اعتاد اليمنيون على سياسة يديرها عتاولة الفساد في البلاد، لكن لا شيء يضاهي التسريبات التي نشرتها الصحافة بداية يناير، والتي تستدعي وضع هذه القضية تحت المجهر. أدت التوترات القائمة منذ فترة بين رئيس الحكومة ورئيس مجلس القيادة الرئاسي إلى سيل من التسريبات الإعلامية أماطت اللثام عن مستويات الفساد الذي ينخر مؤسسات الدولة أمام المراقبين والمواطنين العاديين على حد سواء.
نشرت منافذ إعلامية تفاصيل مأخوذة من تقارير رسمية مسربة، تكشف نماذج من أوجه الفساد في قطاع الاتصالات، و الإنفاق الباذخ على القنصلية اليمنية في جدة وعلى البعثات الدبلوماسية الأخرى، وتأسيس شركة النفط الحكومية، بترو مسيلة، لكيان تجاري بقيمة 2.8 مليار دولار أمريكي في منطقة حرة بِعُمان. كما يستشري الفساد في مناطق سيطرة جماعة الحوثيين، حيث تم فضح ممارسات فساد داخل سلطة الجماعة، بما في ذلك تسريبات من أحد المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي، مقيم في الولايات المتحدة، كشفت ممارسات الفساد في استخدام الأموال لدى البنك المركزي بصنعاء.
هذا مجرد غيض من فيض، في عام 2023، تناول تقرير حكومي انهيار منظومة الكهرباء (قطاع كلّف مبلغ 2.27 مليار دولار أمريكي خلال العام 2022 وحده)، ووصفها بـ “الثقب الأسود لابتلاع المال العام نتيجة لتفشي ظاهرة الفساد”. الوظائف الحكومية أصبحت مناصب صورية، حيث أصبح توزيع المناصب وسيلة للمحاصصة بين القوى السياسية، بالإضافة إلى ذلك، تمكن بعض البيروقراطيين من الاستحواذ على نفوذ وصلاحيات مفرطة – فأحد المسؤولين المُحالين للتحقيق كان رئيسا للهيئة العامة للأراضي (بالإنابة)، إلى جانب منصبه الأساسي كَمدير لمكتب رئيس الوزراء، وهذا خير مثال على نوع من تكديس المناصب في يد شخص واحد، الأمر الذي يفتح المجال أمام المحسوبية والفساد المالي.
قوّض هذا الفساد المستشري من ثقة الشعب والمانحين في الحكومة، وكان لذلك تبعات وخيمة. السعودية شددت تمويلها خلال العامين الماضيين بسبب مخاوف من سوء إنفاق أموالها في عدن والمناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة. خلال الشهرين الماضيين، بدأت الدول المانحة بالضغط من أجل اتخاذ إجراءات لمعالجة هذه المسألة بعد أن اشتكى رئيس الوزراء للدبلوماسيين من الفساد المالي داخل مجلس القيادة الرئاسي. نتيجة لذلك، يتعرض أعضاء مجلس القيادة الرئاسي الآن للضغوط لقضاء المزيد من الوقت في عدن، حيث يمكن للمواطنين متابعة أداء الحكومة عن قرب والتأكد من قيامها بمهامهما تجاههم.
تشهد المناطق التي تسيطر عليها الحكومة ظروفاً صعبة، بسبب عدد من العوامل المؤثرة كَالحصار الذي يفرضه الحوثيون على صادرات النفط، وتدهور الوضع الاقتصادي، إلاّ أن الاختلال العميق في أداء مؤسسات الدولة وعجزها الواضح، أصبح يؤثر بشكل كبير على الحياة اليومية للمواطنين. مع تركيز المسؤولين على تحقيق مكاسب شخصية ومصالح سياسية أو حزبية ضيقة، تآكلت ثقة الناس في الحكومة، وأصبحت بعض المحافظات تدرس البدائل المتاحة في ظل تدهور الوضع في عدن حيث تضغط بعضها (كحضرموت) الآن بقوة من أجل مزيد من الاستقلالية والسيطرة المحلية على الموارد.
لعلّ أسوأ عواقب الفساد في الحكومة هي المكاسب الدعائية التي منحها هذا الفساد للحوثيين، فرغم القمع الذي يمارسونه ضد المعارضين، وسحق الكيانات المستقلة – بما في ذلك السلطة القضائية – وفرضهم جبايات هائلة على شعب يعاني من الفقر الشديد، إلا أن فساد الحكومة وانقسامها لا يقدم بديلاً مقنعاً. نتيجة لذلك فقد بدأ صبر المواطنين والمانحين ينفذ.
تُدرك جماعة الحوثيين هذا الواقع، وهو أحد العوامل الرئيسية التي مكنتها من الدخول في محادثات مباشرة مع الرياض دون أن يكون للحكومة رأي فيها. وللتعامل مع تداعيات فشلهم في الحكم، حاولت بعض الأطراف المناهضة للحوثيين توظيف عمليات الجماعة في البحر الأحمر لإقناع الأطراف الخارجية بدعم عملية عسكرية ضدها والعودة إلى الحرب. يبقى الخطر أن يفقد اللاعبون الدوليون اهتمامهم بدعم الحكومة اليمنية بسبب فسادها، ما قد يعزز سلطة صنعاء التي تظهر أكثر تماسكا، ويهدد الحكومة الهشة في عدن.
خلاصة القول، الحكومة في أمس الحاجة إلى تحسين موقفها ومعالجة الفساد الداخلي الذي يعتبر عامل ضعف أساسي إذا ما أرادت تجنب مثل هذه المآلات. كلّف مجلس القيادة الرئاسي الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة بالتحقيق في قضايا الفساد التي تم الكشف عنها مؤخرا، لكن من الضروري أن تتسم هذه التحقيقات بالجدية والحياد والشفافية.
من الآن فصاعدًا، يجب أن تتم التعيينات السياسية والإدارية على أساس الكفاءة. على القيادات السياسية أن تضع جل تركيزها على إعلاء المصلحة الوطنية بدلاً من الانغماس في خلافاتهم السياسية. كما أن من الضروري السماح لمجلس النواب بممارسة كامل صلاحياته الرقابية والإشرافية، ويُمكن للأطراف الخارجية المساهمة لتحقيق ذلك عبر الضغط على المسؤولين في الحكومة.
مع تصنيف إدارة ترامب للحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية، حان الوقت للحكومة لتكثيف جهودها، وتنظيف صفوفها، وتقديم نفسها كسلطة ذات شرعية مكتسبة من الشعب. لا مبالغة في القول إن القضاء على الفساد هو أمر حاسم لضمان الاستقرار الإداري والإقليمي للدولة اليمنية في المستقبل. يجب أن تتعامل الحكومة مع هذا القرار ومعالجته بشكل عاجل، مع التأكيد على أن القضاء على الفساد هي خطوة مصيرية في ضمان الاستقرار الإداري للدولة اليمنية، حيث يعزز مصداقيتها ويجعلها جديرة بالحكم.
اعتاد اليمنيون على سياسة يديرها عتاولة الفساد في البلاد، لكن لا شيء يضاهي التسريبات التي نشرتها الصحافة مؤخراً، والتي تستدعي وضع هذه القضية تحت المجهر. أدت التوترات القائمة منذ فترة بين رئيس وزراء الحكومة ورئيس مجلس القيادة الرئاسي إلى سيل من التسريبات الإعلامية أماطت اللثام عن مستويات الفساد الذي ينخر مؤسسات الدولة أمام المراقبين والمواطنين العاديين على حد سواء.
نشرت منافذ إعلامية تفاصيل مأخوذة من تقارير رسمية مسربة، تكشف نماذج من أوجه الفساد في قطاع الاتصالات، والإنفاق الباذخ على القنصلية اليمنية في جدة وعلى البعثات الدبلوماسية الأخرى، وتأسيس شركة النفط الحكومية (بترو مسيلة) لكيان تجاري بقيمة 2.8 مليار دولار أمريكي في منطقة حرة بِعُمان. كما أن الفساد مستشرٍ في المناطق التي تحت سيطرة جماعة الحوثيين، حيث تم فضح ممارسات فساد داخل سلطة الحوثيين، بما في ذلك تسريبات من أحد المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي (مقيم في الولايات المتحدة) كشفت سوء استخدام الأموال لدى البنك المركزي في صنعاء.
هذا مجرد غيض من فيض: عام 2023، تناول تقرير حكومي انهيار منظومة الكهرباء (قطاع كلّف مبلغ 2.27 مليار دولار أمريكي خلال العام 2022 وحده)، ووصفها بـ “الثقب الأسود لابتلاع المال العام نتيجة لتفشي ظاهرة الفساد”. الوظائف الحكومية أصبحت مناصب صورية في نظام المحاصصة، حيث يتم توزيع المناصب بين الفصائل السياسية أصبحت المناصب الحكومية وسيلة للمحاصصة بين القوى السياسية، بالإضافة إلى ذلك، تمكن بعض البيروقراطيين من الاستحواذ على نفوذ
,وصلاحيات مفرطة – فأحد المسؤولين المُحالين للتحقيق كان رئيسا للهيئة العامة للأراضي (بالإنابة)، إلى جانب منصبه الأساسي كَمدير لمكتب رئيس الوزراء، وهذا خير مثال على نوع من تكديس المناصب في يد شخص واحد، الأمر الذي يفتح المجال أمام المحسوبية والفساد المالي.
قوّض هذا الفساد المستشري من ثقة الشعب والمانحين في الحكومة، وكان لذلك تبعات وخيمة. السعودية شددت تمويلها خلال العامين الماضيين بسبب مخاوف من سوء إنفاق أموالها في عدن والمناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة. في الشهرين الماضيين، بدأت الحكومات المانحة بالضغط من أجل اتخاذ إجراءات لمعالجة هذه المسألة بعد أن اشتكى رئيس الوزراء للدبلوماسيين من الفساد المالي داخل مجلس القيادة الرئاسي.
نتيجة لذلك، يتعرض أعضاء مجلس القيادة الرئاسي الآن لضغوط لقضاء المزيد من الوقت في عدن، حيث يمكن للمواطنين متابعة أداء الحكومة عن قرب والتأكد من قيامهم بمهامهم تجاههم.
تشهد المناطق التي تسيطر عليها الحكومة ظروفاً صعبة، بسبب عدد من العوامل المؤثرة كَالحصار الذي يفرضه الحوثيون على صادرات النفط وتدهور الوضع الاقتصادي، إلاّ أن الاختلال العميق في أداء مؤسسات الدولة وعجزها الواضح، أصبح يؤثر بشكل كبير على الحياة اليومية للمواطنين. مع تركيز المسؤولين على تحقيق مكاسب شخصية ومصالح سياسية أو حزبية، تآكلت ثقة الناس في الحكومة، وأصبحت بعض المحافظات تدرس البدائل المتاحة في ظل تدهور الوضع في عدن حيث تضغط بعض من المحافظات كحضرموت الآن بقوة من أجل مزيد من الاستقلالية والسيطرة المحلية على مواردهم.
لعلّ أسوأ عواقب الفساد في الحكومة هي المكاسب الدعائية التي منحها هذا الفساد للحوثيين. فرغم القمع الذي يمارسونه
ضد المعارضين، وسحق الكيانات المستقلة – بما في ذلك السلطة القضائية وفرضهم جبايات هائلة على شعب يعاني من الفقر الشديد. إلا أن فساد الحكومة وانقسامها لا يقدم بديلاً مقنعاً. ونتيجة لذلك فقد بدأ صبر المواطنين والمانحين ينفذ.
تُدرك جماعة الحوثي هذا الواقع، وهو أحد العوامل الرئيسية التي مكنة الحوثي من الدخول في محادثات مباشرة مع الرياض دون أن يكون للحكومة رأي فيها. وللتعامل مع تداعيات فشلهم في الحكم، حاولت بعض الأطراف المناهضة للحوثي ال لتوظيف العمليات الحوثية في البحر الأحمر لإقناع الأطراف الخارجية بدعم عملية عسكرية ضد الحوثيين والعودة إلى الحرب. ويبقى الخطر أن يفقد اللاعبين الدوليين ببساطة اهتمامهم بدعم الحكومة اليمنية بسبب فسادها، مما قد يعزز سلطة صنعاء مزيداً التي تظهر بالمقارنة أكثر تماسكا ويهدد الحكومة الهشة في عدن.
خلاصة القول، الحكومة في أمس الحاجة إلى تحسين موقفها ومعالجة الفساد الداخلي الذي يعتبر عامل ضعف أساسي إذا ما أرادت تجنب مثل هذه المآلات. كلّف مجلس القيادة الرئاسي الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة بالتحقيق في قضايا الفساد التي تم الكشف عنها مؤخرا، لكن من الضروري أن تتسم هذه التحقيقات بالجدية والحياد والشفافية.
من الآن فصاعدًا، يجب أن تتم التعيينات السياسية والإدارية على أساس الكفاءة. وعلى القيادات السياسية أن يضعوا جل تركيزهم على إعلاء المصلحة الوطنية بدلاً من الانغماس في خلافاتهم السياسية. كما أن من الضروري السماح لمجلس النواب بممارسة كامل صلاحياته الرقابية والإشرافية، ويُمكن للأطراف الخارجية المساهمة لتحقيق ذلك عبر الضغط على المسؤولين في الحكومة.
مع تصنيف إدارة ترامب للحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية، حان الوقت للحكومة لتكثيف جهودها، وتنظيف صفوفها، وتقديم نفسها كسلطة ذات شرعية مكتسبة من الشعب. لا مبالغة في القول إن القضاء على الفساد هو أمر حاسم لضمان الاستقرار الإداري والإقليمي للدولة اليمنية في المستقبل. يجب أن تتعامل الحكومة مع هذا القرار ومعالجته بشكل عاجل، مع التأكيد على أن القضاء على الفساد هي خطوة مصيرية في ضمان الاستقرار الإداري للدولة اليمنية، وهو ما يعزز مصداقيتها ويجعلها جديرة بالحكم.