، ولا يرى القتال كمهمة محددة زمنيا وجغرافياً، بل كمهمة أزلية تتعدى ساحة الصراعات المحلية لتشمل العمل عالمياً من أجل تأسيس النموذج المنشود للدولة الإسلامية وهزيمة الهيمنة الغربية. يُفضل الجهادي دائماً العمل من خلال تنظيمات مسلحة سرية لتحقيق تلك الأهداف.[1]
المجاهدون / المقاومون السنة
أدى اشتعال الحرب الأهلية من جهة، وتنامي حالة الاستقطاب الطائفي “السني/الشيعي” في اليمن – بين السنة التابعين غالباً للفقه الشافعي والزيديين الشيعة – من جهة أخرى، إلى تداخل معقد لدوافع المقاومة، فَمنذ العام 2014، تبنت التيارات السياسية الرافضة لجماعة الحوثيين وانقلابها على السلطة دعوات المقاومة الشعبية، بينما لجأت المجتمعات المحلية لدعوات الجهاد الديني والنفير (التضامن) القبلي لتحفيز المواطنين وتشجيعهم على حمل السلاح دفاعا عن مدنهم وقراهم.
في هذا السيناريو، قاتلت الوحدات العسكرية النظامية الموالية للحكومة الشرعية جنباً إلى جنب مع المتطوعين القادمين إلى الجبهات بدوافع مختلفة: بعضهم بدافع سياسي والذين اعتبروا أنفسهم “مقاومين”، والبعض الآخر بدوافع دينية والذين اعتبروا أنفسهم “مجاهدين”. في أحيان كثيرة كان الدافعان السياسي والديني يمتزجان بشكل معقد عند كثير من المتطوعين.
وجد المقاتلون السنة، ولا سيما أتباع التيار السلفي المتشدد، الذين يؤمنون بطاعة ولي الأمر، سهولة نسبية بالاندماج في الهياكل العسكرية والأمنية للدولة، ولم يجدوا مشكلة في إعلان الولاء للحكومة الشرعية والحفاظ على علاقة ودية مع التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات الداعمة للحكومة. منذ العام 2020 تقريباً، اختارت فئة كبيرة من هؤلاء المقاتلين العودة مجددا إلى أعمالها الطبيعية التي كانت تزاولها قبل اندلاع الصراع، إما في الدعوة الإسلامية أو في سوق العمل (في مختلف القطاعات المهنية) لأنهم رأوا أن الجهاد واجب مؤقت يزول بزوال التهديد العسكري الداهم على مناطقهم.[2]
في بداية الحرب اندمج هؤلاء المقاتلون ضمن صفوف “المقاومة الشعبية” ومع الوقت وتطور الحرب، أصبحوا جزءا أصيلا من تكوينات الجيش الموالي للحكومة الشرعية التي تتخذ من عدن مقراً لها. حالياً، توجد قوات عسكرية ينتمي قادتها وجزء كبير من أفرادها إلى العقيدة الدينية السلفية، وتعمل ضمن إطار القوات المسلحة الوطنية بشكل عام.
تعبئة المقاتلين السلفيين: ثلاثة هياكل عسكرية موالية للحكومة
تم احتواء الكتلة السلفية التي قاتلت في اليمن من خلال دمجها في ثلاثة هياكل عسكرية جميعها موالية لمجلس القيادة الرئاسي للحكومة الشرعية:
- قوات الجيش الوطني: تتمركز في مأرب وتعز، وتُعد موالية لحزب الإصلاح على المستوى السياسي، لكنها نظاميا تتبع وزارة الدفاع اليمنية.
- ألوية العمالقة الجنوبية: تنتشر في محافظات شبوة وأبين ومناطق الساحل الغربي وأجزاء من محافظة مأرب، وكان لها دور أساسي في دحر تقدّم الحوثيين في مأرب وشبوة والحديدة. يقود ألوية العمالقة العميد عبدالرحمن المحرمي ، وهو قيادي سلفي جنوبي من محافظة أبين وعضو في مجلس القيادة الرئاسي، وتربطه علاقات جيدة مع الرياض وأبوظبي. منذ 2023، أصبح المحرمي أحد نائبيّ رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب باستقلال جنوب اليمن. هذا وتُعد ألوية العمالقة بمثابة القوة الضاربة داخل المعسكر المناهض للحوثيين، وتتلقى تمويلها وتسليحها مباشرة من الإمارات.
- قوات درع الوطن: تنتشر في محافظات حضرموت والضالع و لحج و عدن، وهي مجموعة ألوية أسستها الرياض عام 2022، كي تحاكي تجربة “ألوية العمالقة”، ويتزعمها قيادي سلفي هو العميد “بشير المضربي”.
تعبئة المقاتلين السلفيين ليس بالأمر العسير بطبيعة الحال، حيث تتطوع أعداد كبيرة منهم للتدرّب قتاليا وعسكرياً ضمن ألوية نظامية، لكن لا يتضح بعد المناطق والمديريات التي يتم فيها تجنيدهم على أساس جماعي. عقيدتهم القتالية تمثل مزيجا من الانضباط الوطني لقيادة الحكومة الشرعية، والعداء الطائفي لجماعة الحوثيين.
إلى جانب هذا المزيج، تتفرد ألوية العمالقة بميول أكبر نحو مبدأ استقلال الجنوب. بعيدا عن العقيدة القتالية، تمثل ألوية العمالقة وجهة مغرية لتجنيد الشباب لما تملكه من سمعة جيدة فيما يتعلق بمقاومة الحوثيين، وأيضا لنأيها بنفسها عن الخلافات الداخلية بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي. كما لعبت ألوية العمالقة دورا في جهود مكافحة الإرهاب التي يقودها المجلس الانتقالي الجنوبي ضد تنظيم القاعدة في محافظة أبين.
برزت ألوية درع الوطن أيضاً في السنوات الأخيرة كقوة عسكرية كبيرة ضمن هيكل القوات النظامية التابعة للحكومة، وتخصص الرياض (الداعم الرئيسي لهذه الألوية) مرتبات مالية منتظمة لها، بالريال السعودي، وبالتالي تعد مجزية أكثر من وجهة نظر المجندين مقارنة بكيانات عسكرية أخرى (كقوات الجيش الوطني او حتى القوات العسكرية الموالية للمجلس الانتقالي الجنوبي).
الجهاديون السلفيون
بالعادة، لا تتم صناعة “العنصر الجهادي” من خلال عملية الحشد الجماعي، بل تتطلب تلقينا وتدريبا دقيقا وخاصا يُقدّم لكل فرد على حدة، ويتخللها اختبارات ومهام صارمة لإثبات الولاء المطلق، تصل أحياناً حد التكليف بمهام انتحارية.
انطلاقا من العام 2014، حوّلت قيادة تنظيم القاعدة منهجيتها لتجنيد أكبر عدد ممكن من الشباب المتطوع – سواء من اليمن أو من خارجه – لقتال الحوثيين والحشد لمواجهة تمددهم. كما سعى التنظيم إلى دمج هؤلاء المتطوعين في هيكله السري، والذين شكّلوا كتلة مقاتلة يتم توظيفها في تنفيذ أجندة التنظيم “الجهادية” لمحاربة الحكومة التي يعتبرها “مرتدة وغير شرعية”، فضلاً عن تجنيدهم لعمليات نوعية تستهدف مصالح الغرب وحلفائهم في المنطقة: أي السعودية والإمارات.
بتخفيف شروط التجنيد الصارمة التي كان ينتهجها، أقدم تنظيم القاعدة في اليمن على مجازفة دفع ثمنها الباهظ لاحقاً، فقد كان من بين المجندين عملاء قاموا بالوشاية بالتحركات الأمنية لقيادات التنظيم، مما أدى إلى تحديد مكان تواجد زعيمه المؤسس ناصر الوحيشي ومقتله بغارة جوية أميركية عام 2015، وتصفية نخبة من أبرز القيادات المؤسسة لفرع القاعدة في اليمن.
عام 2018، اتخذ خليفة الوحيشي “قاسم الريمي” تدابير جديدة لمنع الاختراقات والعودة إلى الصرامة في اختيار العناصر التي يتم تجنيدها. أدرك التنظيم صعوبة المزج بين نهج التلقين الجهادي النخبوي والصارم، وبين الاستراتيجية غير المضمونة لاستمالة مجموعة أوسع من المجاهدين، لكن ما أخفق فيه تنظيم القاعدة، نجحت في تحقيقه جماعة الحوثيين بشكل فريد واستثنائي، مستفيدة من موقعها كسلطة حاكمة فعلية على مناطق جغرافية واسعة.[3]
الجهاديون الشيعة (الحوثيون)
تتّبع جماعة الحوثيين منهجية تجنيد صارمة لصناعة المجاهدين المتفانين، الذين يشبه التزامهم الأيديولوجي التزام الجهاديين السلفيين. يخضع هؤلاء الأفراد لتلقين عقائدي ونفسي مكثف منذ مراحل عمرية مبكرة، مع أفضلية واضحة لأولئك المنتمين إلى طبقة الهاشميين (المدعون بأنهم أحفاد النبي محمد) على عكس غالبية اليمنيين المنحدرين من أصول قبلية. بالعادة، ينحدر غالبية المجندين من محافظة صعدة – مسقط رأس مؤسس الجماعة – أو من مناطق أخرى شمالي اليمن، ويعتبر جهاز الأمن الوقائي (جهاز أمني متخصص ضمن هيكل الجماعة) الجهة المشرفة على مراقبة وتقييم مدى ولاء المقاتلين الذين يتم تعيينهم ضمن أجهزة الأمن التابعة للجماعة، أو في قوات النخبة العسكرية التابعة بصورة مباشرة لمكتب الزعيم الحالي للجماعة عبدالملك الحوثي.
دفع احتياج الحوثيين الشديد إلى مقاتلين نشطين للدفع بهم في مختلف الجبهات المحلية، إلى أسلوب التجنيد الجماعي، لكن بخلاف المقاتلين السنة المتحالفين مع الحكومة الشرعية، استخدم الحوثيون تكتيكات التجنيد القسري من خلال إلزام الشيوخ القبليين الموالين لهم بتوفير أعداد محددة من المتطوعين، وكذلك من خلال ربط الوصول إلى المساعدات الغذائية والإنسانية بعملية التطوع للقتال، مستغلين الواقع الإنساني في تلك المناطق.
لا تعطي جماعة الحوثيين أولوية للتلقين العقائدي المتخصص لهؤلاء المقاتلين، بل تُخضعهم لما يسمى بـ “الدورات الثقافية” وهي أشبه بجلسات توجيه معنوي وعقائدي مخصصة للقوات المسلحة، وتجري هذه الاستعدادات الأولية قبل توزيعهم ضمن وحدات المشاة أو قوات الاحتياط، وفي أحيان كثيرة يتم الدفع بهم إلى جبهات القتال حتى دون تلقي القدر الكافي من التدريب.
في الأوساط الشعبية بمناطق سيطرة الحوثيين، هناك تمييز شائع بين مصطلح “الحوثي” أي الفرد المُلقن والأصيل داخل الجماعة، و “المتحوث” أي الفرد المنضم حديثا إليها. بسبب اعتماد الحوثيين على أسلوب الأمواج البشرية في تكتيكهم القتالي، فقد واجهوا خلال السنوات الأخيرة تحديات كبيرة في التجنيد والحفاظ على قوة الجماعة القتالية. لذا انصب تركيزهم بصورة أساسية على تجنيد الأطفال كونهم أسهل في الانقياد والتوجيه، وهي استراتيجية يُنظر إليها أيضاً باعتبارها استثماراً مستقبلياُ يخدم غرضا طويل الأمد يتمثل في صناعة جيل قادم من المقاتلين الحوثيين المخلصين.
أحداث السابع من أكتوبر وإنعاش التجنيد الجهادي
عام 2023، بدا واضحا أن تنظيم القاعدة وجماعة الحوثيين في مواجهة تحديات بالغة في عمليات الحشد والتعبئة والتجنيد، وأيضا مواجهة نوع من المعارضة الداخلية والتمرد في صفوف عناصرها من الرتب الدنيا، لكن الحرب الإسرائيلية على غزة جاءت لتُنعش عمليات التجنيد لهذه الجماعات.
كان لافتا قيام الحوثيين بافتتاح عشرات المعسكرات التدريبية في مناطقهم تحت مسمى “طوفان الأقصى” – وهو اسم العملية التي شنتها حركة حماس ضد إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023 – لاستقبال المتطوعين الشباب. بحسب تصريحات زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي، فقد تم تجنيد حوالي 300 ألف مقاتل خلال العام 2024. أما تنظيم القاعدة، والذي جمّد سياسة الباب المفتوح في عمليات التجنيد منذ العام 2018، فقد عاد عام 2023، ليستأنف بحذر استقبال المتطوعين الشباب الذين عجزوا عن احتمال مشاهد العنف اليومي ضد الفلسطينيين.
الخلاصة
كانت اليمن على الدوام أرضاً خصبة للتجنيد من قبل الجماعات الدينية المسلحة، لكن مع استمرار الحرب من جهة وتنامي الأزمات السياسية الإقليمية خلال العام الماضي من جهة أخرى، اكتسبت عمليات الاستقطاب والتجنيد زخماً متجدداً. ستشكل هذه الطفرة في المقاتلين معضلة رئيسية في بناء السلام باليمن مستقبلاً، ومجموعة إضافية من التحديات أمام الجهود الرامية إلى الحد من استقطاب الشباب إلى صفوف الميليشيات وإعادة دمج بعض تلك العناصر في المجتمع المدني. وهنا تأتي أهمية فهم الفرق بين “المجاهد” الذي قد يكون قابلا لإعادة التأهيل حسب الظروف وبما يحقق له قدرا من مصالحه، وبين “الجهادي” الذي لن يكون ملتزما بأية تسوية سياسية طالما لم تحقق غايته العقائدية.
- عزمي بشارة ، “تنظيم الدولة المكنّى “داعش”، الجزء الأول: إطار عام ومساهمة نقدية في فهم الظاهرة” (الفصل الثاني)، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بيروت، 2018.
- مثلا، كان الشيخ “عبدالرحمن اللحجي” أحد أهم القيادات الميدانية التي ساهمت في تحرير محافظتي عدن ولحج في جنوب اليمن، لكنه قدم استقالته من منصبه العسكري عام 2020، بعد توقف المعارك العسكرية ضد الحوثيين فعلياً وقرر العودة لدوره السابق كخطيب وإمام مسجد الصحابة في عدن.
- من السابق لأوانه معرفة التأثير الذي قد يحدثه نجاح هيئة تحرير الشام في سوريا على الجماعات السلفية الجهادية في اليمن وأماكن أخرى. تشكّلت هيئة تحرير الشام في سوريا كإعادة تسمية لفرع تنظيم القاعدة المعروف بـ “جبهة النصرة”، في محاولة للتموضع أمام الأطراف الفاعلة الأجنبية – بما في ذلك الولايات المتحدة – كجماعة تتبنى الوسطية والاعتدال. استبدل جهاديوها الطموحات العابر للحدود الوطنية ببراغماتية تركز على السياق المحلي في سوريا.